هناك رجالٌ يحملون همّ أنفسهم، وآخرون يحملون هم ذويهم والمقرّبين منهم، وقلةٌ قليلة بل ندرةٌ نادرة يحملون همّ أمّتهم، وجميعَ من حولهم، يشرئبون إلى أن يكونوا سندًا وعونًا. الإمام محمد بن سعود -رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنّة- حين رأى من حوله تهبُّ بهم الرياح يُمنةً ويُسرة، الفقرُ والجوعُ والمرض يعصفُ بهم، ذلك لظروف البيئة الصحراوية التي يعيشون بها؛ حيثُ هي شديدة الحرارة صيفًا، شديدة البرودة شتاءً، مع قلّة الأمطار وشدّة الجدب، الأرضُ طاردة غيرُ جاذبة، رأى الإمام محمد بن سعود -رحمة الله عليه- أنّ لا مناصَ من تكوينِ وتأسيسِ وإنشاءِ دولة، تجمع الشتات وتلمُّ المتفرّق، ويحاول رغم صعوبة المحاولة وضعف الإمكانات وشح الموارد؛ إلا أنّ العزيمة والإرادة والتوكّل على الله من قبل ومن بعد، هي حزامه وعصابة رأسه، الناسُ يتضوّرون جوعًا وفقرًا ومرضًا، ينظرون إليه بمنظار الزعيم القائد ذي الرأي، فبدأ بتكوين دولته في العام 1139ه الموافق 1727م، حينها بدأت الحياة تدب، والانتعاش يسري، وبدأ الناسُ يتوافدون للانضمام إلى الدولة الفتيّة، أخذ المهاجرون يعودون إلى أرضهم وصحرائهم شيئًا فشيئًا، وأخذ الأمنُ يستتب رغم المحاولات لوأد هذه الدولة الناشئة، والتآمرُ عليها، وبعد كبوة الدولة في العام 1818م، وبعد سبع سنوات عادت على يدِ الإمام تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود للمرة الثانية؛ حتى جاء الفارس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل واستنهض جواده واستعاد دولته وأمسك زمام الأمر بعد عشر سنوات عِجاف على الأرض والأمّة، في العام 1319ه الموافق 1902م، وأعلن توحيدها تحت اسم المملكة العربية السعودية في العام 1351ه الموافق 1932م، وها هي الدولة السعودية -المملكة العربية السعودية- تتخطّى الثلاثمئة عام، ثلاثة قرون وهي في ازدهارٍ وتقدّمٍ يومًا بعد يوم، وطيلة هذه المدّة والناسُ كل الناس والأمة كل الأمة يدعونَ للإمامِ محمد بن سعود، والإمام تركي بن عبدالله، والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ولأبنائه البررة من بعده الذين تولوا الملك حتى هذا العهد المبارك -عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز-؛ وما أدلّ على امتنان المواطنين والأمة لقيام هذه الدولة من أن يشركوهم في الصدقات والوصايا، وما وصيّة عبدالرزاق بن محمد الجويعي في غرة شهر شوال من العام 1299ه الموافق 1881م إلا أنموذج من تلك الوصايا؛ إذ أوصى أن يتم سنويًا ذبح أضحية للإمام محمد بن سعود وابنه عبدالعزيز وما تسلسل من عقبهما؛ وذلك إيمانًا من الموصي كغيره من المواطنين على شكر الله ومن ثم شكر الإمام محمد بن سعود على إيمانه وشجاعته وفروسيته وبناء هذه الدولة وجمع الشتات ولم الشمل؛ إذ هي النواة الأولى في بناء صرح المملكة العربية السعودية، وهذا هو ديدن جميع المواطنين في المملكة العربية السعودية. وما ذاكَ إلا حُبًا لهذه الدولة ولمؤسسها والقائمين عليها من فضائل على البلاد والعباد، وما إحياء يوم تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الإمام محمد بن سعود في الثاني والعشرين من فبراير من كل عام إلا إحياء لذكرى عزيزة على كل مواطن؛ إذ يتذكرون ذلك اليوم بكل الفخر والاعتزاز، فهو أملهم بعد الله، إذ بدّل -بتوفيقٍ من الله- خوفهم أمنًا وجهلهم علمًا ومرضهم صحةً وعافية، وأصبحت بلادهم مأوى الخائفين والجائعين، وفوقَ ذلك كله مهوى أفئدة العالم الإسلامي في الحرمين الشريفين، الحرم المكّي بمكة المكرمة والحرم المدني بالمدينة المنورة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، وأصبح ملوك المملكة العربية السعودية يشرفون بخدمة هذين المسجدين الحرمين الشريفين، فملك المملكة العربية السعودية خادمٌ لهذين البيتين، وهذا ما زادَ المملكة شرفًا وعزًا وسؤددًا.