تنشدّ الأنظار إلى القمة العربية المرتقبة على مستوى القادة المزمع عقدها في 22 آذار (مارس) في الجزائر (مع أنّ هناك احتمالية للتأجيل) وهي دولة محورية تستطيع أن تؤدي دوراً أساسياً، كرئيسة للقمة، في الوساطة والمصالحة بين النظم العربية، لا سيما في مرحلة تشهد فيها الأوضاع العربية حالة استثنائية تستدعي التعاضد وتكثيف الجهود. التوترات والأزمات، بلا ريب، أحد الظواهر السياسية في العلاقات الدولية، وما تشهده العلاقات العربية - العربية لا يخرج عن إطار هذه الديناميات والتفاعلات التي يتسم بها المناخ الدولي انفراجاً وتعقيداً، ركوداً وتحركاً. الجامعة العربية، وهي بيت العرب، ما فتئت تواجه المعطيات والمتغيرات والعواصف التي يمر بها الوطن العربي، وتجهد في بذل المساعي، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لكنّ واقع الحال يصدم هذه الجهود بإرادة الدول الأعضاء التي تمسك بزمام القرارات، وتوجّهها وفق مصالحها ورؤاها السياسية. هذه اللقاءات الأخوية المباركة تهيئ الفرص لمعالجة الكثير من الخلافات التي باتت، (أو هكذا يتعيّن) من تاريخ الماضي أمام التحديات الجيوسياسية والاستراتيجية للدول العربية، في ظل حقبة تشهد تفاعلات خطيرة بين القوى الدولية العظمى، قد تؤثر على النظام الدولي في أسسه وتوجهاته المستقبلية، لأننا نعتقد أنّ العالم ما قبل المواجهة العسكرية المسلحة بين روسيا وأوكرانيا، لن يكون هو العالم نفسه بعد أن تصمت طبول الحرب، ويتوارى دخان الحرائق. هذه التفاعلات الدولية تحفز الآن، أكثر من أي وقت مضى، على عقد مثل هذه القمة لطرح الأفكار وتبادل الرؤى بين القادة العرب، والنظر العميق في أهمية عودة سورية للحاضنة العربية، والتحرك الإيجابي لبلورة رؤية واقعية تأخذ بالاعتبار المواقف كافة، والمقاربة الدولية مع مختلف الأطراف المعنية بالأزمة السورية، ما يؤسس لحقبة جديدة من تاريخ العرب تتجسّد في عودة دمشق للجامعة العربية. ويتضح من مجريات الأمور وتطورات العلاقات بين سورية والدول العربية، أنّ ثمة شبه اتفاق بين سائر الدول العربية إزاء عودة سورية، باستثناء دولة واحدة، ربما، تنسق مع جهات إقليمية مثل تركيا التي تحتل الجزء الشمالي من سورية، بذريعة مشكلة الأكراد، وهي مشكلة قديمة ترتبط بشكل أكبر بطموح الشعب الكردي في الحرية والاستقلال، وعلى إيرانوتركياوالعراق البحث في تسويتها، ولا يُلقى بالعبء كله على كاهل سورية. أضف إلى ذلك، أنّ تواجد أمريكا لن يكون طويلاً، فمتى توفرت التفاهمات التي تنسجم مع رؤيتها ستغادر من موقعها في شرق الفرات، وستُراجع دعمها لمجلس سورية الديمقراطية (مسد) والجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، خصوصاً في ضوء رغبة واشنطن في تقليل تواجدها في الشرق الأوسط (Retrenchment) منذ بداية العقد الماضي. وما يساهم في تعقيد المشهد هو وجود إيران، الذي يشكل تحدياً أيديولوجياً وحضارياً وسياسياً وعسكرياً، وهو أمر يهدد الهُوية العربية، بالنظر لقيامها بشراء العقارات في ضواحي دمشق وبناء المدارس الإيرانية، ومع ذلك فإنّ النفوذ الإيراني، مهما طال أو تمدّد، لن يستطيع أن يؤثر في عروبة سورية، كما لم ولن يؤثر نفوذ إيران في عروبة العراق ولبنان واليمن. العروبة هنا ليست محل تساؤل أم مثار شك، أما علاقات المصالح بين الدول فأمر طبيعي. وفي النظر إلى تعقيدات المشهد المحيط بسورية، يجب تفكيك وتحليل العلاقة الروسية السورية التي تدخل في إطار العلاقات الثنائية، مثلما ينشأ بين الدول الأخرى التي ترتبط بمصالح مشتركة مع روسيا. لذلك تبرز أهمية دور الدول العربية في التحرك والقيام بدبلوماسية نشطة لدفع الأطراف الدولية: روسياوأمريكاوإيرانوتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، لتغيير مواقفها، والإسهام في بناء سورية وانتشالها من تحت الأنقاض، بما يحفظ كرامة الشعب السوري، وعدم إجهاض الجهود أو إطالة أمد المعاناة، والأهم من ذلك احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية. الجامعة العربية تمتلك الآلية الأمثل لبحث التضامن العربي، ومواجهة التحديات المتعاقبة والمتغيرات الجديدة كحزمة واحدة، لأنّ تركها، أو التعامل معها بمنطق التجزئة، سيفاقمها في المستقبل؛ ما يشكّل استنزافاً للطاقات العربية، وكبحاً لمسيرة البناء والتنمية. ومع الإدراك والإقرار بمدى صعوبة التحديات والظروف التي تواجه سورية، ووعورة التدخلات الأجنبية وتداعياتها الفادحة، فإنّ على الجامعة العربية ألا تجعل هذه الظروف أشد صعوبة مما هي عليه، فمنهج العزل والنأي عن التصدي لتفاعلات الساحة العربية من شأنه إتاحة الفرصة للأيادي الأجنبية ولميليشيات الظلام والفوضى أن تعبث بمقدّرات الشعب السوري. أما جهود الأممالمتحدة، وإن كانت متواضعة من خلال المبعوث الخاص لسورية السيد غير بيدرسون، والتي أطلق عليها "نهج خطوة بخطوة" فهي مقاربة تحمل الكثير من المضامين واحتمالات انفتاح جديد في أفق العملية السياسية، وفقاً لقرارات الأممالمتحدة، وتحريك الحل السياسي، وعلى الأممالمتحدة التفاهم مع القيادة السورية لأن ذلك أمر يدخل في إطار السيادة السورية. ما يدفع على التفاؤل هو ما نشهده من روح جديدة لدى الدول العربية الفاعلة، وفي مقدمتها المملكة، قوامها الواقعية في السياسة والممارسة الصائبة واليقظة لما يحيق بالوطن العربي من مخاطر وعواصف، بما في ذلك التحسّب لأية ممارسات يمكن أن تقوم بها إسرائيل، والتصدي لمختلف التقلبات السياسية، وتجاوز الهواجس الدبلوماسية في العلاقات العربية، مما يجعل هذه العلاقات أكثر ثباتاً وإثماراً وتعاوناً، لتخطّي هذه العقبة من مسيرة العمل العربي المشترك. * كاتب سعودي ودبلوماسي سابق