رواية الصابئة، للكاتبة حنان القعود، التي أجادت الكاتبة في اختيار عنوانها المعبر عنها بإيجاز بليغ، رواية اجتماعية ذات طابع درامي، تُقرأ بعُمق لمن ذاقوا ويلات تلك الحقبة (حقبة الثمانينات والتسعينات)، رواية متماسكة كتبت بلغة بسيطة ومباشرة، تتفاعل مع أحداثها دون أن تشعر بتشتت، ناقشت فيها الكاتبة العديد من القضايا الاجتماعية الهامة (الحُب والعنصرية والإرهاب)، ومنها قضية موجودة في مجتمعنا «قضية عدم تكافؤ النسب»، ولكن الجمال في الرواية هو الطريقة التي عرضت بها هذه القضية، حيث تنتقل بنا الكاتبة بين الأزمنة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، حتى نعيشها بكل ما كانت تحويه من أشياء بسيطة كانت أو غريبة، أو عادات طواها الزمن، رواية تحمل بين طياتها القليل من الخوف، والكثير من الجرأة، رواية ترغمك على الإكمال لترى كيف تبدو الحقيقة من خلف الإطار، وتدور أحداثها ما بين مدينتي الرياض وبوسطن الأمريكية ما بين عام 1984م وحتى 1996م، حول بطلة الرواية «نجلاء» الفتاة النجدية القبيلية التي صبأت عن العادات والتقاليد التي نشأت عليها من خلال زواجها أثناء ابتعاثها إلى أمريكا من «يوسف» الذي لا ينتسب إلى أي قبيلة، ولكن بعد عودتها إلى الوطن تعرضت إلى حادث مروري سبب لها فقدان للذكرة، وهذا الحدث هو ما أعطى الرواية جمالها وقوتها، وخلال محاولات نجلاء استرجاع ذاكرتها وماضيها المفقود في المجتمع السعودي ذي الخصوصية الحادة، والذي تتصارع فيه الأعراف والتقاليد والتعصب القبلي مع الحب، نعيش أحداث سلسة ومترابطة فيها بينها، أخذتنا بها الكاتبة تارةً إلى أجواء ساحرة وحميمية بين الأصدقاء، وتارة أخرى لأجواء درامية ومؤلمة، تُثير نوعًا من الصدمات التي لا نراها إلا حين نترك ضمائرنا في مكاشفة أمام مرآة النوايا، لنعرف أي حقيقة مشوهة نُبطنها وإن تظاهرنا بعكس ذلك، كُل ما في هذه الرواية واقعي، والواقعية هنا ليست في القصة بحد ذاتها، بل واقعية حدوثها الفعلي في مجتمع يقدم العادات والتقاليد على الدين الذي لم يفرق بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى، ونهاية الرواية كانت طبيعية ومتوقعة، ففي لحظة الخيبة نمعن في الانتقام من أنفسنا ومن الناس، تقول الكاتبة في ذلك: «يحدث أن تنمو بداخلنا ردة فعل عكسية تجاه خيباتنا وبدلاً من محاولتنا للتغيير نزداد تزمتاً وعناداً ورغبة بأن يتذوق الآخرين من الكأس ذاته المرّة التي تجرعناها فنفقد تسامحنا ونتحول لمسخٍ تجرد من إحساسه وتفكيره وإنسانيته». وكتبت القعود نص الغلاف الأخير لهذه الرواية بحروف مؤثرة جداً جاء فيها: «منذ اللحظة الأولى التي ولجت فيها إلى المنزل بعد أن غادرت المستشفى وشعور غريب يتملكني، رغبة مُلحة بالكتابة حتى بعد أن استيقظت من غيبوبتي التي أخبروني بأنها دامت لأسابيع، وأثناء مرضي كنت أتوق لانتزاع أنابيب المحاليل من يدي وأكتب وكأنما كانت الكتابة صراخي وشكواي، كانت عيناي تبحثان عن ورقة أسكب بها حبرًا من دمٍ ودموع أبث فيها ما أعجز عن قوله لوالدي الذي كان لا يبدي اكتراثاً لذاكرتي المثقوبة والتي تسربت منها أعوامٌ من عمري طوتها حالة «الأمنيزيا» في غياهبها، وكأنها لم تكن وكأني لم أعشها». خالد المخضب