الملك عبدالعزيز: أريد مجلساً حقيقياً لا أوهاماً.. فيه رجال يعملون.. أعمل بمشورتهم.. ولا سلطة عليهم

تزامناً مع اليوم الوطني ( الجزيرة ) تفتح ملف الشورى في عهد الملك عبدالعزيز

تعرّف الشورى في الإسلام بأنها (الشريان الذي تجري من خلاله أفكار الأمة وآراؤها في جسم المجتمع) ومن هنا فرض القرآن الكريم (مبدأ التشاور الشامل، أساساً لكيان المجتمع، وتضامنه، ونظامه، ليجعل التشاور، وتبادل الآراء، ومناقشتها الحرة، قاعدة للتضامن في الفكر والرأي بين الأفراد، كما أنه أساس لمشاركتهم في قرارات الجماعة التي يلتزمون بها).ولقد شرع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود (مؤسس الدولة السعودية الحالية) في استخدام الشورى الإيمانية، تقديراً واحتراماً للإنسان، الذي كرمه القرآن الكريم) عندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، بعد أن بيّن لهم أنه ميزه عليهم بالعلم، والفكر، والعقل، وأنه جعل وذريته خلفاء في الأرض، فقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(30) سورة البقرة.وفي ضوء هذا المفهوم تفتح (الجزيرة) ملف الشورى في عهد الملك عبدالعزيز من خلال هذا البحث، الذي أعده الإعلامي المعروف وعضو مجلس الشورى في دورته الثالثة (بدر بن أحمد كريّم):
رؤية الملك عبدالعزيز للشورى
روى خير الدين الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) أنه (لم يؤثر عن الملك عبدالعزيز، أنه انفرد بأمرٍ من الأمور دون الاستشارة) وحينما تتبع الباحث السعودي عبدالرحمن بن علي الزهراني سيرة الملك عبدالعزيز، توصّل إلى أنه (شاور أهل الحلِّ والعقد، وأصحاب الخبرة في الأمور: السياسية، والمالية، والعسكرية، ولم يكن يقبل أي أمر يخالف الكتاب والسّنة).
النتائج المترتبة على الشورى في عهد الملك عبدالعزيز
- بناء دولة راسخة الجذور، في فترة زمنية قياسية مليئة بالفتن، والمشكلات السياسية.
- توحيد المملكة العربية السعودية، وتثبيت الأمن والأمان.
- اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
- إرساء قواعد دولة قوية بعقيدتها، ورجالها المخلصين.
البداية في وادٍ غير ذي زرع
حينما دخل الملك عبدالعزيز مكة المكرمة عام 1343ه (1924م) دعا إلى اجتماع عقده يوم 12 من شهر جمادى الأولى من عام 1343ه (8 ديسمبر 1924م) ووزع بلاغاً دستوراً، ومنهاجاً، وتقريراً لمبدأ الشورى، ولبنةً في بناء الدولة السعودية الحديثة، وقد نشر هذا البلاغ في صحيفة أم القرى (س1، ع1، 15 جمادى الأولى 1343ه، 11 ديسمبر 1924م، ص1) وهذا نصه:
نص البلاغ
بسم الله الرحمن الرحيم.
لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحاضر منهم والباد:
نحمد الله الذي لا إله إلا هو رب البيت العتيق، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم: وها نحن أولاً بعد أن بلغنا حرم الله، نوضح لكم الخطة التي سنسير عليها في هذه الديار المقدسة، لتكون معلومة عند الجميع فنقول:
1- سيكون أكبر همّنا تطهير هذه الديار المقدسة.
2- سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة - بعد هذا - شورى بين المسلمين، وقد أبرقنا لكافة المسلمين في سائر الأنحاء، أن يرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر إسلامي عام، يقرر شكل الحكومة التي يرونها صالحة، لإنفاذ أحكام الله في هذه البلاد المطهرة.
3- إن مصدر التشريع والأحكام لا يكون إلا من كتاب الله، ومما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو ما أقرّه علماء الإسلام الأعلام بطريق القياس، أو ما أجمعوا عليه مما ليس في كتاب ولا سنّة، فلا يحلّ في هذه البلاد غير ما أحله الله، ولا يحرمُ منها غير ما حرّمه الله.
4- كل من كان من العلماء في هذه الديار، أو من موظفي الحرم الشريف، أو المطوفين ذي راتب معين، فهو له على ما كان عليه من قبل، إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً، إلا رجُلا أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوعٌ مما كان له من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين، أعطيناه حقه، ولم ننقصه منه شيئاً.
5- لا كبير عندي إلا الضعيف حتى اخذ له الحق، ولا ضعيف عندي إلا الظالم حتى اخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حدود الله هوادة، ولا يُقبلُ فيها شفاعة. فمن التزم حدود الله ولم يعتدِها فأولئك من الآمنين. ومن عصى واعتدى فإنما إثمه على نفسه ولا يلومنّ إلا نفسه، والله على ما نقول وكيل وشهيد.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
12 جمادى الأولى سنة 1343ه.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود
اللقاء مع علماء الحرم
شهد يوم الجمعة (23 جمادى الأولى من عام 1343ه-19 ديسمبر 1924م) لقاء بين الملك عبدالعزيز وعلماء البلد الحرام، للتشاور في الشكل الذي ينبغي لإدارة البلاد.
لا انفراد بالمشورة بل
مشاركة جماعية
ومما قاله الملك عبدالعزيز في هذا اللقاء: إنني كثير الاهتمام براحتكم، وأفكر دائماً في الطرق التي تمكنني من خدمتكم الخدمة الحقيقية، التي تؤمّن لكم ولعموم أهل هذا البلد المطهر الراحة والاطمئنان. وإن كثرة مشاغلي بتنظيم الأمور في هذه الديار، وفي غيرها من بلداننا تجعل وقتي يقصر عن سماع شكاوى كل فرد منكم، ومعرفة حاجاته. ولا شك أن بلداً كهذا البلد الكبير الواسع، يحتاج لكثير من الأمور والأحوال، ولا يمكنني الوقوف عليها بنفسي منفرداً، ولا أريد أن أستأثر بالأمر في بلادكم دونكم، وإنما أريد مشورتكم في جميع الأمور.
صنف الملك عبدالعزيز الرجال إلى ثلاثة أنماط، وربطهم بالرأي، إذ قال في ذاك اللقاء التاريخي:(تقول العب: إنّ الرجال الثلاثة: رجل، ونصف رجل، ولا رجل. فأما الرجل فهو الذي عنده رأي، ويستشير الناس في أموره. ونصف الرجل من ليس عنده رأي، ويستشير الناس. وليس برجل من ليس عند رأي، ولا يستشير الناس).
اهتمام بإدارة البلاد
لقد أراد الملك عبدالعزيز، أن يتحمل علماء الدّين الإسلامي مسؤولياتهم في بلد بدأ يشهد وقتذاك بواكير الأمن والاستقرار، وهما العنصران المهمان في التنمية بمفهومها الشامل، فقال:(وإن دياراً كدياركم، تحتاج لاهتمام زائد في إدارة شؤونها، وعندنا مثل يعرفه الناس جميعاً وهو: أنّ أهل مكة أدرى بشعابها فأنتم أعلم ببلدكم من البعيدين عنكم، وما أرى لكم أحسن من أن تُلقَى مسؤوليات الأعمال على عواتقكم).
النخبة تُنتخب وطريقة الانتخاب
في ذلك اللقاء التاريخي، حدد الملك عبدالعزيز الذين ينتخبهم الناس لإبداء المشورة، وطريقة الانتخاب، وكيفية اجتماعهم، وماهيّة ما يقررون فقال: أريد منكم أن تعيّنوا وقتاً يجتمع فيه نُخبة العلماء، ونُخبة الأعيان، ونُخبة التجار جميعاً، وينتخب كل صنف من هؤلاء عدداً معيناً كما ترضون وتقررون، وذلك بموجب أوراق تُمضونها من المجتمعين، بأنهم ارتضوا أولئك النفر لإدارة مصالحهم العامة، والنظر في شؤونهم، ثم هؤلاء الأشخاص يستلمون زمام الأمور، فيعينون لأنفسهم أوقاتاً معينة يجتمعون فيها، ويقررون ما فيه المصلحة للبلد.
