مرت العلاقات بين الولاياتالمتحدةوتركيا في الآونة الأخيرة بمنعطفات وشد وجذب لعدة أسباب، لكن يظل البلدان تجمعهما أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لحل مشكلات الماضي والانطلاق ببداية جديدة. ويقول الباحثان راسل بيرمان، أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد، و د. دانية قليلات الخطيب، المتخصّصة في العلاقات العربية الأميركية ورئيسة مركز التعاون وبناء السلام للدراسات بلبنان، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية أنه من المقرر أن يجتمع الرئيس جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 14 يونيو الجاري. وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية بين البلدين تضررت بشكل كبير بسبب القرارات التي اتخذها الجانبان خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاجتماع القادم يمثل فرصة لاصلاح بعض الاضرار، وينبغي على الرئيسين ألا يبددا الفرصة. ولكل جانب أسباب قوية لإعادة بناء هذا التحالف المهم، ولكن كل رئيس يواجه أيضا معارضة سياسية داخلية تدفعه نحو مواجهة مطولة، ما بين المشاعر المعادية لتركيا بين الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس، ومعاداة "الأمركة" المنتشرة على نطاق واسع بين الناخبين الأتراك. وكسر هذا الجمود سوف يتطلب الدبلوماسية والقيادة، والأهم من ذلك، اتخاذ خطوات حقيقية من جانب بايدن وأردوغان على حد سواء، ولكن الأمر يعود في المقام الأول إلى بايدن للتواصل مع أردوغان لاتخاذ الخطوة الأولى والمضي بالعلاقات إلى الأمام بشكل مثمر. وترتبط الولاياتالمتحدة مع تركيا كحليفين تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتشتركان في تاريخ طويل من التعاون، ومصالحهما الاستراتيجية متوائمة بشأن النقاط الرئيسية، وخاصة في مواجهة روسيا، التي تعتبر حلف الناتو أمرا حيويا بالنسبة لها. ومع ذلك، فإن قوة الحلف ستكون أمرا مستحيلا من دون تعاون حقيقي بين واشنطنوأنقرة. فتركيا ليست ثاني أكبر جيش في الحلف فحسب، أي في المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة، بل إن حلف الناتو نفسه يواجه شكوكا من أعضاء أوروبيين رئيسيين. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف شمال الأطلسي "ميت سريريا"، كما أن تردد ألمانيا في المساهمة بشكل متناسب في الدفاع الجماعي معروف جيدا. ويقول الباحثان إنه نظرا للرؤية الغامضة للدول الأوروبية الكبرى تجاه الأمن، ينبغي على بايدن أن يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على استقرار تركيا داخل حلف شمال الأطلسي. وإذا اختار أردوغان تلبية احتياجات الرأي العام التركي المناهض للولايات المتحدة ومغادرة الحلف -أو طرد الولاياتالمتحدة من قاعدة إنجرليك الجوية- فمن الممكن أن يختفي حلف شمال الأطلسي. ورغم أن ثمة اتفاقا بين جدول الأعمال التركي والأميركي إلى حد كبير فيما يتعلق بمواجهة موسكو، سواء في البحر الأسود أو سورية أو ليبيا، هناك قائمة طويلة من نقاط الخلاف الأخرى. وقد انتقدت واشنطن القرار التركي بشراء منظومة الصواريخ الروسية (إس 400). وعلى نحو مماثل، فإن تصريح بايدن الأخير حول المسؤولية العثمانية عن الإبادة الجماعية الأرمنية قد وضع ضغوطا على صورة الولاياتالمتحدة في تركيا. وفي الوقت نفسه، يعتقد أردوغان وقطاع كبير من الرأي العام التركي أن الولاياتالمتحدة توفر الحماية عمدا لفتح الله غولن، الذي ينظر إليه على أنه