رواية حرير الغزالة للكاتبة جوخة الحارثي، المؤلفة من أربعة فصول، زهوة الحياة، حفلة الأوركسترا، مُغني الملكة، عام الفيل. وتتخللها يوميات داخلية تكتبها حرير، تحكي قصة نسوة من الريف العماني وتحديداً من قرية اسمها "شعرات باط" قبل أن يتحول اسمها إلى "الواحة"، ومن هذه القرية الصغيرة المليئة بالأفلاج الصغيرة التي تمرّ بالبيوت والبساتين ستنطلق الشخصيات إلى مناطق ومدن بعيدة. تبدأ أحداث الرواية بشخصيتي (غزالة وآسية)، ثم (حرير وغزالة)، وفي الحالين غزالة أو ليلى، التي منحتها الكاتبة إسمان، ليلى الاسم الذي أسمتها به والدتها، وغزالة الاسم الذي اختارته لها سعدة أمها من الرضاعة، عاملاً مشتركاً في هاتين الثنائيتين، كما تمثل آسية أيضاً عاملاً مشتركاً سردياً بين حرير وغزالة، إذ تمثل آسية لحرير حاضرها، وتمثل لغزالة الماضي الذي شكل شخصية غزالة اللاحقة. فعلى الرغم من المساحة الصغيرة التي تشغلها آسية سردياً إلا أنها تتمدد في خطين زمنيين مختلفين، ماضي غزالة وحاضر حرير. نحن إذن إمام شخصيتين تؤطران رحلة السرد، غزالة مروياً عنها بصوت الراوي العليم، وحرير التي تكتب يومياتها بضمير المتكلم، أرادت أن تكون الجسر الواصل بين طرفي الرواية الأصليين، غزالة وآسية بعد تفرقهما، حيث صادقت الشخصيتين معاً واحتفظت لنفسها بحق معرفتهما منفصلتين، لتمارس لعبة الظهور من خلال يومياتها الداخلية، والاختفاء من خلال سرد حكاية غزالة، وهي حكاية تحد لامرأة تزوجت في مقتبل العمر ورغماً عن أهلها، من عازف الكمان الذي عشقته، إلا أنه هجرها بعد أن أنجبت له توءمين، فبقيت تحارب كأم، وطالبة جامعية، وامرأة عاملة، والرجل الثاني في خريطة غزالة فكان العراقي المقيم في السويد والمتخصص في إنتاج قصص الرسوم المتحركة، ومن خلال حواراتهما الافتراضية تستعيد الماضي من ذاكرتها، حين تحضر أهوال العراق بشكل أو بآخر عبر "مغني الملكة" كما أطلقت عليه غزالة، وكأنها عاشتها، أما "الفيل" زميلها في العمل، متزوج ولديه ابنة تعاني من متلازمة داون، فكان ثالث الرجال في خريطة غزالة نحو السعادة بالارتباط، لكنه ينسحب دون إتمام ذلك الارتباط، لقناعته أن ذلك يصب في مصلحة الجميع، لتبقى تبحث عن عشق يسد ثغرات الروح المتعددة. كما تُمثل حرير نموذج المرأة المستقرة اقتصادياً القلقة اجتماعياً. المتمثل في إصابة أمها بمرض السرطان، والعلاقة الفاترة بين الأم والأب، والغيرة التي تعتري زوجها بين حينٍ وآخر، لذلك تعكف على الماضي، وتسترجع ذكريات طفولتها وصديقتها غزالة. من خلال القفز بين الحكايات والأزمنة والأماكن المختلفة، لتستعيد من خلالها توازنها المفقود، تقول حرير في إحدى فقرات الرواية، كاشفة أهم ما يشكل شخصيتها: "لما كبرت ورأيت عيون الآخرين تنظر داخل حياتي، تعلمت أن أتحدث عن نفسي بنغمة شكوى كي يغفر لي حسن طالعي، أقول أمام زميلاتي العزباوات: إن الزواج مجرد مصادفة، وأمام اللاتي لم ينجبن إن الأولاد مجرد هم لا ينقضي، وأمام المثقلات بالديون إني سأحتاج عاجلًا قرضاً ما. أما همومي الحقيقية التي لا يرينها، فلا أشكوها لأحد. لمن أشكو؟" تقول الكاتبة عن الزمن "تسلّل الزمن كأفعى وسكن في شقوق المرآة والأيام، حتى إذا سكنت المرآة تفتحت الشقوق وانسلّ الزمن، تحوّلت أفعاه إلى غول وواجهني. من أنت؟ أنا الزمن. قيل إنك تداوي الجرح لا تُلهبه. ذلك حين أجري وأذوب لكني مُستكن ومتربص. لم أنت غول؟ لم أكن قط أقل من ذلك". هناك تفاصيل كان من المستحسن تأخيرها كي لا يفقد النص بذكرها منذ البداية أو المنتصف وهجه، وذلك من خلال الكشف المبكر لإحساس آسية أخت غزالة بالرضاعة وما تعانيه من شعور الذنب الناتج عن دفع الأخت الصغيرة في الفلج ما سبب غرقها.