يأتي العيد ليقرب بين الناس ويربط بين أفراد الأسرة الواحدة، مجدداً مواثيق فكرة القلوب الواحدة والتقارب الذي بدأ يتغير شكله ومعناه من خلال انشغالات الأفراد بحياة أصبحت ذات إيقاع سريع في كل شيء، حتى تغيرت الأشياء من حولنا وأصبح لها طابع لم يعد له ذات القيمة القديمة، وهذا ما انعكس على العيد الذي يمر على الأمة الإسلامية لمرتين في العام، إلاّ أن حالته ليست مجرد مناسبة تمر كما غيرها من المناسبات، إنما شعور وترابط وتلاقٍ يحتاج للكثير من المبادرات والعطاء في تحمل المسؤولية لنشر السعادة فيه، والبحث عن سبل كثيرة لجعله الشعيرة التي تربط بين أفراد الأسرة الواحدة بالمحبة والعطاء، إلاّ أنه للأسف بدأ العيد يتقلص ويصغر حجمه في نفوس البعض الذين يخشون تحمل مسؤولية المبادرات في العيد، خاصةً في الأسرة الواحدة، حتى أصبحت ليلة العيد ليلة "حيرة" لأين سيكون؟، ومن سيتحمل الإنفاق فيه؟، ومن سيشارك؟، ومن سيتغيب؟، وغيرها من الأسئلة التي وضعت العراقيل الكبيرة أمام عيد يأتي وهو يحمل رسالة المحبة التي تجمع الناس ببعضهم لبعض. ويحتاج العيد إلى الكثير من القلوب المفتوحة التي تبادر وتقدم دون أن تحسب الحسابات في ذلك، وكذلك إلى بيوت تشبه بيوت الزمن الجميل التي لم تكن تفكر بالتكلفة، وإلى نفوس كنفوس آبائنا الذين لم يكونوا يتوقفوا عند صغائر الأمور وتوقف البعض عن المبادرات، وكذلك يحتاج إلى نيّات جديدة حتى إن اختفت الثياب فالفرح يأتي من القلب. أجواء خاصة ورأت مشاعل الصرير -معلمة- أن للعيد أجواءه الخاصة التي يجب الاستعداد لها وإعدادها بشكل ينشر الابتهاج والسعادة، وذلك يحتاج للكثير من الترابط بين الأخوة في البيت الواحد، مشيرةً إلى المبادرات التي يقدمونها في محيط أسرتهم وتوزيع المهام قبل العيد بيومين، فهناك من يتحمل ذبح الأضاحي، وهناك من يتحمل توزيعها، وهناك من يتحمل الترتيب لإعدادها للطبخ، في حين تتولى النساء تنظيم المجالس الخاصة لاستقبال الضيوف يوم العيد، واختيار الحلويات من المحلات ليلة العيد، مبينةً أن العيد مناسبة تحتاج إلى الكثير من المبادرة والعطاء والتنظيم، منتقدةً بعض الأسر التي رأت الكثير من الخلافات التي تحدث بينهم بسبب تقاذف مسؤوليات العيد على بعضهم البعض حتى ضعفت الروابط الأسرية فيما بينهم. إجهاض الفرح وتأسفت وفاء عبدالرزاق على أن العيد تغير عن السابق، فالنفوس لم تعد صافية وصادقة كما في السابق، حتى وصل الحال إلى أن هناك حسابات تصفى في مناسبة العيد، فهناك من الأخوة من يثأر من أخيه فيتهرب بالسفر ليلة العيد من المشاركة، في حين يوجد بين الأخوة في الأسرة الواحدة نموذج إجهاض مشروعات الفرح، فيقلل من قيمة مبادرات العيد وينتقد شراء الحلويات، وينتقد فكرة التجمع، ويدعو إلى تبادل السلام صباح العيد ثم عودة الجميع إلى منازلهم دون وجبة غذاء، بل ويؤكد على أن فرحة العيد من الداخل فلا يقدم المبادرات ويرفض أن يقدمها أحد عنه؛ لأنه يعلم بأن تقديم المبادرات من قبل الآخرين سيكشف تقصيره، فيحاول أن يجهض تلك المشروعات، ويقلل من قيمة التجمع الأسري، ذاكرةً أن مثل هؤلاء الأشخاص ليسوا للأسف من جيل الشباب الجديد الذي يتهم دوماً بأنه يفقد المناسبات قيمتها، بل إنها تصدر من رجال كبار في السن وكان لا بد أن يكونوا قدوة وسنداً لأسرهم. صراع نفسي وتحدث د. محمد القحطاني -أستاذ علم النفس المشارك وعضو الجمعية الأميركية لعلماء علم النفس- قائلاً: إن مسؤولية العيد ثقيلة