في نصاعة الجِص وفرادة خصائصه، رأى غير ما نراه من هشاشة وانقطاعات، فقال: «أسعى للوصول إلى النحت الصافى والحقيقة العارية، يبهرنى النور الصافى حين يسقط على مادة محايدة لا تنافسه ولا تتدخل فى جماله وعزوبيته». إنه راهب النحت العربي المعاصر، الفنان المصري آدم حنين. كفنّان أصيل انضوى الإبداع إلى أعماق إنسانيه، لمعت في قلبه شرارة الفنّ طفلاً في المدرسة، منذ زيارته الأولى للمتحف المصري، فكان مأخوذاً بحيوية النّصب والتماثيل الفرعونية، حتى أنه صرّح في مقابلة تلفزيونية عن انطباعه الأول في المتحف «أنا اتجنّنت». من الكلس الأبيض انطلق آدم حنين في عالم الفن رسماً، ومن النهايات استلهم التصاوير الملونة على جدران المقابر الفرعونية، مستخدماً أصباغاً طبيعية ممزوجة بالصمغ العربي ينقشها على الجص وأوراق البردى، لقد رأى الرسم على القماش ثقافة غربية، جاءت مع الحملة الفرنسية، فهي تصلح لتفاصيل عراك عائلي في أسرة أوروبية، أو معضلة فلسفية مستمدة من الفكر الغربي، بينما الفنون المصرية عبر الحضارات المتعاقبة تحمل في طياتها مواداً وخاماتٍ أكثر انسجاماً مع البيئة المحلية. نَحَتَ حنين الحجر والطين والبرونز، وكان مغرماً بالأخير لإمكانية الحصول على التأثيرات والتلوين بالمعالجة الكيميائية، علاوة على الطواعية وقابلية التشكل والإعتام أو الالتماع، وجسّد بتلك الخامات رموزه، فكان الفلاح والفلّاحة والنسر والبومة والقطط والقدور وأم كلثوم، وصديقه الشاعر الراحل صلاح جاهين، فكانت السمة الأبرز التي جمعت تلك الأعمال، تماسك الكتلة، وتبسيط الملامح حدّ الإشارة، في اختزالٍ يسمح لاستفاضة الجمال، فيُظهر ما لا تجود به التفاصيل، وسمح ذلك للأعين الخبيرة بالتعرف على أعماله من مجرد النظر إليها، مضفياً بذلك طابعه الفريد. ارتأى حنين منذ بداياته التي تعود إلى أواخر الستينيات، أن يرحل نحو الداخل ملتاذاً بالريف، فقرر شراء أرضٍ في قرية الحرانية، التي لم تبعد كثيراً عن القاهرة، وحوت تفاصيل حياة الفلاح المصري، الغارق في طينه ونيله وبذاره. لقد أنقذ الاقتراب من البسيط الممتنع في الفلاحة وحيثياتها، حلم «حنين» في عزلة الريف، إذ لم يكن لثمن الأرض أن يكتمل لولا منحوته «الحمار» التي نفذها الفنان سابقاً، فلما احتاج استكمال قيمة الأرض آنذاك باع العمل على الفنان والمعماري الراحل رمسيس ويصا بثلاثمئة جنيه، متماً قيمة الأرض التي غادرها فيما بعد مهاجراً. عاد ربّان النحت المصري إلى وطنه، وهو يقترب من عقده السابع، بعد اغتراب قارب الربع قرن، لم تُغرِهِ الحياة الباريسية والحداثة وأضواء العالمية في البقاء للدوران تحت رحاها، فلاذ ببيته الطيني في الحرانية، محاطاً بآلاف الأعمال الممهورة بالروح المصرية الخالصة، ثمّ افتتح متحفه في عام 2014 أمام العامة. لقد خطط آدم حنين باكراً لسكينة شيخوخته، بإنشاء مؤسسة تؤول إليها ملكية أعماله الفنية، ومتحفاً يخلد آلاف الأعمال للأجيال من عشاق الفنون، ثم رحل إلى الضفة الأخرى في 22 مايو 2020. آدم حنين تمثال الحمار