ما إن تخلص دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدةالأمريكية من تهديد محاكمة العزل التي واجهته حتى دخل بقوة لحملته الانتخابية مراهنًا على ورقة تُفصِل التحسن الأدائي المهم الذي شهده الاقتصاد الأمريكي في عهده مما وصفه بأنه "وفى" بوعده الذي قطعه لتحسين الاقتصاد مشيدًا بالاتفاقات التجارية مع الصين والمكسيك وكندا معلقًا "لقد نجحت استراتيجيتنا". وكان ترامب قد وصل للرئاسة في 2017م بعد أن بدأ الاقتصاد الأمريكي بالتعافي على إثر الأزمة المالية في 2008م خلال فترة رئاسة سلفه باراك اوباما. التحسن والنمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الولاياتالمتحدةالأمريكية يمكن تفصيله بحسب المؤشرات التالية: عمل.. بطالة وأجور غرّد ترامب كعادته يوم الجمعة الماضي "وظائف وظائف وظائف" مشيرًا لتسجيل أكثر من 225 ألف وظيفة جديدة في كانون الثاني/ يناير، وهو مايتخطى توقعات المحللون الاقتصاديون ب 164 ألف وظيفة، وهو الأمر الذي ذكره ترامب في خطاب حالة الاتحاد الثلاثاء الماضي بأن " الوظائف في نمو كبير والأجور في ارتفاع". خلال 2018-2019م وفّر الاقتصاد الأمريكي نحو 193 ألف وظيفة شهريًا وهو مايعادل 175 ألف وظيفة كمعدل عام، بينما لم يحقق الاقتصاد الأمريكي سوى 225 ألف وظيفة في 2015م و195 ألف وظيفة في 2016م، وهو الأمر الذي انعكس على تراجع نسبة البطالة الى أدنى مستوياتها خلال خمسين عامًا بنسبة 3،6٪ مقابل 4،7٪ في كانون الأول/ ديسمبر 2016م. كما يلاحظ تحسن كبير في نسب البطالة بين الأمريكيين من الأصول المختلفة منذ تولي ترامب للرئاسة، فقد تراجعت نسبة البطالة بين الأمريكيين من الأصول الأفريقية من 7،8٪ في كانون الأول/ديسمبر 2016م الى 5،9٪ في كانون الأول/ديسمبر 2019م. ومن 9،5٪ الى 4،2٪ في نفس الفترة لدى الأمريكيين من الأصول الأسبانية، كما هو الحال بين الأمريكيين ذوي البشرة البيضاء فقد تراجعت النسبة من 4،3٪ الى 3،2٪. وفي الوقت ذاته تعمل ابنة ترامب ومستشارته ايفانكا لأجل دمج المرأة في سوق العمل بشكل أكبر، على إثر استبعاد كثير من الأمهات العاملات من سوق العمل بسبب عدم تمكنهن من تأمين رعاية الأطفال باهظة الثمن. أما بالنسبة لما يخص الأجور فالنسبة لم "تحلق عاليًا" كما وصفها ترامب، فهي لم ترتفع سوى 2،9٪. النمو دخل الاقتصاد الأمريكي عامه الحادي عشر وهو في مضمار التحسن والنمو المستمران وهو مايعد رقمًا قياسيًا حققته نسبة نمو للناتج الاجمالي 1،5٪ في 2016م وهي آخر سنوات رئاسة اوباما، وبلغت 2،3٪ في 2017م و2،9٪ في 2018م وهو العام الذي استفاد فيها الاقتصاد من خفض الضرائب ورفع الميزانية خصوصًا في مستوى النفقات العسكرية. لكن سرعان ماتراجعت الى 2،3٪ في 2019م بسبب الحرب التجارية مع الصين مما أدى الى كبح استثمارات الشركات، وعلى الرغم من أن هذه النسبة تعتبر متينة مقارنة بالدول الكبرى المتقدمة على سبيل المثال النمو في منطقة اليورو بما يعادل 1،2٪، فإنها تبقى أدنى بكثير من ال3٪ التي وعد بها ترامب. برر وزير المالية الأمريكي بأن السبب هو منع تحليق شركة بوينغ وطائراتها ماكس 737 -المساهم الرئيسي في الصادرات الأمريكية- نحو سنة كاملة، وقال الوزير ستيفن منوتشين "إنه لولا أزمة بوينغ أعتقد كنا سنحقق ال3٪". 2020م قد يشهد تراجعًا جديدًا في النمو بنسبة تصل الى 2٪ بسبب انعكاسات تعديل قانون الضرائب وهو مايتوقعه صندوق النقد الدولي. عجز الميزانية لعل أبرز إجراء اقتصادي تم في فترة رئاسة ترامب كان التعديل الضريبي المعتمد بنهاية 2017م وهو الأهم من نوعه خلال 30 عام، فقد خفض الضريبة على دخل الأكثر ثراء والشركات من 35٪ الى 21٪، وهو بدوره حفّز النمو في 2018م، لكنها أدت أيضًا الى تضخم الدين وعجز الميزانية الذي يتوقع أن يبلغ بنهاية السنة المالية في ايلول/سبتمبر، نحو 1015 مليار دولار، بحسب أجهزة الميزانية في الكونغرس. كما يتوقع أن ترتفع نسبة الدين الى 81٪ من الناتج الاجمالي في 2020م، وهو ماأدى الى تفكير الادارة لخفض جديد للضرائب على الطبقات الوسطى، بهدف تحفيز النمو. سياسة تجارية وعد ترامب قبل انتخابه بإعادة التفاوض بشأن تبادل حر في أمريكا الشمالية والمكسيك وكندا، الذي كان يوصف بأنه "أسوأ معاهدة" في تاريخ الولاياتالمتحدة، وفي 29 كانون الثاني/ يناير أوفى ترامب ماوعد به وتوصلت الدول الثلاث الى اتفاق جديد. واستمر ترامب بالوفاء بما وعد خلال حملته الانتخابية 2016م على اتفاق تجاري مع الصين، تم توقيعه في منتصف كانون الثاني/يناير. وهو مايذكرنا بما قاله بخصوص نجاح الاستراتيجية، ولكن بأي ثمن؟ فالحرب التجارية مع الصين والرسوم العقابية المتبادلة أدت الى إغراق المصانع في الركود وبطء النمو الأمريكي والعالمي. البورصة أبرز انتقاد كان يوجه لترامب كونه يأتي من مرجعية تجارية اكتسبها في عالم الأعمال، ولكن لعل هذا ما أسهم في أن تسود الثقة بورصة (وال ستريت) ونمو مؤشرها (داو جونز) بنحو 55٪ منذ انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر 2016م وهي وسيلة أخرى لاستمالة الكثير من الأمريكيين الذين ترتهن معاشاتهم التقاعدية سير البورصة.