* نركب قطار الحياة، ثم ننزل منه، دون أن نعي لحظة الصعود والنزول. فالله -وحده- اختص في علمه الأزلي بمثل هذا، ولكنه وهبنا القدرة لنعي وندرك المسافة بينهما، وفي هذه المسافة -وهي قصيرة في عمر الكون والإنسان معًا- جعل الله لنا الخيار في أن نكدَّ ونجتهد لعمارة هذا الكون. * تلك خواطر انقدحت في الذهن، وتوالت على الخاطر عندما بلغني نبأ وفاة الصديق الأستاذ عبدالله علاء الدين -رحمه الله- وتعود صلتي بالفقيد إلى حوالى عام 1416ه، عندما اختير معالي الصديق والإنسان الدكتور محمود محمد سفر ليتولّى حقيبة وزارة الحج بعد انفصالها عن شقها أو توأمها الأوقاف، ووجدتني بحسن الظن مستشارًا مع ثلة من الزملاء الكرام في مكتبه، واتّصل بي ذات يوم الصديق الأستاذ حاتم حسن قاضي، والذي شهد هو الآخر البدايات الأولى لتأسيس الوزارة في حقبتها الجديدة، وهو من خيرة العاملين فيها خُلقًا وفضلاً، ويشهد الجميع له بذلك.. اتصل بي ليطلب مني حضور اجتماعات مجالس مؤسسات الطوافة، بقصد مناقشة خططها التشغيلية، ولفت نظري تلك القدرات التي يتمتع بها المرحوم علاء الدين، وكان عندئذٍ نائبًا للسيد جعفر شيخ جمل الليل رئيس مؤسسة تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا، فإضافة إلى خبراته الإدارية المتميّزة التي هيأته ليكون رئيسًا للمؤسسة، ثم رئيسًا للهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف، إضافة إلى هذا العبء الإداري الذي يتطلب الجهد وسعة الصدر. فلقد كان المرحوم يتمتع بثقافة واسعة عن مهنة الطوافة، التي شرف الله بها جيران بيته العتيق. وكنا كثيرًا ما نستعين به عند الإعداد لندوة الحج السنوية. ولقد أعطى المرحومُ المؤسسةَ الهامة التي يرأسها -بثقافته وانفتاحه وإجادته لعدد من اللغات- أعطاها أفقًَا وبُعدًا جديدًا، وسوف يجد مَن يحل في عمله كم قدّم الإنسان علاء الدين من جهد، وكم أرسى من أسس، وكم خلّف من تراث.. ولعلي أضيف شهادة أخرى والفقيد قد واريناه ثرى الحجون الطاهر، أنه كان عفيف اليد واللسان، وكان لا يبخل بجاهه داخل مؤسسته وخارجها.