من الأحساء إلى مكةالمكرمة ومنها إلى الدوادميفالرياض، حياة تنقّل وترحال لم تسلم من منغصات الحياة ونوائب الزمان، خاض فيها معترك البحث عن حياة الاستقرار والوظيفة، فمن مأمور لا سلكي إلى مأمور مخابرة، ومنها إلى حقل التدريس في تخصصه ومجال دراسته، عمل خلالها مأمور إذاعة إلى أن أصبح المسؤول عن الشنطة الملكية، يقرأ للملك المؤسس الأخبار ويتابع معه ما استجد منها، إلى أن أُطلق عليه لقب "راديو الملك"، ذلك هو عبدالله بن فهد بن سلطان آل سلطان ثاني أمين عام لمجلس الوزراء السعودي، الذي كان المؤسس -طيّب الله ثراه- يناديه ب"ولدي عبدالله". ولد معالي الشيخ عبدالله بن فهد آل سلطان في مدينة الأحساء، في 12 ربيع الأول عام 1343ه، ووالده هو فهد بن سلطان بن فهد آل سلطان من آهالي الرياض، أمّا والدته فهي موضي بنت عبدالعزيز الحمدان من الدرعية، بقي في الأحساء حتى السادسة من عمره، وأثناء ذلك شارك والده مع رجال الملك عبدالعزيز في "معركة السبلة"، وضم منطقة عسير، ثم انتقل مع أسرته إلى مكةالمكرمة، حيث عاش مع والدته وزوجها إبراهيم بن سليمان المهيزع. كان آل سلطان مرافقاً دائماً للملك عبدالعزيز، وذلك لطبيعة عمله التي تستدعي تواجده الدائم مع الملك، وفي عهد الملك سعود بدأ عمله في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وعين سكرتيراً للجنة المالية في 1/7/1373ه، ورقي إلى منصب مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء. خمسة ملوك تلقى عبدالله آل سلطان تعليمه وهو صغير في مدرسة الفلاح بمكةالمكرمة، ثم درس بالمدرسة اللاسلكية بمكةالمكرمة، وتخرج منها عام 1358ه، وعُرف عنه الذكاء والاجتهاد والإصرار وعزة النفس، كما تعلم اللغة الفارسية والجاوية والتركية وهو صغير في مكةالمكرمة، إضافةً إلى اللغة الإنجليزية التي تعلمها فيما بعد، كما اكتسب مهارة صيانة وهندسة الأجهزة الكهربائية واللاسلكية وأجهزة التسجيل والساعات منذ صغره، كما عمل عبدالله آل سلطان مع خمسة حكام من ملوك المملكة، وخدم وطنه بكل إخلاص وجد، بداية من عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وانتهاء بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وكان يرفض المقابلات التلفزيونية والصحفية، ويقول لمن طلب منه إجراء حوارٍ صحفي: "ليس لدي غير أسرار الدولة ولذا فليس لدي شيء أقوله"، على أنه نال عدة شهادات وتقلد عدة أوسمة من أهمها "وسام النيل" من الملك فاروق وعمره حينها (22) عام، كما وصفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حينما كان أميراً للرياض، بأنه الرجل "المحب لدينه المخلص لدولته الأمين على وطنه". دعوات والدته لم يكن للشيخ عبدالله آل سلطان سوى أخ واحد وهو محمد، أمّا أخواته فكن أربع، وقد تزوج -رحمه الله- مرتين، وله سبعة أبناء وتسع بنات، توفي منهم في حياته ثلاثة هم سلطان عام 1384ه غريقاً، وكان عمره تسع سنوات، وخالد عام 1388ه وكان عمره (20) عاماً بحادث سيارة بعد قدومه من أمريكا، حيث كان يدرس الطيران وإدارة الأعمال هناك، وعبدالرحمن عام 1389ه وكان عمره خمس سنوات في حادث دهس، أما ابنه فهد وهو رجل أعمال فقد توفي عام 1431ه وكان عمره حين وفاته (58) عاما. عرف عنه -رحمه الله- حرصه على زيارة والدته يومياً