من منطوقِ الآيةِ الكريمةِ ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)؛ تسابق المؤمنون على نيلِ هذا الشرفِ الرفيع، ينفقون أموالهم وأوقاتهم لحيازة هذه المنزلة، فمنذُ بناءِ مسجدِ قباء الذي كان أوّل مسجدٍ بُني في الإسلام، ومن بعده مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المدينة المنوّرة، وبجواره غرف أهل الصُفّة؛ والمؤمنون يتهافتون على بناء المساجد وعمارتها، والاهتمام بتصاميمها، سواء من الداخلِ أو الخارج، وجعلوا للمآذن صورةً موحيةً بعظمة الإسلام وأهله، ولم يعد انتشار المساجد مُقتصرًا على بلاد المسلمين؛ إذ لا تكادُ تخلو دولةٌ أو مدينةٌ أو صقعٌ في العالم من مسجدٍ. وأخذ الاهتمام يتزايد والعناية تتوالى، ومن هذا الاهتمام والعناية، فكرة تطوير أشكال المساجد؛ ليتمازج مع تطوّر المنظور المعماري، وليصبح أكثر تواؤمًا والمجتمع المحيط به، ويتماهي مع مختلف فئاته وينسجم مع كُلِّ بناءٍ زمانًا ومكانًا. ومن محاسن الإسلام، أن لم يفرض شروطًا خاصة أو تصاميم مُحددة؛ بل وضع ضوابط عامة، وأهمّها دقّة اتجاه القبلة. وقد صدرت في السنوات الأخيرة كُتبًا تُنبئ بالثورة المعمارية التي قادها معماريون مُسلمون، وعلى هذا الأساس اهتمّ أرباب الأموال، والفكر الإسلاميّ بهذا الجانب وأولوه جُلّ اهتمامهم ورعايتهم، ومن أولئك الأخوان الكريمان الشيخان عبداللطيف ومحمد أحمد الفوزان، ضخّا الأموال وأنشأا جائزةً سنوية تحت مُسمّى (جائزة عبداللطيف أحمد الفوزان لعمارة المساجد)، ولأهميّة المسجد والجائزة، توّلى صاحب السمو الملكيّ الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئاسة مجلس الأمناء، وقال في افتتاحية الكتاب -اللحظة والمكان- الذي صدر بهذه المُناسبة: «لا بُدّ أن أذكر في بداية التقديم لهذا الكتاب المُهم أنّ الموضوع ليس عاديًا، ولا يُمكن التعامل على أنّه موضوعٌ عاديّ، فعمارة المساجد التي شكّلت مفصل الهوية في الحضارة الإٍسلامية يُمثّلُ حالةً فريدة غير متكررة؛ كون هذا المبنى الدينيّ/الاجتماعيّ مَثّلَ على الدوام المُحفّز الأساس لتطوّر الأفكار المعمارية والإنشائية والفنون البصرية. وأنّ المسائل الأساسية التي يُقدّمها محتوى الكتاب العلاقة الجدلية بين العمارة والثقافة وتأثير التقنية»، وأشار سموّه «أنّ اللحظة والمكان، وهو عنوان هذا الكتاب، يُعبّر عن عبقرية المسجد كمكوّن مُلتحم مع الإنسان وأنماطِ حياته.» وذكر مؤسس الجائزة الشيخ عبد اللطيف أحمد الفوزان: «أنّه منذ اللحظة التي انطلقت فيها الجائزة عام 2011م والجائزةُ تبحثُ بكلِ مُثابرة عمّا يطوّر المسجد حول العالم ويرتقي بكفاءتها الوظيفية والتقنية ويقلل من تكاليف تشغيل المساجد؛ مما حدا بتبني هذه الجائزة؛ ذلك للشعور بالمسؤولية تجاه حفظ الموارد الطبيعية، وللأهميّة الكُبرى التي يحظى بها المسجد في نفوسِ المسلمين وتأثيره البالغ في الثقافة الإنسانية». أُقيمَ حفلٌ خطابيّ بهيج يليقُ بالمناسبةِ العظيمة، حضرهُ لفيفٌ من رجالِ العلمِ والثقافةِ والأدبِ والمفكرين وأصحاب الفضيلة العلماء تحت رعاية صاحب السمو الملكيّ الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، مُستشار خادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس أمناء الجائزة، وصاحب السمو الملكيّ الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينةالمنورة، وكان هذا الاحتفال يُمثّل مساجد القائمة القصيرة للدورة الثالثة لجائزة عبداللطيف أحمد الفوزان، وهي تُمثّل نماذج من العمارة المسجدية والتطورات التي طرأت على الفكرِ والخطاب المعماري المُعاصر في عمارة المساجد في القرنِ الحادي والعشرين، وتُمثّل تحوّلاً كبيرًا في أنماط التفكير في كيفية إنتاج المسجد معماريًا، احتفلت جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد بتكريم 7 مساجد من بين 27 مسجداً ضمن القائمة القصيرة التي تنافست على الجائزة من مجموع 201 مسجد من مساجد الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة والتي تم ترشيحها للجائزة من قبل 43 دولة في 3 قارات؛ حيث اعتمدت الجائزة عبارة «عمارة المسجد في القرن الواحد والعشرين»؛ شعاراً للدورة الثالثة للجائزة، وشملت الجائزة 4 فئات، هي: فئة المساجد المركزية ذات التأثير والحضور على المستوى الوطني في كل بلد، وفئة المساجد التي تقام عليها صلوات الجُمع، وفئة مساجد الأحياء إضافة إلى فئة المساجد المجتمعية والتي تمنح للمجتمعات المحلية تقديراً لجهودها في العناية بالمساجد؛ حيث فاز من المملكة العربية السعودية مسجد مركز الملك عبدالله المالي في مدينة الرياض، ومن جمهورية مصر العربية مسجد الباصونة في سوهاج، ومن جمهورية بنغلاديش الشعبية المسجد الأحمر، ومن جمهورية إندونيسيا مسجد غرب جاوا، ومن جمهورية تركيا مسجد سنجقلار في إسطنبول، ومن لبنان مسجد الأمير شكيب أرسلان في بلدة المختار، ومسجد جين الطيني من جمهورية مالي بفئة المساجد المجتمعية. إنّ جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد هي إحدى مبادرات برنامج الفوزان لخدمة المجتمع، الذي يعنى بتطوير وإدارة العديد من المبادرات النوعية ذات الأثر المستدام لتمكين المجتمع وخدمة الاقتصاد والبيئة؛ فهنيئًا لأولئك الفائزين من المهندسين والمصممين الحائزين على هذه الجائزة ذات الأثر الماديّ والمعنويّ، وهنيئًا للشيخين الفاضلين، صاحبي الجائزة، عبداللطيف ومحمد الفوزان؛ على ما تفضّل به عليهما ربهما جلّ وعلا بالمالِ والسخاء، والبذلِ والعطاء، (فنِعمَ المالُ الصَّالحُ للرَّجلِ الصَّالحِ)، فقد بذلاه في الخير بكافة وجوهه، ومن هذه الوجوه هذه الجائزة التي هي مُحفّز أساس لبناء المساجد وتصميمها وهندستها؛ لتكونَ منارة علمٍ في أقطار المعمورة، ولتحافظ على النمط الإسلاميّ، فعمارة اللحظة والمكان هي التعبير الأعمق التي تحثُ الجائزة على تحقيقه؛ كون المسجد الفضاء الذي تلتقي فيه الثقافات بكلياتها، ويلتقي فيه الناس بتفاصيل حياتهم اليومية، كما قال ذلك مؤسس الجائزة الشيخ عبداللطيف بن أحمد الفوزان.