إنشاء أول مصنع للصفيح المقصدر في السعودية    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان الجديد    إطلاق رخصة العمل التطوعي وتدشين مؤسسة مرصد العمل غير الربحي لخدمة ضيوف الرحمن    انطلاق مهرجان القراءة الحرة بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة مليون حاج منذ إطلاقها    أمير القصيم يشيد بجهود الأمانة ويثني على تميزها في التقرير السنوي لعام 2024    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    الكويت تكتب فصلاً ذهبياً في تاريخ الكشافة: استضافة عالمية مستحقة لمؤتمر 2027    برنامج الإقراء لتعليم القرآن    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد استكمال استعدادات الرئاسة العامة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تنفذ عددًا من البرامج التدريبية لتطوير مهارات منسوبيها من مقدمي الخدمات لضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    "هيئة الأدب" تختتم مشاركتها في معرض "الدوحة الدولي للكتاب"    استراتيجية استثمارية طموحة لأمانة حائل في منتدى الاستثمار 2025    نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    نعمل على إيجاد الحلول والمبادرات التي تُقلل من مشكلة الأطفال المتسولين    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    برنامج التحول الوطني يُطلق تقرير إنجازاته حتى نهاية عام 2024    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    نحو تحرير السوق العقاري    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. فهد مطلق العتيبي
فتوى في تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم
نشر في الجزيرة يوم 25 - 07 - 2008

تساءل الدكتور عبد العزيز بن عبد اللطيف الشيخ في مقال بعنوان (تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم.. هل من فتوى فيه؟) نشر بجريدة الجزيرة الغراء بعددها 13067 الثلاثاء 5 رجب 1492ه، عن موقع دولة سبأ هل كانت جنوبية أم شمالية؟
والحقيقة أنني سعدت بمثل هذا الاهتمام بتاريخ الجزيرة العربية في هذه الفترة التاريخية المهمة التي وللأسف لم تجد الاهتمام الكافي إلى الآن من قبل أبناء الجزيرة، نظراً لعدة عوامل من أهمها صعوبة التخصص في التاريخ القديم.
حيث إن البحث فيه بحاجة إلى الكثير من الأدوات البحثية من أهمها اللغات القديمة التي تقف حجر عثرة أمام الكثير من الباحثين.
فأقول مستعيناً بالله إن الباحثين قد انقسموا بشأن نشأة دولة سبأ إلى قسمين:
الأول: (يمثلهم كيبرت وهاردمان وهومل)، يرى أن السبئيين كانوا أصلاً في شمال شبه الجزيرة العربية قرب منطقة الجوف الشمالي. واستمروا في هذه المنطقة على حالهم من البداوة زمناً طويلاً.
ونظراً لبعض الظروف المعينة هاجر السبئيون نحو جنوب شبه الجزيرة العربية واستقروا فيه. ويرى أغلب المؤرخين أن هذه الهجرة كانت في القرن الثامن ق.م.، وإن كان هناك من يرى أنها كانت حوالي القرن الحادي عشر ق.م. أو القرن الثاني عشر ق.م.
ويؤيد أصحاب هذا الرأي نظريتهم بما يلي:
1 - زيارة ملكة سبأ لسليمان - عليه السلام -
ذكرت التوراة وذكر القرآن الكريم أن ملكة سبأ قد زارت النبي سليمان - عليه السلام - في فلسطين حوالي القرن العاشر ق.م.. حيث ورد في سفر الملوك الأول الإصحاح العاشر ما يلي:
وَعِنْدَمَا بَلَغَتْ أَخْبَارُ سُلَيْمَانَ وَإِعْلاَئِهِ لاِسْمِ الرَّبِّ مَسَامِعَ مَلِكَةِ سَبَأَ، قَدِمَتْ لِتُلْقِيَ عَلَيْهِ أسئلة عَسِيرَةً، (2) فَوَصَلَتْ أُورُشَلِيمَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدّاً، وَجِمَالٍ مُحَمَّلَةٍ بِأَطْيَابٍ وَذَهَبٍ وَفِيرٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ، وَأَسَرَّتْ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِي نَفْسِهَا. (3) فَأَجَابَ سُلَيْمَانُ عَنْ كُلِّ أَسْئِلَتِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ شَرْحِ شَيْءٍ. (4) وَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ كُلَّ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ، وَشَاهَدَتِ الْقَصْرَ الَّذِي شَيَّدَهُ، (5) وَمَا يُقَدَّمُ عَلَى مَائِدَتِهِ مِنْ طَعَامٍ، وَمَجْلِسَ رِجَالِ دَوْلَتِهِ، وَمَوْقِفَ خُدَّامِهِ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ وَمُحْرَقَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَرِّبُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ، اعْتَراهَا الذُّهُولُ الْعَمِيقُ، (6) فَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: إِنَّ الأَخْبَارَ الَّتِي بَلَغَتْنِي فِي أَرْضِي عَنْ أموركَ وَحِكْمَتِكَ هِي حَقّاً صَحِيحَةٌ. (7) وَلَمْ أُصَدِّقْهَا فِي بَادِيءِ الأمر حَتَّى جِئْتُ وَشَاهَدْتُ، فَوَجَدْتُ أَنَّ مَا بَلَغَنِي لاَ يُجَاوِزُ نِصْفَ الْحَقِيقَةِ، فَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّ حِكْمَتَكَ وَصَلاَحَكَ يَزِيدَانِ عَمَّا سَمِعْتُهُ مِنْ أَخْبَارِكَ. (8) فَطُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِخُدَّامِكَ الْمَاثِلِينَ دائماً فِي حَضْرَتِكَ يَسْمَعُونَ حِكْمَتَكَ. (9) فَلْيَتَبَارَكِ الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ، وَأَجْلَسَكَ عَلَى عَرْشِ إسرائيل، لأَنَّهُ بِفَضْلِ مَحَبَّتِهِ الأَبَدِيَّةِ لإسرائيل قَدْ أَقَامَكَ مَلِكاً لِتُجْرِيَ الْعَدْلَ وَالْبِرَّ". (10) وَأَهْدَتِ الْمَلِكَ مائة وَعِشْرِينَ وَزْنَةً (نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلافٍ وَثَلاَثِ مائة وَعِشْرِينَ كِيلُو جْرَاماً) مِنَ الذَّهَبِ وَأَطيَاباً كَثِيرَةً وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، فَكَانَتِ التَّوَابِلُ الَّتِي أَهْدَتْهَا مَلِكَةُ سَبَأَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنَ الْوَفْرَةِ بِحَيْثُ لَمْ يُجْلَبْ مِثْلُهَا فِي مَا بَعْدُ. (11) وَجَلَبَتْ أيضاً سُفُنُ حِيرَامَ الَّتِي حَمَلَتِ الذَّهَبَ مِنْ أُوفِيرَ، خَشَبَ الصَّنْدَلِ بِكَمِّيَاتٍ وَافِرَةٍ جِدّاً وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، (12) فَصَنَعَ سُلَيْمَانُ مِنْ خَشَبِ الصَّنْدَلِ دَرَابَزِيناً لِهَيْكَلِ الرَّبِّ وَلِلْقَصْرِ، كَمَا صَنَعَ مِنْهُ أَعْوَاداً وَقِيثَارَاتٍ. وَلَمْ يُرَ وَلَمْ يُجْلَبْ حَتَّى الْيَوْمِ مِثْلُ خَشَبِ الصَّنْدَلِ ذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ. (13) وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَأَ كُلَّ مَا رَغِبَتْ فِيهِ، فَضْلاً عَمَّا أَهْدَاهُ إِلَيْهَا وَفْقاً لِكَرَمِهِ. ثُمَّ انْصَرَفَتْ هِيَ وَحَاشِيَتُهَا إلى أَرْضِهَا.
وفي سورة النمل يقول تعالى:
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أم كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{20} لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أو لَأَذْبَحَنَّهُ أو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{21} فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ{22} إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ{23} وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعمالهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{24} أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{25} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{26} قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أم كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ{27} اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ{28} قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{29} إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{31} قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ{32} قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمر إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ{33} قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{34} وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ{35} فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ{36} ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ{37} قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{38} قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ{39} قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فإن رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ{40} قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أم تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ{41} فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ{42} وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ{43} قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}{44} .
ولقد اتخذ أصحاب الرأي القائل إن سبأ أصلاً من الشمال هذه الزيارة دليلاً على صحة نظريتهم. حيث رأوا أن هذه الحاكمة كانت تحكم منطقة قريبة من فلسطين. لأنه من الصعب عليها أن تسافر بحاشيتها وهداياها من أقصى الجنوب إلى مملكة سليمان - عليه السلام - في فلسطين. لذلك فإن هذه الملكة وحسب رأيهم كانت تعيش في شمال شبه الجزيرة العربية وليس في جنوبها. ومع منطقية هذا الرأي إلا أنه يمكن الرد عليه على النحو التالي:
ورد في سورة سبأ ذكر جنتي سبأ وسيل العرم. يقول تعالى {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ{15} فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ{16} ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (17) ومن الثابت أن هاتين الجنتين والسيل المذكور كانا في جنوب شبه الجزيرة العربية وليس شمالها.
