التنوع الجغرافي والامتداد الحضاري للمملكة وما تكتنزه من إرث ثقافي عريق، حريّ بأن تتصدر عبرها القوائم العالمية المهتمة برصد وتصنيف هذا النوع من الممتلكات والموجودات التاريخية ذات الصلة بالبعد الحضاري والتجربة الإنسانية الثرية. وبموازاة ما تمثله تلك القوائم من أهمية انبثقت العديد من المبادرات الحكومية طوال السنوات السابقة بهدف الاهتمام بالمواقع التراثية والتاريخية في المملكة، وحمايتها من العبث والتعديات غير الواعية، إضافة إلى صيانتها والعمل على تأهيلها لاستقبال المهتمين والزوار، قبل أن تتوج تلك الجهود بوضعها ضمن المستهدفات والمحاور الاستراتيجية لرؤية المملكة 2030 التي نصت على سعيها لرفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو إلى الضعف. آخر تلك الجهود التي تكللت بالنجاح إعلان وزير الثقافة عن تسجيل "منطقة حمى الثقافية" في نجران في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) كسادس موقع سعودي على القائمة العالمية بوصفه موقعاً ثقافياً ذا قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني، حيث تعد المنطقة واحداً من أكبر مجمعات الفن الصخري في العالم، وتضم عشرات الآلاف من النقوش الصخرية المكتوبة بعدة نصوص قديمة، وتعتبر مصدراً لا يقدر بثمن للتوثيق الكتابي والفني والتاريخي وحتى الإثنوغرافي لأحداث التغير المناخي خلال القرون السابقة. وإلى جانب القيمة الثقافية لتوثيق المواقع التراثية، يحضر الجانب الترويجي والسياحي كأحد أهم المكتسبات للحضور في القوائم العالمية وما يتيحه من فرص استثمارية يمكن من خلالها توظيف العناصر والموارد التراثية في إقامة مشروعات سياحية وحيوية ذات قيمة مستدامة تحقق العديد من المنافع الاقتصادية والثقافية، والاجتماعية أيضاً. ولمضاعفة تلك المكتسبات يمكن استغلال المواقع التراثية في إقامة المحافل واحتضان المناسبات المحلية والدولية، وتخصيصها بمواسم ثقافية وترفيهية يتم خلالها تسليط الضوء على ما تنفرد به تلك المواقع من قيمة تاريخية وأهمية حضارية، من خلال فعاليات مبتكرة تتجاوز الحضور والزيارات التقليدية إلى خلق علاقة اجتماعية مع الموقع التراثي تتسم بالجاذبية والحيوية والتفاعل المستمر، بما ينعكس على إحياء روح المسؤولية الوطنية تجاه التراث الإنساني وأهمية المحافظة عليه.
