الأحد الماضي عاد الطلاب والطالبات إلى مقاعد الدراسة بعد إجازة طويلة تعدت الأربعة أشهر.. دخل فيها رمضان والعيدان.. استمتع الطلاب والطالبات والمدرسون والمدرسات بالإجازة الطويلة إما بالسفر وتغيير المكان والأغلبية خارج المملكة، وهي الهجرة السنوية المعتادة ولكنها زادت في السنين الأخيرة، فمقاعد الخطوط السعودية للطيران محجوزة كلها طوال فترة الإجازة.. ولا يوجد مقعد فارغ لمن يفكرون فجأة في السفر، كل دول العالم مليانة بالسعوديين القريبة والبعيدة، والأغرب من ذلك حتى الدول التي لا تختلف درجة حرارتها عنا، أقصد الدول الحارة هاجر لها السعوديون هجرة موقتة، أو ذهبوا إليها في رحلة هروب، وكأن الإجازة الهدف منها الهروب والمغادرة إلى أي مكان، وتكتشف فجأة أننا شعب مهاجر يكره البقاء في المكان الواحد، ويبحث عن التغيير في أي دولة في العالم يمكنه الذهاب إليها..! وزاد تكدس المسافرين في المطارات في الشهر الأخير لاقتراب المدارس، والرغبة في التغيير وعمل فاصل بين المدرسة والمدرسة، فالدول التي تصل حرارتها ل 50 درجة ليست دول مصيف بالمعنى التقليدي ولكن بالنسبة للعائلة السعودية هي سفر وخروج وتغيير جو وتسجيل أنك غادرت في هذه الإجازة الطويلة ليس من أجل الحصول على لحظات استرخاء وجو بارد ولكن لتغيير المكان والوجوه وعودة الأبناء بعد ذلك أكثر رغبة للدراسة.. والسؤال هنا هل السفر هو الذي سوف يحفّز الطلاب للعودة برغبة جارفة لمقاعد الدروس؟ منذ أسبوع والأسر تعاني من قرب بداية الدراسة، الطلاب والطالبات يكرهون العودة ولا يتمنونها، والأمهات بعضهن ارتاح من المدارس، والاستيقاظ المبكر والبعض الآخر يتمنى عودتها من أجل تنظيم الحياة بشكل أفضل وعودة الحياة الطبيعية من نوم مبكر وطبيعي، من نوم الليل وعمل في النهار بدلاً من النوم في النهار والسهر في الليل، وعدم إنجاز أي شيء يذكر في الحياة خلال الإجازة بحيث أنك تدونها في أجندتك بأنك أنجزت عام 2016 شيئاً ما تستعيده في قادم الآيام ويعود عليك بالفائدة، بدلاً من السهر والنوم الكثير والبقاء داخل وسائل التواصل الاجتماعي متنقلاً من صفحة إلى أخرى دون أن ينعكس ذلك إيجابياً عليك..! يكره السعوديون المدارس ولا يفرحون بعودتها بل على العكس ظاهرة تحريق الكتب والتخلص منها نهاية العام الدراسي في آقرب سلة مهملات تشرح جيداً لماذا يكرهون المدارس.. ويعتبرون يوم العودة يوماً كئيباً ومملا ويتمنون أن يتأخر آسبوعاً آخر.. ليس الطلاب وحدهم بل المدرسون والمدرسات.. ولا أحد يغيب عنه هذا الإحساس فكل قروبات التواصل الاجتماعي تكتب عن العودة والأكثر طرافة أنها تحولت إلى تحفيز وعدم بطر على النعمة التي نحن فيها من خلال "اذهبوا إلى مدارسكم آمنين مطمئنين.. بدلاً من أن تنقطعوا عنها أو تذهبوا إليها في الحروب كما يجري لطلبة العراق وسورية واليمن".. وكأنه ترغيب ودفع للذهاب إلى المدرسة وهي يفترض أن تكون مسألة مفروغاً منها ولا تحتاج لكل هذه الخطب..! لماذا يكره الطلبة المدارس؟ في السابق ورغم صعوبة التعليم وعدم توفر المحفزات حالياً من تقنية وإجازات طويلة وحقوق الطالب كان البعض يكرهها لأن التعليم كان يرتبط بعضه بالعنف والضرب والإهانة في ظل رضا كامل من الأسر من أجل أن يتعلم آبناؤها وكان لا يوجد تكييف أو مدرسون سعوديون أو دلع وترغيب كماهو الآن، ومع ذلك كان يركض الطلبة منذ أول يوم للصفوف رغبة في التعليم الحقيقي ورغبة في ممارسة الحياة الطبيعية من معرفة للأصدقاء والتقاء بالوجوه.. وإحساس بأمل حقيقي بأن هذا التعليم مجدٍ ومن الممكن أن يحقق لهم شيئاً في المستقبل..! الآن اختلفت الصورة تماماً أصبح الكره صريحاً وأصبحت الرغبة معدومة لطلاب صغار في منتصف العقد الثاني وبدايته.. يعيب في المدرس والمدرسة والمنهج وعندما تسأله لماذا تكره المدرسة يجيب: لا أحب الاستيقاظ المبكر، ولا أحب المدرس الفلاني أو المدرّسة الفلانية إنها كئيبة، ولا أحب المادة الفلانية أو المديرة أو المراقبة؟ هذا الكره المفنّد تغيب عنه العملية التعليمية التي هي الأساس وهي السبب في هذا الكره وعدم الرغبة في الذهاب من اليوم الأول.. وكثرة الغياب طوال السنة.. وبقاء التعليم بوجهه القديم منذ خمسين عاماً دون تطوير أو بحث في أسباب هذا الكره وهذا العزوف عن الحضور قبل بداية أي إجازة بأيام..! لن يكره الطلاب والطالبات المدارس في حالة إعادة تأهيل المعلم وبالذات معلم الصفوف المبكرة، تأهيله تأهيلاً ليس تربوياً فقط ولكن إنسانياً وحضارياً وقياس قدراته وتناسبها مع طلاب الصفوف المبكرة، وتفهمه لخصائص المرحلة التي يدرّسها.. والأهم من ذلك ماتعانيه كثير من المدارس من هذا التخطيط الخاطئ لوزارة التربية والتعليم وهو سوء الاختيار للمعلم.. وعلى وزارة التربية والتعليم عمل استفتاء دون أسماء بسؤال واحد هل تحب مهنة التدريس؟ وستكون الإجابة صاعقة.. أعرف معلمات عن قرب لا يحببن التدريس ولا يعطين فيه وينتظرن 20 سنة ليغادرن بتقاعد مبكر والسبب في قبول هذه المهنة أنها وظيفة براتب ولا يهم أن تعطي فيها أو تحبها لأنك تقوم بها دون إحساس بمتطلباتها.. في أمريكا وأوروبا يفحصون المعلم نفسياً وذهنياً للتأكد من مناسبته لمهنة معلم والغالبية تكون من حملة الماجستير والدكتواره.. هذا أهم سبب لكره المدارس عدم اختيار من يناسب المهنة ويحب عمل المعلم السامي.. وتتناسب قدراته مع الوظيفة التي ليست أبدية وتترك دون تقييم سنوي.. الشيء الآخر هو عدد الحصص المتلاحقة والطويلة التي تمتد ل 35 حصة دراسية أسبوعياً يظل الطالب مقيداً إلى طاولة الدرس فاقداً استيعابه دون تغيير لنمط التعليم أو ترغيب فيه بدلاً من ملل الحصص الكثيرة يومياً والمشحونة بالتلقين ورغبة المدرس في أن يكمل المنهج المدرسي بسرعة. كما هو موزع له في الخطة.. دون تدارك أن هذه الحصص المملة ارتبطت سابقاً بعدم غزو وسائل التواصل الاجتماعي وعدم وجودها واكتفاء الطلاب بالحصة والكتاب المدرسي..! سيحب الطلاب المدارس عندما تحاول الجهات المعنية عمل دراسات من أجل معرفة هذا الكره وهذه الرغبة الغائبة.. ولديها الإجابات والأسباب سواء من خلال كثرة غياب الطلاب أو تجهمهم وهم داخل الفصول وسعادتهم عند المغادرة..!!