عند بعض أفراد المجتمع فيلجأ البعض للهروب بالسفر قبل العيد بيوم أو يومين كنوع من عدم المشاركة في العيد، وذلك يعود لعدة أسباب؛ أولاً: الهروب من المسؤولية -اعمل نفسك مش هنا-، فيكون عادة اكتسبها الشخص من خلال التنشئة الأسرية والتربية الخاطئة من قبل الوالدين بقصد أو بدون قصد، كالتي قائمة على الحماية الزائدة على سبيل المثال حينما يُعوّد الوالدان الابن على تلبية طلباته وعدم الرغبة بأن يغضب أو يحزن فيكبر الشخص أناني لا يفكر بالآخرين، ولديه حدية في التفكير ولا يحب تحمل المسؤوليات؛ لأن كل شيء جاهز لديه فيصبح شخصاً يتمركز حول ذاته، ثانياً: الاتكالية، فيعتمد الشخص على أداء الآخرين للكثير من أعماله ومن ضمن هذه الأعمال في أداء الأضحية وبعض شعائر الله -سبحانه- من باب وجود وكيل فيرمي تلك المسؤولية على البعض فيوكلهم بالأضحية ويسافر، إلاّ أن البعض للأسف لديه مفهوم العيد مرتبط بالسفر فينشغل بتجهيز أموره أكثر من تجهيز شعائر الله، ومنها على سبيل المثال الأضحية، حتى فقد العيد معناه الحقيقي. وأشار إلى أن الكثيرين يفضلون الراحة بدل المثابرة والاجتهاد وأداء شعائر الله وهذا خطأ، وأن البعض يحدث لديه صراع نفسي بين رغبته في الشيء وفي ذات الوقت رغبته في عدم تحمل أي مسؤولية نابعة من هذا الشيء، متأسفاً على أن الكثير يعاني من حالات الصراع داخل الأسرة نفسها، والتي تنشأ أحياناً حول تقسيم المسؤوليات فكل شخص يعتمد على الآخر بدلاً من أن يساعده، ومن هنا تنشأ الخلافات الأسرية المرتبطة ببعض المناسبات الاجتماعية فيعتمد الفرد على غيره في كل شيء ومن ضمنها شعار الله، وهذه عادة تنشأ من الثقافة والتربية الأسرية الخاطئة. تنشأة صحيحة وعن حلول مثل هذه المشاكل أكد د. القحطاني على أن الفرد عليه أن يدعوا الله تعالى أن يثبته على الدين، وأن يجعله دوماً مثابراً ويعظم شعائر الله، وأن يحميه من العجز والكسل؛ لأن الكثير من الناس -للأسف- لديهم عجز فيرموا المسؤوليات على أحد أفراد الأسرة فتنشأ المشكلات كمسؤوليات العيد، كما يجب على الفرد دائماً أن يغير من طريقة تفكيره، فالفرد إذا فكر بشكل إيجابي سيسعى بشكل صحيح، فيضع لديه فكرة تنطلق بأنني إذا بادرت في العيد فإن ذلك احتساباً للأجر، ومن أجل إسعاد الأسرة، وحتى يكونوا سعداء، وبأن الله سبحانه سيزيده خيراً وبركة خاصةً في تحمل مسؤولية الأضاحي وتوزيعها فالأجر أعظم، مبيناً أن تعظيم شعائر الله تعالى يكون بنشر الفرح والسعادة بين أفراد الأسرة وبين الأبناء، فيجب أن يبدأ هذا من خلال تغير طريقة التفكير. وشدّد على ضرورة غرس الاعتماد على النفس في أداء الواجبات والأعمال جميعها من خلال التنشئة الصحيحة وعدم التكاسل ومن ضمنها تعظيم الشعائر، كذلك على كل فرد أن يعمل على زيادة الوازع الديني، فلا بد أن نغرس الوازع الديني في نفوس الأبناء من خلال توزيع الأضحية والاقتداء بالنبي الكريم وبث روح الفرح في نفوس الفقراء الذين سيأكلون من هذه الأضحية، ثم العطاء الذي يقدم للآخرين في العيد، والذي له أثر في الراحة النفسية، والذي مصدرها العطاء وتقديم الفرحة لهم سواء كانوا أقارب أو من الناس البعيدين، مؤكداً على أهمية الأدوار الملقاة على عاتق وسائل الإعلام في نشر الإيجابية من خلال العيد ونشر ثقافة الوعي وتحمل المسؤولية الاجتماعية في العيد من قبل الأسر. العيد ليس مجالاً للخصومة بين الأقارب البعض يوكل غيره بأضحيته ويسافر لكي لا يحضر اجتماع أقاربه