الرحالة الأجانب الذين زاروا الحجاز منذ عشرات السنين، ومنهم بيرتون وبوركهارت، أجمعوا على أن لباس أهل الحجاز عبارة عن توليفة، متعددة المصادر، لكن هذه التوليفة مع الزمن، أصبحت ذات طابع حجازي مئة بالمئة، مع أنه لم تكن توجد مثل هذه التوليفة العجيبة، في أي من بلاد العالم، فقد اكتسبها أهل الحجاز من الزوار والمجاورين لمكة المكرمة والمدينة المنورة، الذين يفدون من كل فج، بعضهم يرحل حالما يؤدي ما جاء من أجله، وبعضهم يفضل الجوار فيوثر ويتأثر.. هذه الخصيصة أعطت لمنطقة الحجاز بعداً حضارياً، إضافة إلى البعد الديني المستمد مما تحويه وتضمه هاتان المدينتان المقدستان. وما ينطبق على منطقة الحجاز، كان ينطبق على مناطق عديدة من بلادنا، وعلى العديد من دول الخليج والجزيرة العربية التي ترتبط بالعالم، فتؤثر فيه ويؤثر فيها، من خلال رحلات بحارتها، وسواحلها الشاسعة. والسؤال الآن: ماذا حل بلباس أهل الحجاز، الذي التحم مع لباس كافة السكان والمناطق في الخليج والجزيرة العربية، ونتج عنه ما نراه من توليفة واحدة جميلة وأنيقة وبسيطة يقتنيها الناس بكافة طبقاتهم ومراكزهم بأقل التكاليف وأيسر الطرق؟ ومع الرخاء أصبح هذا اللباس الآن يصنع في أوروبا وأميركا وشرق آسيا، بل إننا نفاخر بالبدلة الداخلية الإنجليزية وقماش الثوب الياباني والغترة السويسرية والحذاء الفرنسي، ولم يعد لنا من فضل إلا أخذ القماش إلى خياط هندي أو فلبيني، ومن ثم ارتداء هذه الألبسة التي من المفروض أن تخصنا وحدنا، مثلما يخصنا الجريش والقرصان والفطيرة والعصيدة والمكبوس التي استبدلناها بالأرز والهامبورغر والستيك! هل فكر أحد في إقامة صناعة متكاملة لأزيائنا التي نطلق عليها أزياء وطنية، وهي حقا كذلك، بعد أن أدخلنا عليها العديد من التغييرات والمحسنات لتتناسب وجونا وبيئتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فأخذت البصمة المحلية، خاصة أن تكلفة هذه الصناعة ليست مثل تكلفة صناعة السيارات والجرارات والقاطرات. إن الملايين التي تدفع للحملات الدعائية لترويج هذه الملبوسات المستوردة كفيلة بإقامة مصانع خاصة بنا على الأقل حتى نحس أن ما نلبسه يخصنا من الألف إلى الياء، بدلاً من أن نترك المصانع الخارجية التي لم تعد تحتكر صناعة وإعداد أغلب حاجاتنا، ولكنها تحتكر أيضا ما نرتديه من الملابس! إن بلادنا من الدول القليلة التي ساهمت ودعمت الصناعات المحلية، لكن هذا الدعم أصبح في وادٍ وتجارنا في وادٍ آخر، إنهم الآن يفتحون المصانع في الخارج، ربما لتصنيع ملابسنا، هرباً من تكلفة العمالة المحلية، وربما أشياء أخرى، في الوقت الذي من المفروض أن يكون من ضمن أولوياتهم الالتفاف حول صناعة وطنية، ربحها مجزٍ ومضمون، وليس أكثر أهمية من أن يكون لباسنا منجزاً بالكامل في بلادنا، فلا خير في أمة لا تلبس مما تنسج، ولا تأكل مما تزرع!.