صدر للكاتب السعودي محمد الساعد، كتاب بعنوان «سفر برلك.. قرن على الجريمة العثمانية في المدينةالمنورة «، ويطرح الكتاب في دور النشر والمكتبات بالتزامن مع بدء «معرض أبو ظبي للكتاب 2019» الذي ينطلق غداً. الكتاب جاء بعد ست سنوات من مقالة للكاتب نشرت في موقع «العربية نت» العام 2013 تحت عنوان «مائة عام من جريمة سفر برلك العثمانية»، أثارت جدلاً واسعاً في حينها، وكان المقال الأول الذي رصد تلك الحادثة، الأمر الذي دفعه لتحويل المقال إلى كتاب رغم شح المعلومات وندرتها عن الحادثة. وتناول فيه واحدة من الجرائم المروعة التي ارتكبتها الدولة العثمانية تحت مسمى «سفر برلك» بحق الإنسان العربي، الجريمة حدثت وقائعها في العام 1334ه - 1915م، عندما اقتحم الجنود الأتراك المدينةالمنورة، قادمين من إسطنبول، مدججين بالسلاح والفظاظة والأوامر الصارمة لتهجير سكان المدينةالمنورة الأصليين وترحيلهم قسرياً إلى خارج الجزيرة العربية. ويوضح أن جريمة - ال»سفربرلك» وتعني «التهجير القسري» - كانت محاولة لتحويل المدينةالمنورة إلى ثكنة عسكرية تمهيدًا لتتريكها لاحقًا بفصلها عن الحرم المكي الشريف وإلحاقها بالدولة العثمانية، لتصبح آخر حدود الدولة العثمانية داخل جزيرة العرب، في خضم معلومات متواترة ومخاوف من قرب انطلاق «الثورة العربية الكبرى» على «الاحتلال التركي» الذي هيمن لقرون على مقدرات الوطن العربي. الكاتب جعل من المدينةالمنورة محور كتابه منذ هجرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إليها، متقاطعة مع الحقب الإسلامية التاريخية المختلفة، وصولًا إلى تلك الفترة التي عانت فيها ويلات الاحتلال العثماني. وقدم الفصل الأول عرضًا لأصول الأتراك التاريخية وجذور ذلك العرق القادم من أواسط قارة آسيا ليستوطن الجزء الشمالي من العراق والشام، موضحًا أنهم عرفوا طريقهم إلى البلاد العربية مبكراً عبر استقدامهم من حكام الدول الإسلامية والعربية في أزمنة سالفة مختلفة بصفتهم «مماليك» يستخدمون في الحروب والمعارك، قبل أن يتحولوا إلى مستوطنين في أراضي الأناضول. الأتراك من مماليك للعرب إلى قتلة مجرمين كما تطرق إلى تأسيس الدولة السعودية الأولى، التي عاشت المدينةالمنورة في ظلها 6 سنوات كاملة من الأمن والطمأنينة، كما عرج بكثافة على العلاقة بين إسطنبول والدرعية اللتين تناوبتا على حكم المدينةالمنورة مورداً الفرق بينهما. ووصف جريمة العثمانيين في الدرعية وتدميرها بأنها أول «سفر برلك» مارسه العثمانيون حين هدموا الدرعية وهجروا سكانها وقتلوا أبناءها. وفي الفصل الثاني يرصد شهادات أهالي المدينةالمنورة حول «تفاصيل الجريمة وحكايات الألم» التي ارتكبها الجنرال «فخري باشا» ممثل الحكام الأتراك في حق سكان المدينة، إذ إن أول ما فكر فيه الأتراك هو مد خط «سكة حديد الحجاز»، لربط المدينة بالعاصمة إسطنبول لتسهيل التهجير القسري عبر القطار فيما بعد؛ والتي تشير المصادر التاريخية إلى أنه لم يبق بالمدينة بسبب «سفر برلك» إلا ما بين (80 - 100) شخص من أهلها الذين قدر عددهم قبل التهجير بأكثر من أربعين ألفاً، ولم يكتف الجنرال فخري باشا بذلك بل أمر باحتكار المواد الغذائية الشحيحة أصلاً لصالح الجنود العثمانيين وتحويل المدينة إلى ثُكنة عسكرية بما في ذلك استخدام المسجد النبوي كمستودع للسلاح، كما نقل الأتراك عبر ما عُرف ب»قطار الأمانات المقدسة» العام 1917م، جميع الآثار والهدايا التي أُهديت لحجرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - على مدار 1300 عام من دون أن تستثني شيئًا، ووصلت الكنوز النبوية المنهوبة إلى عاصمة الدولة العثمانية، وتعرض حاليًا ومنذ سنوات طويلة في متحف «توبكابي» بإسطنبول، وهي تضم: مصاحف أثرية، ومجوهرات وشمعدانات ذهبية، وسيوفاً ولوحات مرصعة بالألماس، وما لا يُحصى من المباخر والعلاّقات وغيرها من القطع التي بلغت أكثر من 390 قطعة نفيسة، فضلًا عن بُردة النبي الكريم، ورايته (الحمراء)، ومكحلته، ونعله، ورباعيته، وخصلة من شعره. ويستعرض الفصل الثالث الأحوال السياسية خلال تلك الفترة في البلاد المجاورة، وحتى داخل الدولة العثمانية نفسها، فقد تحدث عن مصر إبان تلك الفترة، وإعلان الحماية البريطانية عليها، ما أدى إلى استنفار الأتراك وتحالفهم سرًا مع الألمان في الحرب العالمية الأولى، وانتهاء باستعراض نتائج الحرب العالمية الأولى والآثار المدمرة التي خلفتها على مستوى دول العالم. واستخدم الكتاب المنهج التاريخي التحليلي، عبر رصد القصص والوقائع من مصادر مختلفة، ثم تحقيقها وجمع الأدلة حولها، ومن ثم سردها وتقديمها للقارئ.