شكاوى الناس ومطالباتهم
واهتم الملك عبدالعزيز بشكاوى الناس ومطالباتهم، وعهد بها إلى تلك النخبة المُنتخبة، ومن هنا حرص على القول - في ذاك اللقاء - :(إن جميع شكاوى الناس، أو مطالباتهم، يجب أن يكون مرجعها هؤلاء النخبة من الناس، ويكونوا أيضاً الواسطة بين الأهلين وبيننا، فهم عيون لي وآذان للناس، يسمعون شكاويهم، وينظرون فيها ثم يراجعونني).
المطلوب ممن ينتخبون
طالب الملك عبدالعزيز، من المنتخبين بمراعاة العناصر الأربعة التالية:
1- تحري المصلحة العامة، وتقديمها على كل شيء.
2- انتخاب أهل الجدارة، واللياقة، الذين يغارون على المصالح العامة.
3- أن يكونوا من أهل الغيرة، والحمية، والتقوى.
4- عدم تقديم المصلحة الخاصة على العامة.
مجلس الشورى من منظور الملك عبدالعزيز
وحينما تلفّت الملك عبدالعزيز صوب حكومات العالم، ألفى أنواعاً متعددة من المجالس الاستشارية ورأى (أن كثيراً منها مجالس وهمية أكثر منها حقيقية) لماذا؟ (ليقال إن هناك مجالس، هيئات، ويكون العمل بيد شخص واحد، وينسب العمل للمجموع (ولكنّ الملك عبدالعزيز أصرّ على أن يكون مجلس الشورى، الذي دعا الناس لانتخابه لا يتخذ (أشكالاً وهمية) بل أراده أن يكون شكلاً حقيقياً، يجتمع فيه رجال حقيقيون، يعملون جهدهم في تحري المصلحة العامة).
خصائص الشورى والشوريين في عهد الملك عبدالعزيز
شيء آخر ومهم طالب به الملك عبدالعزيز مجلس الشورى وهو: (لا أريده أوهاماً وإنما حقائق) أما رجال الشورى فطالبهم بالعمل إذ قال:(أريد رجالاً يعملون) وبعد اجتماعهم هذا، أعلن الملك عبدالعزيز أنه يعمل بقراراتهم، ومن هنا قال: (فإذا اجتمع أولئك المنتخبون، وأشكل عليّ أمر من الأمور، رجعتُ إليهم في جلسة، وعملتُ بمشورتهم، وتكون ذمتي سالمة، والمسؤولية عليهم، وأريد منهم أن يعملوا بما يجدون فيه المصلحة، وليس لأحد من الذين هم من طرفي سلطة عليهم ولا على غيرهم).
الصراحة ورجال يكرههم الملك عبدالعزيز
حدد الملك عبدالعزيز - في ذاك اللقاء التاريخي - ثلاثة أنواع من الرجال يكرههم، ولا يقبلهم، فمن هم؟ قال: (أريد الصراحة في القول، لأن ثلاثة أكرههم، ولا أقبلهم: رجلٌ يكذب عليّ عن تعمّد، ورجل ذو هوى، ورجل متملّق، فهؤلاء أبغض الناس عندي).
التحقق من انتخاب المطلوبين
وبعد أن انفضَّ ذاك اللقاء طلب الملك عبدالعزيز منهم: الاجتماع على وجه السرعة، بعد تنظيم قائمة بأسماء (الذين سيجتمعون من كل صنف من الأصناف الثلاثة، لأقابلها على القائمة التي عندي، فأتحقق من أن جميع أهل الرأي اشتركوا في انتخاب المطلوبين).
الاستعجال لحياة جديدة
وأخيراً طالب الملك عبدالعزيز من الحاضرين، الاستعجال في العمل (لأمتّع نفسي برؤية هذه البلاد المطهرة، تتمشى في حياة جديدة، ويسرني أن يكون ذلك بواسطتنا).
