نحن نعيش في فترة الاقتصاد العالمي فيها غير مستقر. فالاقتصاد الأميركي والأوروبي، اللذان كانا مركز الاقتصاد العالمي، هما في غرفة العناية ويعيشان على المسكنات منذ عام 2008. ولكن الأخطر هو وضع الاقتصاد الصيني والهندي اللذين صارا، بعد العام المشار إليه، بمثابة القاطرة التي تجر وراءها بقية الاقتصاد العالمي. فنمو الاقتصاد في الأطراف قد خفف من حدة الأزمة التي تعيشها المراكز الصناعية. ولكن ذلك قبل أن تبدأ على الاقتصاد الصيني والهندي الأعراض التي نراها. ولهذا فإن المحللين صاروا يضربون أخماسا في أسداس لمعرفة الأسباب التي أدت بالاقتصاد العالمي إلى هذه الحالة التي نشهدها اليوم. فالاقتصاديون لا زالوا محتارين في التشخيص، وفيما إذا كان ما يعاني منه الاقتصاد العالمي ناجما عن مرض في المراكز الصناعية أم في الأطراف. فهناك من يرى أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد جاءت بفعل التطور غير المتوازن بين الإنتاج والاستهلاك في المراكز الصناعية؛ وذلك بعد انتقال العديد من الشركات إلى الأطراف وتعود المجتمعات في المراكز الصناعية على العيش الرغيد معتمدين على القروض الميسرة والواردات الرخيصة. ولكن هناك من يعتقد أن أسباب الأزمة ليس في المركز وإنما في شبه الأطراف وبصفة رئيسية جنوب شرق آسيا التي كانت فيما مضى بمثابة الحزام الناقل الذي يتوقف عليه دوران الاقتصاد العالمي. وذلك على أساس أن حركة الاستثمارات ونمو التجارة العالمية كان يدفعها تدفق رؤوس الأموال والسلع بين الولاياتالمتحدة وبين ما يطلق عليهم النمور الآسيوية وكذلك اليابانوالصين. وهكذا أسقط في يدنا. فبدون معرفة دقيقة للأسباب التي نجمت عنها الأزمة العالمية يستحيل أو يصبح من الصعب وضع وصفات ناجحة للعلاج. فالتشخيص ضروري حتى يتسنى للمؤسسات والهيئات الدولية، مثل صندوق النقد ومجموعة العشرين، تقديم الحلول اللازمة لمعالجة الخلل وإعادة الاقتصاد العالمي إلى جادة التطور المستقر من جديد. وعلى ما يبدو لي فإن جذور ما نراه من تراجع لمعدلات النمو في المراكز الصناعية وللتجارة العالمية يعود إلى كلا الأمرين المشار إليهما وليس إلى واحد منهما فقط. فمن الواضح أن إعادة توزيع الناتج القومي الإجمالي في المركز الصناعية لمصلحة الأغنياء منذ عام 1981 قد أدت إلى تراجع رقابة الدولة State Regulator وانخفاض معدلات نمو الاقتصاد الحقيقي وتطور اقتصاد المضاربة الذي شكل في عام 2008 فقاعة الرهن العقاري التي تم علاج آثاره بالمسكنات من خلال التيسير الكمي. ولكن هذا وحده لا يفسر ما نراه منذ عام 2014 وحتى الآن. إذاً فلربما يكون تراجع الحزام الناقل الذي تشكله الصين والهند أهم مكوناته قد عمق الأزمة. فمعدل نمو الاقتصاد الصيني والهندي وكذلك حجم التبادل التجاري بين هذين البلدين والمراكز الصناعية قد تراجع. ولذلك وفي ظل هذا التردي الذي تشهده العديد من الاقتصادات في العالم فإن الفرصة أمامنا ربما تكون مواتية أكثر من أي وقت مضى لتغيير موقعنا في التقسيم الدولي للعمل. فنحن إذا ما تمكنا من إعادة هيكلة اقتصادنا ليصبح معها متعدد المزايا النسبية ولا يعتمد بنسبة كبيرة على النفط فإن ذلك من شأنه أن يعطينا موقعا أفضل في النظام الاقتصادي العالمي الذي سوف يعيد تشكيل نفسه خلال العشر سنوات القادمة.