اتفق عدد من المهتمين بالتراث الثقافي والآثار، على أهمية إعلان صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، على تأسيس المملكة لمركز عالمي متخصص لحماية التراث الثقافي المغمور تحت مياه البحر الأحمر والخليج العربي، في الاجتماع الوزاري الأول لوزراء الثقافة بدول مجموعة العشرين، مشددين على أهمية حماية التراث والآثار التي تزخر بها المملكة تحت مياهها الإقليمية، داعين الجهات الحكومية وغير الحكومية إلى تكاتف الجهود للبحث عن هذا التراث وحفظه. «مدن نهرية» وفي البداية أشار عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود د. عبدالله المنيف، إلى وجود موانئ طويلة في المملكة تقع على ممرات مائية عظيمة لمنطقة مهمة من العالم القديم والحديث. مؤكداً بأن إنشاء مركز يُعنى بهذا النوع من الآثار يُعد سابقة مهمة في العمل الأثري في المملكة، ويعكس وعياً كبيراً بأهمية هذا التراث. وقال د. المنيف: إن تواجد هذه الآثار في أعماق البحار أو الأنهار، هو نتيجة لفعل بشري وغير بشري «فجميعنا نعلم أنه توجد مدن كاملة غارقة وخصوصاً التي على الأنهار، وكان غرقها أو اندثارها إما بسبب فيضان الماء عليها، أو بتغير مسار الماء على مدى مئات السنين فينتج عنه فصل المدينة عن باقي المدن، فتصبح آثارها غارقة وغير ظاهرة للسطح». مشدداً على أهمية تكاتف جهود الجهات الحكومية وغير الحكومية مع وزارة الثقافة لدعم هذا المشروع الضخم. «تاريخ مفقود» من جانبه، أبان المستشار الجيولوجي لشركة أرامكو سابقاً أ. د. عبدالعزيز بن لعبون أن إنشاء مركز لحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه هو استرداد لتراث أخفته لجج البحار، وحرمت المهتمين والعلماء من الوصول إليه «ويُشكل بارقة أمل في العثور على حلقات مفقودة من تراثنا وتاريخنا وتراث وتاريخ الإنسانية ككل». وأضاف: «البحار تنحسر وتغمر الأرض على فترات متناوبة، وتطول تلك الفترات وتقصر حسب الظروف الجيولوجية، ويتضح ذلك خصوصاً في السواحل. ومن هنا فإن وجود تراث إنساني وخاصة المنشآت العمرانية دليل حدوث هبوط لتلك السواحل أو ارتفاع لقاع البحر». وعدّد بن لعبون أهداف وسبل دراسة الآثار المغمورة بالمياه، ومنها التعرف على نوعية تلك الآثار وأحجامها، وعمق المياه، ومواقع الآثار بالنسبة للمرافق البحرية من الموانئ. مضيفاً: «هناك تراث طبيعي تحت الماء، ومن أجل استهدافه؛ فالمطلوب أولاً القيام بعمليات مسح شاملة لجميع سواحل المملكة، ثم حصر المناطق الواعدة والتنقيب فيها». «تهديد متوقع» وأشاد الدكتور سعود الذياب –أستاذ الآثار المشارك بجامعة الملك سعود- بقرار سمو وزير الثقافة بشأن تأسيس المركز العالمي لحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه، لما يشكله من أهمية كبيرة جداً للمهتمين بالتراث وما يحققه من اكتشاف وحماية للتراث الثقافي المغمور بالمياه. مؤكداً أن المركز سيحمي التراث الثقافي والآثار الغارقة في قيعان البحار، من تهديدات لصوص الكنوز الأثرية في ظل تطور التقنيات الحديثة وإمكانية وصولهم إليها، بالإضافة إلى دوره الكبير المتوقع في توعية المجتمع بأهمية المحافظة على هذا التراث ووضع التشريعات بخصوصه. وقال الذياب: «يقدر عدد السفن الغارقة غير المكتشفة أكثر من ثلاثة ملايين سفينة متناثرة في قيعان البحار والمحيطات، ويعتبر الحفاظ على هذا التراث في موقعه الأصلي هو الخيار الأول، ولكن إذا توفرت المشاريع المتخصصة التي تسهم في حمايته فإنه يجوز الترخيص لها شريطة عدم استغلاله لأغراض التجارة». «تراث منسي» وعبر أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود أ. د. سعيد السعيد عن فخره بتأسيس المملكة لهذا المركز، الذي يعد هدية قيمة تقدمها المملكة للعالم أجمع لحماية التراث والحضارة الإنسانية من الاضمحلال والزوال، كما يعزز في الوقت نفسه من الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية وخصوصاً منظمة اليونسكو في حماية الآثار الغارقة. وقال: «إن حماية التراث الثقافي الغارق يعد أمراً مهماً، لما يقدمه من شواهد وأدلة مادية عن تطور الحضارة الإنسانية، ولذلك سيكون للمركز شأن ودور مهم في تعزيز الدراسات العلمية حول مسار وتطور الحضارات الإنسانية التي تعاقبت في البحر الأحمر والخليج العربي منذ عصورها المبكرة قبل آلاف السنين». متفائلاً بتحقيق المركز لأهدافه ومساهمته بقدر وافر لإحياء الدراسات العلمية وفق أدلة مادية تعزز من فهم المسار الحضاري للثقافات التي قامت على ساحل البحر الأحمر والخليج العربي «لاحتواء المنطقتين على أهم المعابر المائية الدولية التي كانت تسلكها السفن التجارية بين قارات آسيا وأفريقيا وأروبا». مشيداً في ختام حديثه بقرار سمو وزير الثقافة لما يمثله هذا المركز من مركزية مرجعية للاهتمام بالتراث الثقافي المغمور تحت المياه ولتنشيط هذا الفرع من منظومة مسارات التراث الذي ظل منسياً لفترات طويلة. د. سعود الذياب أ. د. سعيد السعيد عبدالله المنيف