ورد في سورة النمل {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } (22) فقوله تعالى {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) يدل على أن سليمان عليه السلام لم يكن يعلم شيئا عن هذه الملكة. ولو كانت سبأ المقصودة تقع في شمال شبه الجزيرة العربية لعلم بها سليمان، بل وأقام علاقات تجارية معها.
وجاء في هذه السورة ذاتها على لسان الهدهد {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}{23} حيث تدل هذه الآية على الثراء الظاهر لهذه المملكة. ومثل هذا الغنى حري بأن يتوافر لممالك الجنوب التي كانت إضافة إلى تحكمها في تجارة العالم القديم، تمتلك موارد طبيعية واقتصادية ضخمة. من أهمها البخور واللادن. وان كنا لا نستبعد أن تتمتع بعض دول الشمال بمثل هذا الغنى. ولكن لو كانت سبأ أصلاً في الشمال، فكيف سنجيب عن هذه الأسئلة التالية:
لماذا لم يذكر الرواة ومؤرخو الشمال العرب هذه الدولة ولم يفتخروا بها (هل هذا راجع للحيز الزمني الذي كان يفصلهم عن هذه الدولة؟)؟
لماذا لم تكتشف آثار هذه الدولة في الشمال إلى يومنا هذا؟
إذا كانت سبأ في الشمال وبلغت هذا المستوى الاقتصادي والثراء الذي تحدث عنه القرآن في القرن العاشر ق.م.، فلماذا هاجر أهلها إلى الجنوب بعد ذلك (هل لذلك علاقة بتقلبات المناخ، أم إنهم في البداية كانوا من الوسطاء التجاريين في الشمال لنقل بضاعة الجنوب للشام ومع الوقت قرروا الاستيلاء على الجنوب وتجارته؟).
كل هذه الأسئلة وللأسف ستبقى دون إجابة محددة نظراً لنقص المعلومات التي بين أيدينا.
إذا نظرنا إلى الأساطير الحبشية لوجدناها تنسب أسرتها الملكية القديمة إلى سليمان والى ماقدمه ملكة شبا أو بلقيس ملكة سبأ. وربما تشير هذه النسبة إلى أن هذه الحاكمة التي نسبوا الأحباش أنفسهم إليها كانت تحكم دولة قريبة منهم، أي في جنوب شبه الجزيرة العربية.
2 - جاء في الإصحاح الأول في سفر أيوب أن لصوصاً سبئيين فتكوا برعاة أيوب، حيث قال أحد الرعاة (البقر كانت تحرث، والأتن ترعى بجانبها، فسقط عليها السبئيون وأخذوها، وضربوا الغلمان بحد السيف، ونجوت أنا وحدي أنا لأخبرك).
ونظراً لأن أيوب كان يعيش في الشمال، قال أصحاب نظرية الأصل الشمالي لسبأ لابد أن تكون سبأ هي الأخرى في الشمال. حيث لا يعقل أن يأتي رعاتها من أقصى الجنوب للفتك برعاة أيوب. والحقيقة أن هذا الاستنتاج جيد. لكن يمكن الرد عليه بقولنا: ممن الممكن أن يكون هؤلاء الرعاة من أفراد الجالية السبئية في الشمال.
3 - ذكرت التوراة اسم سبأ إلى جانب اسم ددان. ومن المعروف أن ديدان دولة شمالية قامت شمال الحجاز. وعليه، يقول هومل وأصحابه، إن سبأ دولة شمالية. ومع منطقية هذا الرأي إلا أننا نرى أن المقصود بسبأ هنا الجالية السبئية الصغيرة التي قامت حول تيماء في شمال شبه الجزيرة العربية.
4 - ذكرت النصوص المسمارية العراقية منذ القرن الثامن ق.م. أسماء بعض حكام سبأ في ثلاث مناسبات. المناسبة الأولى ترجع إلى عهد الملك الآشوري (تيجلات بيلاسر الثالث) (745 - 727 ق.م). حيث ذكر أحد نصوصه أنه تلقى في حوالي عام 738 ق.م. من الملك السبئي (اتي أمر) جزى أو ربما هدايا من الذهب والإبل والأحجار الكريمة والتوابل. وتعود الإشارة الثانية إليهم في نص للملك (سرجون الثاني) (722 - 705 ق.م) حوالي عام 714 ق.م. حيث يذكر هذا النص أن الملك الآشوري تلقى من (إتي أمر) السبئي جزى من الذهب والأحجار الكريمة والأعشاب والخيول. أما الإشارة الثالثة فقد جاءت في أحد نصوص (سينا خريب) ( 705 - 681 ق.م) الذي ذكر أنه حين احتفل الملك بوضع حجر أساس (بيت أكيثو) في عام 685 ق.م استقبل مندوباً عن الحاكم السبئي كريبي إيلو حمل إليه جزاه (أو هداياه) من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة والطيوب، ووضع جانباً منها بأمر مولاه في أساس المبنى الجديد.
