يبدو أن الأخطاء السياسية التي ارتكبتها قطر على مر السنين الماضية، ستنعكس على الجانب الاقتصادي للبلاد، ومن ثم على معيشة المواطن القطري، الذي سيدفع وحده ثمن تخبطات قادة بلاده. فبدلاً من أن تستثمر الدوحة أموال النفط والغاز المتفجر في أرضها في توفير حياة كريمة للمواطن، رأت أن تخص جزءاً منها للصرف على الجماعات الإرهابية حول العالم واحتضان مخططاتها الإرهابية، وتأمين ما تحتاج إليه من أسلحة ومؤن ومستلزمات، وهي سياسة ألفت عليها قطر حتى هذه الساعة، ولم يردها تراجع أسعار الطاقة في العالم إلى أكثر من النصف تقريباً، الأمر الذي أثر على الوضع الاقتصادي للبلاد، وكشف الكثير من السلبيات الاقتصادية التي سعت الحكومة في التعتيم عليها في السنوات الماضية، إلى أن انكشف أمرها أخيراً، وهو ما دفع وكالة التصنيف الائتمانية الدولية "موديز" إلى تخفيض تصنيف قطر السيادي من "Aa2" إلى "Aa3" مع نظرة مستقرة، يوم الجمعة الماضي. وعزت الوكالة في تقريرها أسباب خفض التصنيف السيادي إلى "ضعف وضع قطر الخارجي وعدم اليقين بشأن استدامة نموذج النمو في الدولة إلى ما بعد السنوات القليلة القادمة،" مشيرة إلى أن "إجمالي الدين الخارجي لقطر بلغ ما يقرب من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، مقارنة بما يقدر بنحو 111 في المئة خلال عام 2015". ويعتبر ارتفاع نسبة مستوى الدين الخارجي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في قطر هو الأعلى بين الدول ذات التصنيفAa2-Aa3". ولم تكتف "موديز" بذلك، وإنما استبعدت استدامة نموذج النمو في قطر، وقالت "هناك العديد من الشكوك حول النموذج الذي تنتهجه الدوحة، بما في ذلك "توقعات حدوث ذروة، ثم تراجع محتمل في أعداد السكان، بدءاً من عام 2020 (وربما قبل ذلك)، والتخفيض المتصور في الاستثمار العام. وهذا يعني أن الاستهلاك الخاص ونمو الاستثمار سيتباطآن بشكل حاد". كانت الصدمة الكبرى، للقطريين قبل غيرهم، يكمن فيما كشفت عنه وكالة "موديز"، تجاه الصندوق السيادي لبلادهم، إذ وصفته بأنه الأضعف عالمياً من حيث الشفافية، وأرجعت الوكالة ذلك إلى أن هناك معلومات محدودة جداً عن حجم أصول الصندوق ومكوناته وسيولته، محذرة من أن النقص في الشفافية يُضعف الموثوقية في تقديرات حجم أصول جهاز قطر للاستثمار، والبالغ نحو 300 مليار دولار، وكذلك بالتقديرات لصافي مركز الأصول، والذي هو عبارة عن مجموع أصول الجهاز مخصوماً منها الديون الحكومية، وهو يُقدر حالياً ب100%، من الناتج. وبالقدر الذي استثمرت فيه قطر وسائل إعلامها، وعلى رأسها الجزيرة، لتكون لسان الجماعات الجهادية والتكفيرية الإرهابية، بالقدر نفسه الذي استثمرتها في خداع العالم وشعبها، بأنها دولة صاحبة اقتصاد قوي لا يلين، وأنها تمتلك استراتيجية غير تقليدية في إدارة صندوقها السيادي، ومالت استراتيجية الصندوق إلى الاستثمار في مصارف حول العالم، وأندية لكرة القدم في أوروبا، وعقارات في قلب لندن بأسعار باهظة، تصاحبها بروباجندا إعلامية، ولكن انخفاض أسعار النفط عالميا فرض ضغوطاً على الدوحة، وهو ما أكدته إجراءات تقليص في مشروعات بارزة، ووجود حديث عن تعديل في نظامها الضريبي ومنظومة الدعم الحكومية. وشمل الخفض مشروعات في مجالات التنمية وبرامج ثقافية ومخصصات للتعليم والمواصلات والمشاريع الخاصة باستضافة نهائيات كأس العالم 2022، وهو وبحسب مؤسسات عالمية ومحللين سيؤثر على معيشة المواطن القطري. وتعمل الدوحة حالياً على استكمال ملاعب قدرت تكلفتها بحوالي 220 مليار دولار، من المخطط أن تستضيف مباريات المونديال. وقد خفضت الحكومة عدد الملاعب المخطط إنشاؤها إلى 8 بدلاً من 12 ملعباً، وعزت تقارير السبب إلى ارتفاع التكاليف. انعكاسات التراجع الاقتصادي في قطر، ظهر في عدد من الأحداث والأخبار، التي تتجاهلها وسائل الإعلام القطرية، ومن بينها قناة الجزيرة عن عمد، فقد أعلنت شركة سكك الحديد القطرية فصل 50 من العاملين لديها في تحت حجة "مراجعات للكفاءة في العمل". وفصلت شركات راس غاس وقطر للبترول وميرسك قطر الآلاف من العاملين لديها منذ 2014. وأعلن مركز السدرة للطب والبحوث، الذي يحصل على تمويل من مؤسسة قطر غير الهادفة للربح، عن خطط لتقليص عدد العاملين. وأدت إجراءات التقليص داخل المؤسسة إلى إنهاء شراكة مع دار بلومزبري للنشر وخفض النفقات الموجهة لصناعة السينما وتقليص ميزانيات الجامعات. فيما أعلنت هيئة متاحف قطر في يناير الماضي عن تسريح 250 من العاملين، وتعليق خطط إنشاء متحفين جديدين. ومنذ بداية 2016، سرحت شبكة الجزيرة الإعلامية أكثر من ألف من العاملين بمكاتبها حول العالم، وفي مقرها الرئيسي. وأغلقت قناتها "الجزيرة أمريكا". وأشارت الدوحة إلى اتجاهها لخصخصة بعض الشركات الحكومية. ويعتبر نظام الدعم في قطر من أكثر البنود التي تستنزف الكثير من الأموال. ويتوقع تخفيض الدعم بحيث يستثنى منه الأجانب. وقد بات ذلك ملحا بسبب الأعداد الكبيرة للعمالة الأجنبية، التي أدت إلى زيادة عدد المقيمين في قطر بحوالي 40 في المئة منذ عام 2010. كما رفعت الدولة سعر البنزين بأكثر من 30 في يناير الماضي لمواجهة العجز، وطبقت الزيادة بعد ساعات من الإعلان عنها.