من طبيعة الحيوانات والطيور أنها تنفر من البشر، وتجري مبتعدة عنهم، خوفاً من الأذى، لكن هذا لا يحدث في المحمية الصغيرة التي أسسها مهند العمر في مدينة أشيقر شمال محافظة شقراء، فالغزال الذي يفر منك في البرية تراه بالمحمية يتمشى بجوارك، كأنه يسلم عليك، فيما تأتي الطيور لتقف على يد مهند، وهو ينادي عليها كما ينادي الأب على أولاده، فتأتيه مرحبة، سعيدة. تمتلئ محمية الشاب السعودي مهند بأكثر من ألفي طائر وحيوان صغير، جمعهم من عدة مناطق بهدف حماية أكثرهم من الانقراض، والصيد الجائر، وأخذ على عاتقه واجب التوعية بأهمية الحفاظ عليهم، وإسداء نصائح ثمينة لهواة التربية، وكذلك توعية الصائدين بالفترات التي يجب عليهم التوقف فيها عن الصيد، حتى يمنحوا الطيور والحيوانات فرصة التزاوج والتناسل. وعند زيارتنا له بالمحمية، كان يرعى الحيوانات التي اعتادت الشرب من يده، وشاركناه تغذيتها، وبدت هادئة لطيفة، تشعر بالامتنان، لا الخوف أو الفزع، وعندما تحدث عنها كأنه أب يتحدث عن أبنائه، قال: إنه بدأ تلك الهواية منذ الصغر، حتى كبرت معه، فصار متخصصاً في معرفة أنواعها، وجنسياتها، وأماكن تواجدها، مضيفاً أن أعدادها لا يمكن أن تُحصى؛ لأن الله سبحان الله خلق منها ما لا يُعد، في كل بلد من بلاد العالم هناك أنواع وأشكال لا يعرف عنها الكثيرون سوى القليل جداً، وما نراه عندنا قد لا يُوجد في بلد آخر، والعكس صحيح. سعادة ورضا ويبدو مهند العمر، سعيداً جداً بمنظر الطيور حوله، قائلاً: إنها مصدر من مصادر الراحة النفسية، مؤكداً كلامه هذا دراسة صادرة عن المركز الألماني لبحوث التنوع البيولوجي التكاملي، ركزت على سكان القارة الأوروبية، فاكتشفت أن أسعد الأوروبيين هم أولئك الذين يمكنهم رؤية العديد من أنواع الطيور المختلفة في حياتهم اليومية، أو الذين يعيشون في محيط شبه طبيعي يعتبر موطناً للعديد من أنواع الطيور، حيث تقول الدكتورة كاترين بونينج غيسيه -مديرة المركز-: إنهم فحصوا البيانات الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص الذين تم مسحهم في الدراسة، مؤكدةً على دهشتهم الكبيرة، حيث وجدوا أن تنوع الطيور مهم لإرضاء الناس مثل دخلهم. بيئة آمنة وسألنا مهند العمر عن كيفية تعايش الطيور التي يجلبها من الدول المختلفة مع مناخ المملكة الحار، خاصةً وأن كثير منها يأتي من بيئة باردة جداً، فقال: إن الأمر يشبه الطريقة التي يفعلها البعض منا عندما يقي نفسه أثر تقلبات الجو، فقبل أن يدخل من مكان بارد إلى حار أو العكس فإنه يتريث قليلاً، ويمهد نفسه وجسمه للجو الذي سينتقل إليه، وهكذا يفعل هو مع الطيور، ويعني ذلك ضرورة فهم ودراسة السلوكيات الطبيعية للطيور لتوفير أفضل بيئة لهم لتربية صغارهم دون أي مشكلات. وعن تربية الطيور والحيوانات تحدث قائلاً: إنها ليست سهلة كما يعتقد البعض؛ لأن الطيور البرية هشة ويجب التعامل معها بحذر، واختيار موقع مناسب له، مع الأخذ بالاعتبار نوع المكان والمناخ الأفضل للأنواع التي ترغب في تربيتها، مضيفاً: يُفضل اختيار الطيور التي تتمتع بصحة جيدة وتأتي من مصادر ذات بيئة جيدة، وإيجاد بيئة آمنة ومريحة لها، والأهم أن تبعدها عن الحيوانات المفترسة والحيوانات الأخرى التي تشكل تهديدًا لها، لذا بنى مهند في محميته أقفاصاً حديدية محكمة الإغلاق، مُشدداً على ضرورة تزويد الطيور بالكثير من المياه العذبة والنظيفة ومراقبتها عن قرب للتأكد من بقائها بصحة جيدة وآمنة. دراية باللوائح وأكد مهند العمر على أنه بالمعرفة الصحيحة والإعداد والتفاني، يمكن لأي متحمس للطيور أن يتمتع بتجربة ناجحة وممتعة عند تربية الطيور، لذا يجب عليه أن يختار الأنواع المناسبة وأن يكون على دراية باللوائح والأنظمة للأنواع التي يمكن تربيتها أو صيدها حتى يجنب نفسه المتاعب، ويجنب الطيور والحيوانات أيضاً الكثير من المشكلات، ومن المهم مراعاة احتياجات الطيور جيداً، كذلك لا بد من فهم أساسيات تزاوج الطيور، ومعرفة عمرها، ومعرفة كم يحتاج الطائر للتزاوج، حتى تتمكن من توفير مواد التعشيش المناسبة والغذاء والمأوى حسب الظروف والتفاصيل. خطر الانقراض وأوضح مهند العمر أن كثيراً من الحيوانات والطيور التي جلبها إلى المحمية تعاني من خطر الانقراض، وهو بذلك يساند عمل الجهات المعنية بالمملكة والمهتمة بحماية تلك الثروة من الاندثار، كالهيئة السعودية للحياة الفطرية، مؤملاً أن يكون هناك تكامل وتعاون كبير بينه وبين هذه الجهات؛ لأن هدفهم بالنهاية واحد، وهو حماية الحياة البرية من الاندثار، ناصحاً باختيار الوقت الصحيح للصيد، والتوقف عنه تماماً في موسم التزاوج والولادة للطيور والحيوانات؛ لأنه في حال مثلاً جرى اصطياد أنثى حيوان وهي حامل أو لديها صغار في الجُحر، فإن الصغار سيموتون جوعاً، مشيراً إلى أن بعض السلالات أصبحت تتناقص من عام إلى آخر وقد تنقرض في حال استمرار الصيد العشوائي الجائر. مهند العمر صاحب المحمية إرضاع صغار الغزال من المهم فهم سلوكيات الطيور لتوفير البيئة الأفضل لها