الدعوة إلى الله هي طريق الرسل الذي بلغوا به الرسالات وأدوا به الأمانات، فالله تعالى يرسل رسله ليجدد هذه الدعوة برسالة جديدة أو بإحياء رسالة سابقة، وأصل هذه الرسالات كلها تنبع من كلمة التوحيد، آمرةً بالطاعة، ناهيةً عن المعصية، فهذا طريق الرسل ومن بعدهم لأداء أمانة التبليغ ورسالة التوحيد. أما عن وسائل تبليغ الدعوة فهي الطرق التي يستطيع بها الداعية إلى الله عز وجل إيصال دعوته إلى الناس، وهي نوعان متحركة وصامتة، والمتحركة قسمان (مشافهة مباشرة ومشافهة غير مباشرة) والمشافهة المباشرة هي أبلغ الوسائل تأثيراً وأعظمها نفعاً وهي الوسيلة الأصلية في إيصال الحق للناس، لأنها الوسيلة الأولى التي استخدمها الرسل عليهم السلام وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وهي التي تعارف عليها السابقون واللاحقون، والمشافهة المباشرة تأتي عن طريق وسائل القول بأنواعه المختلفة وهي التي يتحدث فيها الداعية إلى المدعوين مباشرة ويراهم رأي العين، فالمحاضرة الدعوية لا تقوم بذاتها بل تحتاج إلى مَنْ يحركها أمام المدعوين وهذا هو واجب الداعية الذي يتحمل أعباء هذه الوسيلة الدعوية الهامة(1) التي تقضي من الداعية امتلاك مهارات الخطابة والإلقاء ليتمكن من نقل المعاني والأحاسيس إلى المدعوين والتأثير في أفكارهم وتوجهاتهم وإقناعهم برسالته المراد إيصالها اليهم، وسنتناول أهم هذه المواصفات والمهارات التي ينبغي أن يمتلكها الداعية ليتمكن من التأثير في الآخرين. 1- العلم: حيث ينبغي للداعية أن يتصف بعمق المعرفة والإحاطة بما يتحدث عنه، وإلا كان مناقضاً لنفسه وسيتضح ذلك للناس سريعاً لأنه لن يستطيع أن يحدث بغير علم، وهذا يستلزم الإعداد الجيد للرسالة المراد إيصالها فإن ذلك أبلغ إلى السامعين وشد انتباههم. 2 - المهارة اللغوية: وهي امتلاك الداعية لمعجم واسع من المفردات تزوه بقدرة فائقة على التعبير عن المعنى بأروع طريقة وأبدع أداء قال صلى الله عليه وسلم (أوتيت جوامع الكلم) وكلما نجح الإنسان في إجادة فن الكلام وامتلاك زمام الفصاحة والبلاغة كان أقدر في الآخرين وتوجيههم الوجهة التي يريدها، كما أن الوضوح والبيان في الكلام من أهم أسباب تفاعل المدعوين، أما عندما يكون الكلام غامضاً فلن يتفاعل مع الآخرين. وأولى خطوات المهارة اللغوية هي لفت انتباه المستقبل وإثارته بحركة أو كلمة، أو ذكر هدف محبوب، أو موقف، كمدخل لرسالة الداعية وهو ما يسمى لدى علماء البلاغة (براعة الاستهلال) وإذا نجح الداعية في استهلاله فقد نجح غالباً في تبليغ دعوته. 3 - مهارة التحكم في الصوت: من مهارات الإلقاء القدرة على التحكم في الصوت وتغيير طبقاته تبعاً لأهمية الكلام، أو مراعاة لموقف أو للتأكيد على بعض الكلمات، فنبرات الصوت وتفاعلها مع معاني الكلمات من أهم الوسائل في إيصال رسالة الداعية. وقد نسمع كلاماً واحداً من شخصين مختلفين فنتفاعل مع أحدهما ونتأثر ونتحمس بينما لا يحرك فينا الآخر إحساساً.. لماذا؟ وقد قام فريق من الباحثين بعمل دراسات في بريطانيا سنة 1970م حول تأثير الكلام على الآخرين، فوجدوا أن للكلمات والعبارات نسبة 7% من التأثير، وأن لنبرات الصوت 38% وأن لتعبيرات الجسم الأخرى من عيون ووجه وأيدٍ وجسم 55%(2). 4 - مهارات حركية: قد تكون الحركة أهم من أسلوب الإلقاء ومن المعلوم أن الناس يتذكرون ما يرونه أكثر مما يسمعونه ومن هنا كان الأثر العالي للحركة. كما أن الناس تميل إلى تفسير معاني الإشارات والحركات بشكل طبيعي وتلقائي مما يجعل للحركة أثراً كبيراً في إيصال الرسالة وقد قال العرب قديماً (رب إشارة أبلغ من عبارة) والتعبير قد يكون بالعيون أو باليدين وقد يكون بقسمات الوجه، وقد يكون بحركات الكتفين أو بالرأس فينبغي للداعية أن يمتلك مهارات الاتصال الحركي التي سيكون لها أبلغ الأثر في إيصال دعوته للناس، وليعلم أن للحركة مزايا تعكس المشاعر والانفعالات. تساعد على الفهم، تشد الانتباه ذات أثر قوي في إيصال الرسالة. 5 - مهارات أداء الوقفات: لا بد للخطيب والداعية من مراعاة التوقف في الحديث عند مواضع مناسبة ليهيئ ذهن السامع ويحافظ على ترابط الأفكار، وعلى الداعية أن يتعلم كيف يستخدم قوة الصمت ولو لثوانٍ وأن يعرف مواضع الوقفات، مما سيجعل لذلك مردوداً إيجابياً في قوة التأثير وشد الانتباه. 6 - مهارة إدارة الأسئلة: يحتاج الداعية في جلسة الأسئلة إلى مهارة خاصة تكشف مخزونه المعرفي وتثري النقاط المهمة، وتوفر للمدعوين فرصة للمناقشة وسبر أغوار موضوع الرسالة، وعلى الداعية ألا يخجل من قول لا أعلم فإنها نصف العلم وأن يؤجل الإجابة إلى حين بحث المسألة. وأخيراً فإن هناك مهارات أخرى في الاتصال وصفات شخصية على الداعية أن يتصف بها ليتمكن من التواصل مع الآخرين والتأثير فيهم، فإن هذا الطريق يقتضي العمل الجاد والسعي الحثيث للارتقاء بالأداء لبلوغ أعلى النتائج. (*) مشرفة التربية الإسلامية بالوكالة المساعدة الإشراف التربوي 1- هشام يوسف محمد بنان، المنهج الدعوي في أصول المحاضرة الدعوية ط الأولى 1413ه. 2 - د. عوض محد القرني حتى لا تكون كلا.