تحليل دعوة الملك عبدالعزيز
حلل الباحث السعودي عبدالرحمن بن علي الزهراني، هذه الدعوة ووصفها بالوضوح، واستنتج أنها (تدل على مدى حرص الملك عبدالعزيز على الشورى في جميع أموره، وما يجب أن يكون عليه المنتخب من: دين، وخلق، وأمانة، وعلم، وحرص الملك عبدالعزيز كذلك على: أن يشكل هؤلاء المنتخبون جميع فئات المجتمع، وأن يكون لهم دور فاعل في بناء البلاد، لا حاملي شعارات، في بداية بناء دولة إسلامية، مميزة في بنائها، وفق العقيدة الإسلامية الصحيحة).
التطهير من المظالم
وتنفيذ الشريعة
ومع إطلالة شمس يوم الأحد (25 جمادى الأولى 1343ه - 21 ديسمبر 1924م) عقد الاجتماع الذي دعا إليه الملك عبدالعزيز، ووجه إليهم خطاباً أعلمهم فيه، بأن جل مقصده هو: (إظهار دين الله، واتباع طريقة السلف الصالح على ما كان في كتاب الله، وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتطهير هذا البيت من المظالم، وتنفيذ أمر الشريعة في جميع الأحوال) مستشهداً بقول الله تعالى:{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(25)سورة الحج.
التذكير بإقامة أركان الإسلام
وأشار إلى أن الله تعالى أمرنا بأمر، مَنْ عمل وقام به على الوجه المشروع فهو مُسلم، ومن تركه أو ترك شيئاً منه، أو جاء بناقض من نواقضه، خرج من ذلك، وذكرهم بأنّ الله أثبته في كتابه، كما أثبته رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، واتفق عليه علماء المسلمين وهم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وأورد في هذا السياق آيات من القرآن الكريم، ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
تارك الصلاة وحراسة الأسواق
وحث الناس على إقامة الصلاة، وحذّرهم من تركها، فقال الملك عبدالعزيز:(لا حجة لأحد يدّعي الإسلام وهو تارك للصلاة) وطالب المجتمعين بالنظر في هذا الأمر وتعيين رجال من المنتسبين للخير( يمشون في كل سوق ومجمع، يأمرونهم بالصلاة كلما أذّن المؤذّن، حيث يعزل أهل الدكاكين ويصلون، وإن كان التعزيل عليهم مشقة، فيرتّب لكل سوق حرس يحافظون عليه وقت الصلاة، حتى يرجع إليه أهله).
قوام الدّين والدنيا واتفاق الكلمة
وطالب الملك عبدالعزيز المجتمعين بألا يقوموا من مقامهم هذا، إلا وهم ناظرون في هذه المسألة لأن فيها قوام الدين والدنيا، واتفاق الكلمة، ولا حجة بعد ذلك لأحد.
الصدق عند الملك
عبدالعزيز ومتطلباته
وعد الملك عبدالعزيز صدقه في الأقوال والأفعال، أمراً على قدر كبير من الأهمية، ولذلك قال:(وحيث لابد للبلد من قوام أمورها اللازمة التي لا تخفى عليكم، ولا بد من ترتيب في معاملاتها، وأوقافها، وجميع أحوالها، وفي تركها مشقة وخراب في أمر ديننا ودنيانا، وتقويم لا يكون إلا بمعرفة أهلها) فقد طلب الملك عبدالعزيز من المجتمعين أن يختاروا - في مجلسهم هذا - من العلماء في وظيفتهم، ومن التجار، والأعيان رجالاً ينظرون في جميع الشؤون المذكورة أعلاه، وتكون البلد وأهلها برقابهم، يسعون في مصالحها، ويذودون عما يضرهم.
المناقشة بعد الاختيار
كما طالبهم الملك عبدالعزيز بعد اختيار الرجال أن يكتبوا على ذلك سنداً ممضيّاً من: العلماء، والأعيان، والتجار برضاهم بذلك، وبعد هذا يقترحون ما يصلح للبلد وأهلها ووعدهم بأن يناقشهم فيه، وجدد مطالبته بألا يقوموا من هذا الاجتماع (المجلس) إلا وهم متممون ما طلبه منهم.
أعضاء أول مجلس أهلي للشورى في عهد الملك عبدالعزيز (1343ه)
بعد هذا الاجتماع، اتفق المجتمعون على انتخاب أعضاء لمجلس أُطلق عليه (المجلس الشوري الأهلي) يتألف من ثلاثة عشر شخصاً بما فيهم الرئيس وهم:
1- عبدالقادر الشيبي رئيساً.
