(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) هذه الآية كما قال ابن كثير - رحمه الله - أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله. إن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو طريق القبول، ولا نجاة في الآخرة إلا باقتفاء هديه والعمل بسنته، وتحصل سعادة الدنيا بالعمل الصالح الموافق لهديه صلى الله عليه وسلم، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وقد جاء في القرآن الكريم ما يقطع الطريق عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يُترك أو نهيه أن يُفعل فقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، ثم يأتي الوعيد الشديد على من شاقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه، فقال تعالى: (مَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: في تفسيره عند هذه الآية الكريمة" أي: من يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعانده فيما جاء به من الهدى بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية". وإذا أردنا أن نقف على سيرته وقوله وعمله وخُلقه، لما أسعفت الجمل استيعابه، ولا المعاني والوصف إحاطته - عليه الصلاة والسلام -، فما أجمل أن يتخذ المسلم والمسلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة له في كل أحواله وقد نُقلت لنا صافية نقية فلا مجال لتقديم قول أحد على قوله، ولا فعل أحد على فعله صلى الله عليه وسلم، ويا عجباً ممن يستدل بفعل صحابي أو تابعي أو عالم أو أي أحد على مسألة وافقت هوى، ويقرر الحكم فيها، وقد جاء التصريح بالصحيح من السنة من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك، وفي الأثر عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: «يوشك أن تُنَزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبوبكر وعمر»، وهما أعلم الأمة، وخيرها بعد الأنبياء، فكيف بغيرهما؟. المؤمن الكيّس الفطن يجعل من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته مصباحا يضيء له الطريق وظلا يستظل به في عبور الحياة الفانية للحياة الباقية؛ فاللهم اجعلنا على أثره واحشرنا في زمرته في جنات النعيم.