لو قلت لأكثر المتفائلين قبل انطلاق المونديال إنَّ المنتخب السعودي سيكسب الأرجنتين في ملحمة عظيمة و(ريمونتادا) تاريخية ستكون حديث العالم أجمع، ثم سيفتقد عنصرين أساسيين أمام بولندا لكنه سيظهر بمستوى مشرف ويسيطر ويستحوذ ويخسر بالحظ وبأخطاء تحكيمية وفردية، ثم سيخسر أمام المكسيك بهدفين لهدف بعد أن شارك بصف دفاع احتياطي وبغياب المالكي والفرج والشهراني، وبعد أن لعب سالم الدوسري من منتصف الشوط الأول متحاملًا على إصابته، وخرج البليهي مصابًا مع نهاية الشوط الأول؛ لو قلت لأكثر المتفائلين هذا السيناريو ربما اتهمك السامعون بأنك مفرط بالتفاؤل، ودعوا الله بالستر والمستوى المشرف والخسارة من ميسي ورفاقه وليفاندوفيسكي وأصحابه ولوزانو وجماعته بأقل نتيجة ممكنة!. الكل كان يتوقع بل ويجزم بأن تأهل المنتخب السعودي في مجموعة تضم الأرجنتين وبولندا والمكسيك أمر مستحيل كرويًا؛ لكن ما حدث أنَّ مستوى الطموح والثقة بالأخضر ارتفعا بعد الفوز التاريخي على الأرجنتين؛ لذلك شاهدنا بعض (ربعنا) الذين كانوا يتوعدوننا بالخسائر التاريخية يصفون ما حققه الأخضر في قطر بالفشل و(الفشيلة)؛ لكن الحقيقة هي أنَّ أخضرنا قدم في قطر كل ما يستطع وأكثر مما يستطيع وأكثر مما كنا نحلم به؛ وجعلنا نقول بعدما كنا نخشى عليه مما سيكون: «كان بالإمكان أفضل مما كان»!. أما مقارنة منتخبنا بمنتخبات عربية وآسيوية تملك كتيبة من المحترفين في كبرى الدوريات الأوروبية فهو ظلم صريح وتحميل للأخضر ولاعبيه ومدربه فوق طاقتهم وقدراتهم وإمكاناتهم وواقع الكرة السعودية التي تحتاج للكثير من السنوات من العمل والتخطيط الصحيح حتى يمكن أن تصبح منظومة قادرة على أن تنتج منتخبًا قادرًا على أن يتسع لأحلامنا التي كبرت أكثر مما ينبغي لها بعد ملحمة الأرجنتين التي سيذكرها التاريخ مهما طال الزمن!. كان يمكن أن يتأهل الأخضر كما حدث في مونديال 94 لو ابتسم له الحظ بداية من القرعة ووضعت معه منتخبًا عربيًا أو أفريقيًا مقارب له بالمستوى والقدرات، أو لو أن الحظ والتحكيم أنصفاه أمام بولندا، أو لو أنَّ الإصابات والغيابات لم تفتك به وتخلخل خطوطه وانسجامه منذ أول مباراة؛ لكنَّ التأهل لن يصلح حال الكرة السعودية ولن يعالج العيوب والأخطاء التي تعج بها منظومة كرة القدم بدءًا من غياب الأكاديميات الحقيقية المنتجة للمواهب، مرورًا بساعات التدريب المخجلة التي يخضع لها اللاعب السعودي، وانتهاء بانعدام الاحتراف الخارجي للاعبينا، ولو كان التأهل لدور ال16 سيعالج كل مشكلاتنا لفعل ذلك في 94!. ذهبنا إلى قطر لنعكس للعالم أجمل صورة عن واقع الكرة السعودية وموهبة اللاعب السعودي وأرى أنَّنا فعلنا ذلك وصعقنا العالم كله أمام الأرجنتين، وشاهدنا الوكالات والقنوات والمواقع الأجنبية وهي تتحدث عن كنو وسالم وعبدالحميد وتمبكتي وعن مهارة اللاعب السعودي، وتحدث كثير من مدربي ونجوم العالم عن شخصية المنتخب السعودي ومواهبه، وبغض النظر عن عدم التأهل وباستثناء مباراة المكسيك التي عصفت بنا فيها الغيابات والأخطاء وضعف البدلاء فإنَّ الأخضر قدم في مونديال قطر مشاركة من أجمل المشاركات في تاريخ مشاركاته في كأس العالم، وهذا مارآه وشهد به العقلاء، بعيدًا عن حملات المأزومين والمتعصبين المنظمة والمجهزة مسبقًا للانتقاص من الأخضر والإطاحة بمدربه القدير هيرفي رينارد!.