هكذا هي الحياة تضيق ثم تُفرج لن تستمر أزمة كورونا للأبد هذه سنة الله في الخلق، فليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة ولن يكون العالم بعد الأزمة كما كان قبلها، العادات والسلوكيات السابقة سوف تتغير، والوعي بمخاطر الأزمات سيكون أكثر نضجاً سوف تتعلم المجتمعات كيف تواجه الأزمات والاستعداد لتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، خلال الأزمة أغلقت الأسواق وعُطلت الأعمال ومنعت الصلوات في المساجد وحُظر التجول فلزمت الأسر مساكنها، ومع أن هذه الإجراءات مؤلمة وقاسية ولها آثار سلبية على الاقتصاد إلا أنها تحمي بحول الله من تفشي المرض وفقد الأحباب، في المقابل هنالك إيجابيات كثيرة وكما يُقال من رحم الأزمات تُولد الفرص، الخاسرون من الأزمة كُثر ولكن ثمة رابحون إما مادياً أو سلوكياً من خلال تغير في السلوكيات والتركيز على الأولويات، من أبرزها ثقافة الادخار، الأزمة سوف تكشف للأسر أنها كانت تنفق أموالاً على الكثير من الكماليات التي أرهقت ميزانياتها وأجبرتها على أخذ المزيد من القروض الاستهلاكية ولم يكن لديها أي خطط مستقبلية للادخار، في هذه الأزمة لو سألت أي أسرة ما أمنيتكم سوف تكون الإجابة بالتأكيد رصيدا ماليا يعيننا على مواجهة الآثار المحتملة والتي قد تصل إلى فقد الدخل الشهري أو انخفاضه، نعم هي أمنية كل أحد في هذه الظروف العصيبة، وهنا نستذكر قصة يوسف عليه السلام في تفسير رؤيا الملك وما ترمز إليه البقرات السِّمان وهي سنوات الرخاء والتي سيأتي بعدها سبع سنوات عجاف فجاء تفسير الرؤيا لتوجههم إلى عدم استهلاك كل إنتاجهم من الطعام بل حثتهم على الاقتصاد في الاستهلاك والادخار للمستقبل الذي سيحتاجون فيه إلى المخزون الغذائي في زمن الجفاف وتوقف الإنتاج الزراعي وبهذه الرؤيا وثقة الملك بتفسير يوسف عليه السلام تم الادخار وحفظ الله أهل مصر من الجوع والهلاك، وورود مثل هذه القصص في القرآن الكريم ما هو إلا توجيه وتربيه، رؤية المملكة 2030 وضعت أهدافاً وبرامج في غاية الأهمية لحماية المجتمع من التقلبات الاقتصادية والكوارث الطبيعية، وهنا نشير إلى برنامج تطوير القطاع المالي والذي تضمن هدفاً في غاية الأهمية لم يكن مطروحاً من قبل بشكل منظم أو بدعم حكومي وهو رفع نسبة الادخار من 6 % إلى 10 % بحلول 2030 مع أن نسبة الادخار للأسر السعودية لم تتجاوز 2,4 % مقارنة مع متوسط ادخار على المستوى العالمي بحدود 10 % وهو المعدل المعترف به دوليا كحد أدنى لضمان الاستقلالية المالية على المدى الطويل والوصول إلى هذا الرقم لا شك بأنه صعب في ظل عدم وجود برامج ادخار فاعلة سواء من القطاع المالي أو الشركات إلا من بعض المبادرات من قبل شركات محدودة منها شركة أرامكو، أما الكثير من الشركات فإن برامجها الادخارية تركز على القيادات العليا من أجل كسب ولائها واستمرار بقائها بينما لا يحظى بقية الموظفين بهكذا برامج، وهنا يجدر بناء إحياء ثقافة الادخار بين أفراد المجتمع وأن تبدأ بالأسرة من خلال تعزيز ثقافة الادخار بين أفرادها وتربية الأبناء على الادخار من خلال التحفيز المعنوي والمادي حتى تتشرب الأسرة هذه الثقافة وأن تكون منهاجاً لها طوال حياته. التخطيط هو الأساس لنجاح أي مشروع والادخار لكي ينجح لا بد أن يخضع لعدد من المبادرات التي تمكن الأسر من تحقيق وفورات مالية جيدة، المبادرة الأولى والأهم هي وضع ميزانية شهرية تشمل الدخل والمصروفات ووضع بنود لكل المصروفات ومراجعتها شهرياً للتأكد من الالتزام بالمخصصات والتعديل عليها إن لزم الأمر وهذه الميزانية تضع إطارا مهما ورؤية واضحة للأسر قد يكون الالتزام بها صعب للغاية في البداية لكن مع الاستمرارية سوف تكون ممتعة وتنمي في الأسر عادة الإصرار والتحدي، ثانياً: فواتير الخدمات لا شك بأنها تستنزف جزءا كبيرا من الدخل ولذلك لا بد من الاجتهاد في خفض الاستهلاك الذي سينتج عنه خفض في تكاليف الفواتير، ثالثاً: بعض الكماليات يمكن الاستغناء عنها أو التقليل منها أو شراء بدائل تكون ذات جودة عالية وأقل سعراً، كما أن عادة الذهاب إلى المطاعم والمقاهي زادت خلال السنوات الماضية وخصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتبادل تجارب زيارات هذه الأماكن التي أغرت الآخرين على تجربتها وهذه العادات تنفق عليها الأسر مبالغ كبيرة جداً نظراً لارتفاع تكاليفها ولذلك لا بد من وضع حدود لعدد زيارات المطاعم والمقاهي شهرياً، رابعاً: الحالات الطارئة عادة تُحدث خللاً في ميزانيات الأسر ولتلافي مثل هذه المصاريف لا بد من وضع بند في الميزانية لمواجهة مثل هذه المصاريف، خامساً: التمويل الاستهلاكي وبطاقات الائتمان هما أكبر مبدد لميزانيات الأسر ومع تطور التقنيات البنكية وسهولة الحصول على البطاقات الائتمانية والقروض الاستهلاكية ناهيك عن الأساليب الدعائية لدى البنوك التي تعزز ثقافة الاستهلاك، وفي الغالب لا يستطيع الفرد التخلص من أقساط القروض وقد تستمر معه طوال حياته ولذلك يجب عدم الانجراف وراء مثل هذه القروض، سادساً: يجب أن يكون لدى الأسر حساب للادخار بعوائد شهرية ويتم التحويل له من فائض الميزانية الشهرية أو من خلال تخصيص مبلغ مالي بنسبة لا تقل عن 10 % من الدخل شهرياً.