هذا وقد رأي العلماء أن اسمي الحاكمين السبئيين (إتي أمر ) و(كريبي إيلو) ما هما إلا صيغ محرفة ل (يثع أمر) و(كرب إيل) وهما من حكام سبأ الأوائل. وبما أن هؤلاء الحكام السبئيين يظهرون في النصوص الآشورية مهادنين ومطيعين ويقومون بأداء الجزية وبعث الهدايا إلى بلاط الآشوريين، لابد أن تكون دولتهم، كما يرى هومل وأصحابه، قريبة من الإمبراطورية الآشورية . بمعنى أنهم لابد أن يكونون في شمال شبه الجزيرة العربية وليس شمالها.
ويمكن أن نقول هنا ما سبق وأن ذكرناه بأن المقصود في هذه النصوص ما هم إلا مجرد جاليات تجارية أقامت قرب تيماء ومنطقة الجوف الشمالي لرعاية المصالح التجارية لدولتها الأم في الجنوب على طريق القوافل. وكان من الطبيعي أن تحس هذه الجاليات بسطوة الآشوريين لقربها منهم. ولقد وجدت هذه الجاليات أنه من مصلحتها أن تقدم إلى الملوك الآشوريين هدايا باسم ملوك دولتهم الأم في الجنوب بهدف الاحتماء بآشور والانتفاع من الاتجار معها. وربما أن الملوك الآشوريين قد فسروا هذه الهدايا بأنها تعبير عن طاعة دولة سبأ الجنوبية.
5 - ذكر أصحاب هذا الرأي التقارب الشديد بين اللهجة السبئية وعربية القرآن الكريم الشمالية. حيث يرون هذا التقارب دليلاً على موقع سبأ الشمالي. ويمكن الرد عليهم بالقول إن السبب في هذا التقارب الواضح هو انفراد لغة سبأ وحمير من بين لغات الجنوب بالاستمرار في التدوين حتى نزول القرآن الكريم. كما كان لعامل الوقت والعلاقات التجارية الدور الأكبر في التقريب بين لغة الشمال ولغة الجنوب.
6 - يرى أصحاب الرأي القائل بقيام سبأ أصلاً في الشمال ومنهم هومل أن اسم (مأرب)، وهو اسم عاصمة سبأ الجنوبية له علاقة باسم يارب الذي أطلقته التوراة على أعراب شمال شبه الجزيرة العربية وبادية الشام. وكذلك اسم أريبي الذي أطلقته النصوص الآشورية عليهم. وعليه يرى أصحاب هذا الرأي أن السبئيين من شمال شبه الجزيرة العربية أصلاً. وبعد انتقالهم للجنوب أطلقوا هذا الاسم على عاصمتهم. ولكن هذا الرأي يخالف الحقائق التاريخية. فأول عاصمة اتخذها السبئيون في الجنوب هي (صرواح). فلماذا لم يطلقوا عليها مأرب إذا كانوا قادمين جدد من الشمال وما زالوا يتذكرون هذا الاسم. كما أن النصوص السبئية تخلو من صفة عرب وأعراب المرادفة لكلمة أريبي الآشورية.
أما النظرية الثانية المتعلقة بنشأة سبأ فيرى أصحابها (موسل وجلازر) أن دولة سبأ قامت أصلاً في جنوب شبه الجزيرة العربية. ونظراً للتوسع التجاري لهذه الدولة اتجهت جالية منهم نحو الشمال إلى واحة تيماء ومنطقة الجوف الشمالي خلال القرن الثامن ق.م، أو قبله بقليل لترعى المصالح التجارية لدولتهم الأم في شمال شبه الجزيرة العربية. ويبدو لنا أن النظرية الأخيرة هي الأقرب إلى الصواب. حيث من المحتمل أن السبئيين كانوا أصلاً من جنوب شبه الجزيرة العربية يعيشون كبقية قبائلها على التنقل والترحال قبل أن ينجحوا في تكوين دولتهم على أرض الجنوب.
قسم التاريخ - جامعة القصيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.