أبناء لكن هم فئة من البشر تنشر الريبة والتوجس من كل شيء , وأي شيء , فعند أي خبر جميل تجدهم يتسللون مع المحتفلين, ثم يتخندقون ب» لكن» ويبدؤون بالقول : نعم , صحيح لكن.. , ليبحثوا عن احتمال الفشل فيكون هو زاوية النقاش و( لكن) الزاوية وحجرها, والطريف أن ( نعمهم) لم تكن سوى رشوة للمداخلة, والإمساك بحبل الحديث الذي سيكون أطول من وقت تنفيذ مشروع متعثر لم يسأل عنه أحد, والضحية هي نعم التي مرّت على هيئة وعد انتخابي تركلها (لكن ) من أول السطر بعد الفوز! المقدمة أعلاه ضرورية لشرح الحديث عن التفاؤل بطريقة مُحبطة, فتبدو الكلمات مفهومة لكن (صياغة) الجمل أقرب (للصياعة) اللغوية , كل ذلك ليشعر المتلقي أنه يستمع أو يقرأ كلاما مهما بدليل إنه فهم بعضه, وغالباً من يلجأ لهذه الطريقة هم (القواعد) من الموظفين الذين لم يجدوا بعد تقاعدهم خيراً من (لا) الرافضة, متسلحين بالخبرة العملية الطويلة , والخبرة مصطلح مخادع في ثقافتنا إذا إنه يعني باختصار أنك ( عَود) بلغت من البيروقراطية عتيّا, وقررت أن تكون خبيراً ومستشاراً, وهذه الألقاب مؤهلها العمر وحده, حتى الإعلام يفتح أبوابه على مصراعيها ليقدم للناس تنظيراتهم العقيمة ( ليس العميقة يا صديقي المدقق اللغوي) , وبداية أعراض ولادة خبير أو محلل تبدأ في سنين الخمسين, ويبلغ مرحلة الثرثرة في منتصف الستين, وبعد التقاعد يكون قد أينع وحان قطافه, وبالنسبة له الأمر سهل جداً في التمييز بين الاقتراح أو المشروع الجيد من السيئ, ولأنه لم يترك بصمة خلال فترة عمله, فهذا يعني أنه خبرة بالفشل, وهذا برأيي سبب مقنع للجهات التي تستقطب هؤلاء كمستشارين بعد تقاعدهم عن العمل , فلأنهم خبراء بالفشل هذا يعني أن يستشيروهم من باب ( شاوروهم واعصوهم ) , فإن تحسموا لمشروع فهذا سبب كاف لأن يُستبعد, أما سعادة الخبراء فإنهم يشعرون بنشوة عند فشل الآخرين, ويتنفسون الصعداء وهم يرددون جملتهم الشهيرة : ( هاه..ما قلنا لكم!) , وهذا لا يعني أنني مثالي , فأنا ابن هذه الثقافة , ولا أخفيكم أنني أطمح أن أكون يوماً مستشاراً استراتيجياً ( رغم أنني لا أعرف ماذا تعني استراتيجي بالضبط) , المهم أن أكون (ذيباً) وأجد عملاً بطريقة ( أكل ومرعى, وقلّة صنعة) , وهذا مثل شعبي يصف به أجدادنا عمل المستشارين والخبراء قبل ظهورهم, إنها نبوءة البدو!