2- أمين عاصم عضواً.
3- بكر بابصيل عضواً.
4- تاج قطب عضواً.
5- سليمان نائب الحرم عضواً.
6- عباس مالكي عضواً.
7- عرابي سجيني عضواً.
8- عقيل السقاف عضواً.
9- عمر جان عضواً.
10- عمر علوي عضواً.
11- محمد نور فطاني عضواً.
12- محمد نور ملائكة عضواً.
13- محمد بن يحيى بن عقيل عضواً.
اختصاصات أول
مجلس أهلي للشورى
أناط الملك عبدالعزيز بهذا المجلس المسؤوليات التالية:
أ- تنظيم مواد أساسية تتضمن أنواع الأعمال المطلوب أداؤها منه.
ب- مراعاة مصالح المواطنين والحكومة.
ج- مراعاة الأساسيات، والمقتضيات المهمة، الكفيلة بإدارة المجتمع على أكمل وجه.
وقد استمر عمل هذا المجلس زهاء ستة شهور.
ثاني مجلس شورى أهلي في عهد الملك عبدالعزيز (1344ه)
رغب الملك عبدالعزيز إشراك أكبر عدد ممكن من الأهالي في إدارة الشؤون المحلية للمجتمع، فحل المجلس الأول، وطالب بانتخاب عضو من كل حارة من حارات مكة المكرمة. كان عددهم آنذاك (12) عضواً، وكانوا على النحو التالي:
- اثنان من العلماء.
- واحد عن التجار.
- ثلاثة أعضاء عينهم الملك عبدالعزيز من أعيان البلد الحرام.
رئيس وأعضاء ثاني مجلس شورى أهلي
تم انتخاب المجلس الثاني الأهلي للشورى وفق التنظيم، وتألفت لجنة لفحص الأوراق، وتم انتخاب رئيس للمجلس، ونائب له بالاقتراع السري، وكانت النتيجة:
محمد المرزوقي رئيساً، عبدالقادر الشيبي نائباً للرئيس، إبراهيم مطر عن التجار، جمال مشرفة عن التجار، حمزة البركاتي عن حارات مكة، حمزة الفعر مُعيّن، سليمان أزهر عن حارات مكة، شرف عدنان مُعيّن، عباس مالكي من العلماء، عبدالفتاح فدا عن حارات مكة، عبدالله الزواوي عن حارات مكة، عبدالله مخلص عن حارات مكة، علوي تونسي عن التجار، علي كتبي عن حارات مكة، محمد نور ملائكة عن حارات مكة، الشريف هزاع معيّن، محمد سرور الصبان أميناً للسر، انتخب بإجماع الآراء وبالتصويت العلني.
اختصاصات ثاني
مجلس أهلي للشورى
أ- تنظيم أمور البلدية، ووضع لوائح صالحة لها تمكنها من القيام بواجباتها في خدمة البلد (مكة) والنظر في موازنة دخلها وخرجها، وفي المسائل الصحيحة، والوسائل اللازمة لذلك.
ب- النظر في نظام المحاكم الشرعية، وترتيبها بصورة تضمن توزيع العدل، وتطبيق الأحكام الشرعية تطبيقاً لا يجعل مجالاً للهوى.
ج- تدقيق قضايا الأوقاف، والنظر في أبواب الصرف الشرعية.
د- النظر في حفظ الأمن داخل البلد (مكة) وترتيب الشرطة اللازمة لذلك.
ه- تعليم العلم الديني في هذه البلدة المطهرة (مكة) والسعي في تعميم القراءة والكتابة.
و- النظر في الوسائل التي تتوخى تطوير التجارة، وتسهم في تسهيل سُبُلها، وتطوير وسائل الاتصالات (البريد والبرق).
ز- تأليف لجان دائمة لحل المشكلات الداخلية، التي يرجع فيها إلى العُرف، شريطة ألا يخالف أصلاً من أصول الشريعة المطهرة.