قبل وفاتها عام 1408ه، كان يزورها كل ليلة بعد صلاة العشاء ومعه بعض أبنائه الصغار، وكانت -رحمهما الله- تفرح به وتدعو له، وكثيراً ما كان ينسب نجاحاته إلى دعوات والدته له، وهو مع هذا كثير الاهتمام والحرص على أخواته، شديد في متابعة تعليم أبنائه وبناته، حريص على تفوقهم، بل كان يتابعهم بنفسه إلى أن يتموا تعليمهم الجامعي. بداية عمله عُيّن عبدالله آل سلطان في بداية الوظيفية، كمساعد مأمور لا سلكي، بمصلحة البرق والبريد في مكة، بتاريخ 1/10/ 1358ه، وكان عمره آنذاك (15) عاماً، وكان أول راتب شهري تقاضاه (313) ريالا، ثم رقي بعد ذلك إلى مأمور مخابرة في عام 1359ه، ثم انتقل إلى الدوادمي محل عمله الجديد، وبعدها إلى الأحساء بوظيفة مأمور مخابرة من عام 1359ه إلى 1363ه، ثم تولى التدريس لمدة عام بالمدرسة اللاسلكية في مكة حتى عام 1364ه، ثم نقل بعد ذلك إلى الديوان الملكي كمأمور الإذاعة بالديوان، وأصبح المسؤول عن الشنطة الملكية، وهو مسمي لجهاز الراديو والتلغراف الخاص بالإذاعة، وكان أول نظام راديو خاص لتزويد الملك بالمعلومات في الداخل والأخبار الخارجية والأحداث العالمية يومياً وبشكل متواصل، حتى لقب ب"راديو الملك عبدالعزيز". مجلس الوزراء كان الشيخ عبدالله آل سلطان مرافقاً دائماً للملك عبدالعزيز، وذلك لطبيعة عمله التي تستدعي تواجده الدائم مع الملك، فحين سافر المؤسس إلى مصر على متن اليخت المسمى "المحروسة" في 3 صفر 1365ه، كان برفقته الشيخ عبدالله آل سلطان وكان عمره آنذاك (22) عاما، وفي عهد الملك سعود بدأ عمله في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وعين سكرتيراً للجنة المالية في 1/7/1373ه، ورقي إلى منصب مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء في 1/12/ 1375ه، حينما كان الأمين العام لمجلس الوزراء في ذلك الوقت الشيخ حمزه المرزوقي، وهو أول أمين عام لمجلس الوزراء السعودي. مع تولي الملك فيصل بن عبدالعزيز سدة الحكم عام 1384ه، استمر عبدالله آل سلطان في منصبه كمساعد الأمين العام لمجلس الوزراء، وكان يعد لجلسة المجلس ويحضرها مع الأمين العام، ويجلس بجواره أثناء انعقاد الجلسة، وفي عام 1390ه أصبح الأمين العام لمجلس الوزراء، وبذلك يكون ثاني أمين عام للمجلس بعد الشيخ حمزة المرزوقي -رحمهما الله- وظل في منصبه طيلة عهد حكم الملك خالد وعهد الملك فهد، إلى أن تقاعد بناءً على طلبه في السادس من شهر شعبان عام 1405ه، وكانت آخر جلسة حضرها في مجلس الوزراء هي جلسة يوم الإثنين الأول من شعبان من نفس العام. ثلاثون عاماً قضى عبدالله آل سلطان قرابة ثلاثين عاماً من العمل الحكومي المخلص المستمر، يُعِدُ ويُحضر جميع جلسات مجلس الوزراء تقريباً، ما بين 1375ه و1405ه، ولم يتمتع -رحمه الله- بالإجازة الخاصة إلاّ مرات قليلة جداً، وعمل مع خمسة ملوك ابتداء من الملك عبدالعزيز ثم الملك سعود والملك فيصل، وبعده الملك خالد، وانتهاء بالملك فهد -رحمهم الله-، وبالرغم من كثرة مهامه ومشاغل وندرة طلبه للإجازات حيث تستدعي مهامه الوظيفية المتابعة الدائمة لمستجدات الأعمال، إلاّ أنه كان صاحب هوايات ومهارات، فعلى الرغم من عزوفه وبعده عن الإعلام وفلاشات المصورين إلاّ أنه كان محترفاً في فنون التصوير متابعاً لما