كشف مسح المشاركة الثقافية، والذي أجري في الربع الأخير من العام 2020م وشمل عينة ممثلة من جميع مناطق المملكة شارك فيها سعوديون ومقيمون عرب، أن 87 % ممن يجيدون لغات أخرى يفضلون تحدث العربية واستخدامها في بيئتهم الاجتماعية، بينما يفضل 12 % من المشاركين في المسح الجمع بين اللغتين العربية والإنجليزية. إلا أن الصورة تبدو مختلفة بعض الشيء في البيئات العلمية والتعليمية، حيث تشير نتائج المسح إلى أن نسبة من يفضلون استخدام اللغة الإنجليزية ترتفع إلى 8 %، في حين يفضل 17 % من العينة الجمع بين اللغتين العربية والإنجليزية في بيئاتهم العلمية والتعليمية. وكان 60 % ممن شملهم مسح المشاركة الثقافية في المملكة قد أفادوا بأنهم لا يجيدون لغة أخرى غير العربية. ويسعى المسح إلى محاولة إعطاء مؤشرات أولية لواقع استخدام اللغة العربية في الحياة اليومية. وبالنظر إلى إجابات المشاركين حسب الفئة العمرية، يشير مسح المشاركة الثقافية إلى ارتفاع نسبة من أجابوا بأنهم يجيدون لغة أخرى إلى جانب العربية بين الفئات الأقل عمراً، في مقابل ارتفاع نسبة من أجابوا بأنهم لا يجيدون لغة أخرى غير العربية بين أولئك الأكبر سناً، وبشكل أوضح، تُظهر استجابات المشاركين فوارق في تفضيل استخدام اللغة الإنجليزية في الحياة الاجتماعية مقابل التعليمية والعلمية بين الفئات العمرية. بالنظر إلى البيئات التعليمية والعملية، يُظهر المسح أن 5 % فقط ممن تجاوزت أعمارهم 45 عاماً يفضلون استخدام اللغة الإنجليزية في بيئاتهم التعليمية والعملية، ويفضل 9.5 % ممن هم دون 31 عاماً استخدامها في تلك البيئات، في حين يفضل 19.60 % في ذات الفئة العمرية الجمع بين اللغتين، بفارق نسبي يصل إلى 8 % بينهم وبين من يفضلون الجمع بين اللغتين في الفئة الأكبر سناً. كما تعكس هذه الظاهرة في مجال العمل والتعليم ما يشير إليه علماء اللغة وخبراء السياسة والتخطيط اللغوي بوصفه أحد أبرز الإشكالات التي تعيق وتؤخر بناء مجتمع معرفي، تكون اللغة العربية قوامه في المنطقة وفي المملكة على وجه الخصوص، والتي تتمثل في ضعف الإنتاج المعرفي والعلمي خاصة باللغة العربية، وضعف ربطه بمتطلبات العمل وتوظيفه بشكل فعال. تحظى اللغة العربية باهتمام يتوافق مع مكانتها الثابتة ودورها المركزي في تشكيل هوية المجتمع في المملكة، إذ تتمتع بحضور رائع في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والتعليمية، يتوازى مع دعم المنظومة المؤسساتية التي تشكلت عبر عقود، والتي استمر نشاطها في الإنتاج اللغوي في عام 2020م عبر نشر الكتب والمجلات العلمية المعنية باللغة العربية، وإقامة المؤتمرات والندوات العلمية التي كان لجائحة كورونا أثر في توسيع نطاق المشاركة والحضور فيها بسبب انتقالها للفضاء الافتراضي. ويؤكد هذا الواقع الجديد أهمية اللغة العربية بالتقنيات الرقمية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، الذي باتت تطبيقاته تتصل بجميع مناشط الحياة، وهو ما تسعى المملكة إلى تعزيزه من خلال العديد من الجهات المعنية بذلك. كما تناول تقرير الحالة الثقافية الصادر مؤخراً عن وزارة الثقافة تاريخ وواقع العناية المؤسسية باللغة العربية في المملكة التي يعد أبرز تجلياتها مكانة اللغة العربية بوصفها لغة رسمية في المجالات العامة كافة وعلى رأسها التعليم، ومع تقدم المملكة خطوات كبيرة في المؤشرات الدولية التي ترصد وتقيم حال المعرفة واقتصاداتها، إلا أن واقع اللغة بحاجة إلى جهد أكبر وأكثر جدية من أجل تقليص الفجوة بين الحماية النظامية القوية التي تتمتع بها اللغة من جهة، والممارسة الخجولة في ترجمة هذه الحماية على أرض الواقع من جهة أخرى، والتي يمكن عزوها إلى غياب منظومة سياسات لغوية متكاملة يتبعها تخطيط لغوي ممنهج تشارك في جميع القطاعات المعنية باللغة بما يضمن استدامة العمل وتحقيق أهدافه الاستراتيجية في سبيل ترسيخ مكانة اللغة العربية كمحرك أساسي لإنتاج المعرفة وتوطينها.