أول اجتماع للمجلس الثاني
عقد هذا المجلس جلسته الأولى، صباح يوم الأربعاء (16 من شهر المحرم من عام 1344ه - 5 أغسطس 1925م) للتداول والبحث في: كيفية النظر في الموضوعات التي حددها الملك عبدالعزيز، وتأليف اللجان الخاصة لذلك.
ظهور المجالس الاستشارية في عهد الملك عبدالعزيز
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتسلّم الملك عبدالعزيز مدينة جدّة، ومن ثم المدينة المنورة، وبويع ملكاً على الحجاز، عيّن الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل فيما بعد) نائباً له في الحجاز، بدءاً من يوم 28 جمادى الآخرة من عام 1344ه (12 يناير 1925م) يساعده مجلس استشاري مؤلف من: ثلاثة أعضاء عينهم الملك عبدالعزيز.
هيئة تأسيسية منتخبة
وتلا المجلس الاستشاري، أمرٌ بتأليف هيئة تأسيسية من ثمانية أعضاء، انتخبوا بطريق الاقتراع السري، من ممثلين عن مدن الحجاز، كما أُضيف إليهم خمسة أعضاء آخرين عيّنهم الملك عبدالعزيز، وعيّن لها رئيساً، وطالبها بوضع التعليمات الأساسية لتشكيلات الحكومة.
الملك عبدالعزيز يملي مواد الهيئة
ولما كانت الهيئة التأسيسية لم تنتهِ من صياغة المواد الأساسية لتشكيلات الحكومة، التي قال عنها خير الدين الزركلي: (إنّ موادها كانت من إملاء الملك عبدالعزيز شخصياً، وقامت اللجنة بمهمة صياغتها وتنظيمها) فقد دعا الملك عبدالعزيز لانتخاب مجالس استشارية.
أهل الرأي والخبرة أداء للأمانة
واعتمد تأسيس هذه المجالس على ديباجة تقول: (امتثالاً لأمر الله تعالى في استشارة أهل الرأي، والخبرة، والرجوع إلى آرائهم فيما يهم من الأمور، ورعاية لحقوق الأمة، وأداء للأمانة التي حملنا إياها).
المدن التي أقيمت فيها المجالس الاستشارية وطرق الانتخاب
أولاً: مجلس استشاري في كلٍ من: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، وينبع، والطائف، للنظر في القضايا المحلية المهمة. وتكون هذه المجالس بالانتخاب بدرجة واحدة.
ثانياً: تأليف مجلس مكة المكرمة من عشرة أعضاء سوى الرئيس الذي تختاره الحكومة، ومجلس المدينة من ستة أعضاء سوى الرئيس. ومجلس ينبع من أربعة أعضاء سوى الرئيس، ومجلس الطائف من أربعة أعضاء سوى الرئيس.
ثالثاً: تأليف مجلس عام اسمه (مجلس الشورى العام) يُنتخب أعضاؤه من المجالس الاستشارية المحلية، ويؤلّف أعضاؤه من (13) عضواً، أربعة من مكة المكرمة، واثنان من المدينة المنورة، واثنان من جدة، وآخرون من ينبع، وواحد من الطائف، وثلاثة من رؤساء العشائر.
الذين لهم حق الانتخاب
حدد الملك عبدالعزيز، الفئات التي لها حق انتخاب هذه المجالس وهم: العلماء، وأعيان البلاد، والتجار، ورؤساء الحرف والمهن.
المنتخبون وشروطهم
طالب الملك عبدالعزيز بأن تتوافر في المنتخبين في هذه المجالس الشروط الآتية:
أ- إجادة القراءة والكتابة.
ب- حُسن السيرة.
ج- عدم صدور أحكام مخلة بالدّين والشرف.
مدة العضوية
حدد الملك عبدالعزيز مدة العضوية في هذه المجالس بسنة واحدة فقط.
شرف عدنان رئيساً للشورى
أصدر الملك عبدالعزيز - بوصفه سلطاناً على الحجاز ونجد آنذاك - مرسوماً سلطانياً قيد بديوان نائب الملك بالرقم (162) والتاريخ 12 من شهر ذي القعدة من عام 1344ه (13 يونيه 1926م) بتعيين الشريف شرف عدنان رئيساً لمجلس الشورى، اعتمدت حيثياته على: الإخلاص، والكفاءة، والغيرة على الدّين والوطن.