يستجد في هذه المهنة، وكان لديه معمل لتحميض الأفلام في منزله، وعدد من الكاميرات الاحترافية النادرة، وكان قد وثّق من خلال عدسته الخاصة جزء من مراحل حياته، فجميع الصور التي ألتقطها بكاميرته لأبنائه وأصدقائه، كانت من تحميضه وتحمل توثيقه الشخصي، كما أنه كان يهوى الصيد والرماية، وكثيراً ما خرج للقنص مع أصدقائه، إضافةً إلى أنه كان كثير القراءة والاطلاع، محبًا للعلم، يقرأ كتب السياسية والأدب، وكان قد حفظ المعلقات السبع وهو صغير، كما لم يكن المذياع ليفارقه في حياته اليومية داخل وخارج المنزل، لا سيما أنه -بحكم طبيعة عمله- حريصاً على متابعة الأخبار المحلية والعالمية بشكل مستمر، إضافةً إلى اتصافه بالاهتمام والدقة والإتقان في العمل. قائد ناجح وقد وصف -رحمه الله- بأنه كان قائد ناجح في مكتبه وفي أسرته، كما عرف عنه أنه كان وفياً ومخلصاً لأصدقائه الذين بادلوه الشعور نفسه، وكان من أصدقائه المقربين رمز نادي الهلال عبدالرحمن بن سعيد -صديقه منذ الصغر-، وقد شاركه ابن سلطان الاهتمام في الشأن الرياضي إبان الثمانينات الهجرية، وقد طلبه خصيصاً ونقله من وزارة العمل الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في عام 1394ه كمدير عام لإدارة الاتصالات، والأستاذ عبدالعزيز الحميدي، صديقه الحميم الذي عمل معه ورافقه مدة طويلة، وكذلك كل من عبدالله الدهش وعبدالعزيز اليحيا وعلى النفيسة الذي كان صديقه منذ بدايته بالإذاعة اللاسلكية. وتذكر سلطانة -ابنة الشيخ عبدالله آل سلطان- أن والدهم كان من ضمن أربعين شخصاً تم اختيارهم من قبل الأمير منصور بن عبدالعزيز -وزير الدفاع في عهد والده- لإرسالهم إلى مصر، لدراسة العسكرية عام 1365ه، وكان ابن سلطان حينها مأمور الإذاعة في الديوان الملكي على أن يعودوا ضباطاً بعد تخرجهم، وحين عرض الأمير منصور الأسماء على والده الملك عبدالعزيز، قال له الملك: "أرسلهم جميعاً ما عدا ولدي عبدالله بن فهد خله عندي يعطيني الأخبار كل يوم". تفانيه في عمله ومن المواقف التي تذكر أنه كان متواجداً في جدة عام 1389ه مع الملك فيصل وجاءه اتصال يخبره أن ابنه عبدالرحمن ابن الخمسة أعوام توفي دهساً أمام منزله بشارع جرير بحي الملز، فحضر إلى المنزل على الفور، وعفا عن الرجل، وصلى على ابنه وشارك في دفنه واستقبل المعزين، وفي اليوم التالي عاد إلى جدة لمباشرة عمله، وحضر جلسة مجلس الوزراء، فعزاه الملك فيصل أثناء انعقاد الجلسة، وقال له: "كيف أتيت وولدك قد توفي أمس؟"، فرد عليه قائلًا: "هذا عملي الذي لابد وأن أؤديه، وأمانة لابد أن أنجزها في وقتها"، فتعجب منه الملك فيصل وأثني على أمانته وإخلاصه في عمله رغم الظرف الأليم الذي تعرض له. وفي آخر ميزانية أشرف عليها الشيخ عبدالله آل سلطان والتي كانت عام 1405ه، تعرض لحالة إغماء سقط على إثرها وجرحت قدمه جرحاً بليغاً، وأجريت له عملية عاجلة في حينها إلاّ أن ذلك لم يمنعه من الذهاب إلى الملك فهد بن عبدالعزيز في مخيمه بالطائرة المروحية، من أجل اتمام الميزانية وعرضها عليه في اليوم التالي. وفاة ابنه وتروي ابنته سلطانة أنه في إحدى الأيام وأثناء ذهابه صباحاً لعمله، وعند مروره أمام المستشفى الوطني بالملز، شاهد رجلاً مسناً وزوجته ومعهم طفلة صغيرة، يجلسون خارج