القوة الكامنة وراء محاولة الانقلاب في عام 2016. وبشكل أعم، تتنازع الولاياتالمتحدةوتركيا حول مجموعة من القضايا الإقليمية، بما في ذلك النزاعات في شرق البحر المتوسط والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وبدلا من التعامل مع هذه المشاكل كل على حدة، يجب على بايدن أن يشرع في استراتيجية دبلوماسية شاملة تستند إلى المناقشات والتنازلات المفيدة للطرفين من أجل استقرار التحالف. وستكون مثل هذه الاستراتيجية متسقة مع رواية إدارة بايدن بأن "أميركا تعود" وإصرارها على مركزية الدبلوماسية. ويرى الباحثان أن هناك عدة نقاط خلافية يمكن السعي إلى إيجاد حل لها من أجل تحسين العلاقات بين الجانبين. فالخلاف الذي يثير الانقسام بين تركياوالولاياتالمتحدة يدور حول الصراع في شمال شرق سورية والشراكة التي أبرمتها الولاياتالمتحدة مع القوات الكردية لوحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. وتنظر تركيا إلى الجماعتين على أنهما تهديد وجودي، ومن شأن خطوة جريئة من بايدن بشأن هذه النقطة أن تحسن العلاقات الثنائية بشكل كبير. كما أن الخلاف بشأن صواريخ إس 400، فإنه يحتاج إلى حل سريع. ويتعين على الولاياتالمتحدة ان تعرض على تركيا صواريخ باتريوت كبديل وأن تعيد تركيا الى برنامج اف - 35. ومع ذلك، ينبغي ربط هذا العرض بالتزام تركيا بعدم السعي للحصول على أسلحة أخرى يمكن أن تعرض حلف شمال الأطلسي للخطر. ورغم أن الحكومة التركية لم تقدم للولايات المتحدة أدلة كافية تبرر تسليم غولن، فإنه يمكن تشجيع المواطنين الأتراك الذين لديهم شكاوى مع أتباع غولن على رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأميركية، ويمكن لمثل هذه الخطوة أن تثبت فعالية سيادة القانون الأميركية لأردوغان وللرأي العام التركي. وعلى الرغم من الحساسيات المعينة في العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوتركيا، ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تشارك بنشاط كوسيط في المنطقة، ويتعين عليها أن تدفع من أجل كبح جماح جهود إيران لزعزعة الاستقرار. وينبغي على الولاياتالمتحدة أن تعمل على الحد من التوترات بين تركيا وإسرائيل، وينبغي أيضا منح تركيا التقدير الذي تستحقه لتعاونها بالنسبة لأوكرانيا. ويمكن للولايات المتحدة أن تعمل على نزع الطابع السياسي عن الخلاف حول الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط وتشجيع التوصل إلى حل تعاوني وتقني. وفي غياب القيادة الأميركية، فإن هذه المشكلة سوف تزداد سوءاً. كما يتعين على الولاياتالمتحدة أن تبني على الشراكة التاريخية مع تركيا حيث تتداخل المصالح في البحر الأسود وسورية وليبيا والصومال. وفي حقيقة الأمر، يتعين على بايدن أن يوضح أن الاعتراف بمعاناة الأرمن ليس هجوما على جمهورية تركيا. ويقول الباحثان في ختام تقريرهما إنه ليس هناك شيء بسيط بين هذه المشاكل التي تثير الاضطراب في العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوتركيا، وكل مشكلة منها تتطلب حسن النية والحلول الوسط، ولكن ما لم تبدأ الولاياتالمتحدة استراتيجية مصالحة واسعة النطاق، سوف تتفاقم هذه المشاكل وتنفجر في نهاية المطاف. ونظرا للخطر الذي تمثله القطيعة المحتملة بين أنقرةوواشنطن، فإن الأمر ملح، ويتعين على بايدن أن يغتنم الفرصة "لإعادة البناء بشكل أفضل" وإعادة هذه العلاقات الثنائية إلى أساس متين. الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)