يتساءل كثير من القراء عن جدوى قراءة الروايات وما الذي تضيفه للقارئ ؟ فثمة شريحة حتى من المتعلمين والأكاديميين لا ينظر إلى الرواية إلا أنها مجرد قراءة للتسلية والترفيه عن الذات وقد يصنفها في مرحلة أدنى من الناحية المعرفية من غيرها مثل البحوث والدراسات والكتب العلمية الأخرى, وهذا إدعاء قطعا لا يسلّم به كتّاب الرواية الذين يفنون أعمارا وأوقاتا بقراءتها وكتابتها والعناية بها, لأن تسليمهم واستسلامهم لهذا الإدعاء يعني ضمنيا أنهم يفنون أعمارهم فيما لا يتجاوز اللهو والتسلية والترفية, فكيف يدافع أرباب الرواية عنها وكيف يرون قيمتها المعرفية والجدوى من قراءتها؟ «علم وأثر» واجهنا بهذه الأسئلة المترجمة المصرية أماني فوزي حبشي, الحاصلة على الدكتوراة في الأدب الإيطالي وسبق أن ترجمت لكبار كتاب الأدب الإيطالي مثل أمبرتو إيكو وإيتالو كالفينو وغيرهم, فقالت:»إن الرواية هي القدرة على الحكي، والحكي هو القدرة على الإبداع، ونقل القارىء إلى أزمنة وعوالم مختلفة. الحكي هو القدرة على التعبير عما نشعر به ونعجز عن التعبير عنه، فنتنفس الصعداء عندما نقرأه ونعرف أننا لسنا بمفردنا، بل أننا من خلال الرواية تتضح لنا أشياء عن أنفسنا ومن حولنا ربما كان يلفها الغموض وكنا نحتاج من يمسك بيدنا ويرشدنا. وأضافت: والرواية يمكن أن تكون «جادة» إلى أبعد الحدود، بل يمكن أن يتطلب فهمها وإدراك ما يرغب المؤلف في قوله إلى بحث من جانب القارىء، فرواية مثل بندول فوكو لأومبرتو إيكو، بما تحتويه من تصورات تاريخية ورؤى للعالم، لا يمكن أن توضع في منزلة أدنى معرفيًا مقارنة بكتب أخرى، وكذلك روايات إيتالو كالفينو، ففي هذه الروايات ينفتح أمام القارىء بابًا على معرفة أكثر للتاريخ، في إطار مشوق وجذاب، يشجع على استقبال ما يقدمه لنا المؤلف من معارف ورؤى. ولكن أنواع الروايات كثيرة ومتنوعة، وحتى إن لم تكن تحتوي على ما هو «مفيد» في نظر بعض القراء، فالرواية الجيدة هي تلك التي تترك أثرًا في النفس، وتطرح على القارىء أسئلة تغير -بطريقة أو بأخرى- نظرته للحياة ويشعر عند القراءة أنه تعلم من خلالها شيئاً عن نفسه وعن العالم. «معرفة وتغيير» وتحدث الروائي المصري إبراهيم فرغلي قائلا:» بالنسبة لي شخصيا, لم أتعامل مع الروايات إلا بوصفها كتبا معرفية ممتعة منذ بداية قراءتي للأدب في مراهقتي. تعرفت على التاريخ العربي من خلال روايات جورجي زيدان, ومنها إلى أعمال نجيب محفوظ ثم الأدب المترجم, الروسي والفرنسي والإنجليزي, وأدركت أنني أفهم العالم أكثر مع كل رواية. مشكلة النظر للرواية اليوم هذه النظرة المستخفة له علاقة أولا بانهيار الحركة النقدية العربية, وفساد سوق النشر الذي أصبح رأس المال المبتغى لتحقيق أرباح بالترويج لأعمال تجارية مهما كانت ضعيفة هو المتحكم في النشر, ومع شيوع ظاهرة القراءة مع الشباب الذين لم يمتلكوا خبرة قراءة أعمال روائية كبيرة.. ساد لدى الكثير منهم انطباع بأن هذه الأعمال التجارية الخفيفة «رواية». ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتزيد الطين بلة, لأنها أصبحت أداة أخرى للترويج لمن يشاء عما يشاء, من دون أي معيار نقدي, إذ استبدل بالمعايير النقدية انطباعات القراء غير المتخصصين التي تحولت اليوم إلى نوع من السلطة. وهذا ما يؤدي إلى شيوع مفاهيم خاطئة عن الرواية من جهة, وتسيد ألوان من السرد هي في الحقيقة مرد مخطوطات تقليدية مستلهمة من تاريخ كلاسيكي لم يراع التغيرات التي مرت بها المجتمعات والتي لابد أن تنعكس في تقنيات الكتابة وليس فقط في المضمون. أماني فوزي إبراهيم فرغلي Your browser does not support the video tag.