اسم "عمار" شاب ينطبق عليه المثل القائل: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، حيث كان عاملاً وبائعاً بسيطاً لدى فرقة مسرحية يديرها ويملكها شخص واحد هو المنتج والمؤلف والمخرج، ففي صباح اليوم الأول لعرض المسرحية بالمساء "إيقاع زمن واقع" غاب لظرف طارئ الممثل الرئيس بالمسرحية، مما اضطر المخرج أن يضع عمار مكان النجم الغائب، لمعرفته بأن عمار لديه القدرة على الحفظ بصورة جيدة، من خلال حضوره الدائم والمنتظم للبروفات والتدريبات بصفته عامل نظافة يؤدي خدمات جيدة للممثلين، وبعد محاولات إقناع وافق عمار أن يأخذ مكان النجم، وكان أداؤه بالعرض الأول وكافة العروض رائعاً لدرجة أهلته للتحول لعالم النجومية في المسرح والتلفزيون، هي الصدفة وحدها التي قادت عمار للتمثيل والتي قدمها له المخرج، بعدها قرر عمار أن يكون التمثيل مهنته وحياته، لتبدأ رحلته مع التلفزيون بعد المسرح، محققاً شهرةً وجماهيريةً غير متوقعة، فتناولته وسائل والإعلام والتواصل الاجتماعي كمادة فنية تحقق الكسب الجماهيري، لكن عندما عايش عمار الوسط الفني وكواليسه عن قرب، اتضح له أن الدراما لا تخدم الناس والمجتمع، فالمسلسلات والمسرحيات يراها نوع من التشويه للواقع باسم الفن، ورأى أن الكثير من الممثلين بعيدون عن الفن، دخلوه من باب الصدفة كما هو حاله، عرف أن وجوه الممثلات لا تعرف إلا المكياج، وبالتالي وجه عمار أصابع الإدانة والاتهام الى المؤلف المخرج المنتج، ذلك الشخص الانتهازي الذي كتب النص وأخرجه وأنتجه بعيداً عن الواقع الاجتماعي المعاصر ولا يرتبط بصلة بقيم وعادات وتقاليد المجتمع المحافظ، كل ما هو حاصل من مسلسلات ومسرحيات لا يعكس إلا واقع أهل التمثيل المتفكك، أخيراً قرر عمار ترك التمثيل في مفاجأة مدوية بالنسبة للفرقة والجمهور، رفض أن يستمر في تمثيل أدوار الرجل الطماع أو الشرير، التي لا تعكس واقعه النفسي والاجتماعي، قرر أن يتوقف عن تشويه سمعة المجتمع بالمسلسلات والمسرحيات الهابطة، ترك النجومية والشهرة والمال وعاد إلى مكانه الطبيعي، عامل نظافة وبائع مكسرات ومشروبات للجمهور أثناء العرض المسرحي.. وفي مذكراته التي لم يكتبها وينشرها بعد، كتب تدوينة: كل شعوب العالم تستخدم الفن لإظهار أجمل ما في مجتمعاتهم من مستوى حضاري مشرق، إلا الدراما المحلية فهي تقدم الأسوأ!! في جانب آخر مازالت عروض مهرجان الرياض للمسرح ال20 مستمرة، وهي تعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة، لقد أوجدت هذه العروض حراكاً مسرحياً في كل مدن المملكة، وهي بلا شك تجربة فريدة يعيشها المسرح السعودي، تجربة كشفت مواهب واعدة ترسم صورة خالدة في كافة عناصر المسرحية، كل الامتنان لجمهور المسرح الذي ملأ أرجاء المسرح حباً وفرحاً، والشكر لكل من أنار المهرجان بحضوره هذه العروض.