سور المستشفى، ولفت نظره منظرهم، فأوقف السيارة ونزل ليسألهم وضعهم، وعلم أن ابنتهم الصغيرة مريضة وتعاني من الإصابة بثقب في القلب وتحتاج إلى العلاج العاجل فما كان منه إلاّ أن اصطحبهم بسيارته وعاد بهم إلى منزله، وطلب من أهله الاهتمام بهم لحين عودته من العمل، ولمّا عاد صحبهم إلى أحد المستشفيات الحكومية لعلاج الطفلة من مرضها، بأمر من الملك. ومن القصص التي يستشهد بها أصدقاؤه على إثاره وتضحيته، تلك التي حدثت عام 1384ه، حيث خرج مع أسرته وبعض أصدقائه إلي شعيب يسمي غدير البنات في مدينة الطائف، وفي أثناء وجودهم هناك، داهمهم السيل، ففزع إلى عائلته فأخذ عبدالله آل سلطان ينقذهم واحداً تلو الآخر -كان شاباً حينها- فكان سبباً في إنقاذ والدته وأخواته وزوجته وأبنائه وبناته الصغار وبعض الأقارب، في حين لم يدرك ابنه سلطان الذي لم يتجاوز حينذاك التاسعة من عمره حيث جرفه السيل أمام ناظري والده، وظل الأب المكلوم طيلة تلك الليلة يبحث ويلاحق مجرى السيل بحثاً عن ابنه إلى أن وجده متوفى -رحمه الله- فكتب قصيدة معبرة قال في مطلعها: حل القدر اللي به القلم قد سار في ساعة مالك عن أمره فواتي ويلي على يومن ما هوب تذكار يوم قضى لي في غدير البنات الى أن قال: نخيتهم والسيل يرمي كما النار دون العيال ودون خيط الجنات في لحظة أختل بها كل معيار تذهل قوي العزم صلب القناة وختمها ببيت جميل دل على قوة إيمانه بالله: حتى قضي ما حكم به واختار وفات الذي قدر عليه الفواتي والقارئ لسيرة الشيخ عبدالله آل سلطان يدرك حجم الأزمات المحن التي مرت به طوال مشوار حياته، ممثلة بفقد أبنائه وهم صغار وتنقله وارتحاله لطلب العيش الكريم ولذا فكان -رحمه الله- كثيراً ما يردد قول أبي العلاء المعري: تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب بازدياد إن حزناً في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد وفاته بعد ما يقارب ثلاثين عام من العمل الحكومي الذي رافق فيه الشيخ عبدالله آل سلطان خمسة ملوك تقاعد آل سلطان -رحمه الله- وبعدها بسنوات أصيب بمرض "الزهايمر"، وأدخل مستشفى التخصصي، ومكث تحت العناية الطبية، حتى أصيب بغيبوبة، إلاّ أنه في أثناء وجوده في المستشفى، حظي بعناية ولاة الأمر وأداموا السؤال عنه وزيارته وتتبع وضعه الصحي، فزاره الملوك والأمراء والوزراء، كما حرص على زيارته كبار رجال الدولة، وأصدقاؤه وأقاربه وأفراد أسرته، وكان أخوه محمد آل سلطان لا يفارقه أبداً، حيث كان يعتبره، أخاً وأباً وصديقاً. وفي يوم الأحد الموافق الثالث من شهر ذي القعدة عام 1421ه، أغمض أبناء الشيخ عبدالله آل سلطان عيني والدهم عن عمر يناهز الثامنة والسبعون، وأرسل الملك فهد والملك عبدالله -ولي العهد آنذاك-، برقيتا عزاء ومواساة لأسرته، كما أجرى الأمير سلطان بن عبدالعزيز اتصالاً هاتفياً بأبنائه لمواساتهم في فقيدهم، وزارهم عدد من الأمراء وأعيان البلد، كما قدم الملك سلمان بن عبدالعزيز -حين كان أميراً للرياض- لهم العزاء ومثمناً دور والدهم الفقيد في خدمته لبلده ومجتمعه. الفقيد مع الملك سعود رحمه الله الملك فهد رحمه الله ويظهر آل سلطان آل سلطان يزود الملك عبدالعزيز بالأخبار الداخلية والخارجية عبدالله آل سلطان في شبابه إعداد - منصور العساف