التعليمات الأساسية
وصدرت يوم 21 صفر من عام 1345ه (9 سبتمبر 1926م) التعليمات الأساسية، واختُصّ القسم الرابع منها بمجلس الشورى، على أن يتألف برئاسة النائب العام (الأمير فيصل بن عبدالعزيز، الملك فيصل فيما بعد).
لماذا مكة مقرٌ للشورى؟
أجاب عن هذا السؤال الباحث السعودي عبدالرحمن الزهراني (بكون مكة المكرمة كانت عاصمة للدولة، وفقاً للتعليمات الأساسية للحكم، التي اختص القسم الأول منها بالإشارة إلى أن الدولة ملكية شورية إسلامية عاصمتها مكة المكرمة ولغتها الرسمية اللغة العربية).
نظام أول مجلس للشورى
أصدر الملك عبدالعزيز يوم التاسع من شهر المحرم من عام 1346ه (8 يوليه 1927م) أمراً بنظام أول مجلس الشورى، نثبت فيما يلي نصه للتاريخ:
المادة الأولى: يتألف مجلس الشورى من ثمانية أعضاء، ينتخبون وفقاً للأصول المشروحة في المواد الآتية:
المادة الثانية: رئيس مجلس الشورى هو النائب العام، الذي له أن يُحضِرَ معه أحد مستشاريه للجلسات، بدون أن يكون للمستشار رأي في المناقشات. وفي غياب الرئيس يرأس المجلس إما معاونه، وإما أحد مستشاريه.
المادة الثالثة: يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى على الصورة الآتية:
أولاً: أربعة أعضاء تنتخبهم الحكومة بعد استشارة أهل الفضل والخبرة.
ثانياً: أربعة أعضاء تختارهم الحكومة بمعرفتها، ويكون اثنان من هؤلاء مِن أهل نجد.
المادة الرابعة: مدة العضوية في مجلس الشورى سنتان، ويغيّر نصف الأعضاء كل سنة (سواء المنتخب منهم والمعيّن) ولكن يمكن إعادة انتخاب الذين انتهت مدتهم.
المادة الخامسة: يجب أن يكون عضو مجلس الشورى متصفاً بالصفات الآتية:
أولاً: ألا يقل سنُّه عن خمس وعشرين سنة.
ثانياً: أن يكون من ذوي المعرفة والخبرة.
ثالثاً: ألا يكون محكوماً عليه بأحكام تخل بالشرف ولا مُفلساً.
رابعاً: أن يكون حسن السيرة والسلوك.
المادة السادسة: الأعمال التي تعرضها الحكومة على المجلس هي:
أولاً: موازنات دوائر الحكومة، والبلدية، وموازنة عين زبيدة.
ثانياً: الرخص للشروع في عمل مشروعات اقتصادية، وعمرانية.
ثالثاً: الامتيازات، والمشروعات المالية والاقتصادية.
رابعاً: نزع الملكية للمنافع العمومية.
خامساً: سنُّ القوانين والأنظمة.
سادساً: الزيادات التي تضاف إلى موازنات الدوائر في بحر السنة.
سابعاً: النفقات العارضة التي تعترض لدوائر الحكومة في بحر السنة، وإذا زاد المطلوب على مائة جنيه.
ثامناً: قرارات استخدام الموظفين الأجانب.
تاسعاً: العقود مع الشركات أو التجار، لمُشترى أو مبيع لوازم دوائر الحكومة، إذا زاد المبلغ على مائتي جنيه.
المادة السابعة: ينقسم مجلس الشورى إلى لجنتين تقوم كل واحدة منهما بدرس المعاملات التي يحيلها إليها سكرتير المجلس، وتبدي رأيها فيها. ثم تتبادل اللجنتان الأوراق التي في يد كل واحدة، وتدرس الواحدة ما كان بيد الأخرى. ثم تعرض النتيجة في جلسة عامة من جلسات المجلس لوضع قراره النهائي.
المادة الثامنة: ينعقد المجلس بحضور أربعة أعضاء والرئيس. وتصدرُ القرارات بموافقة ثلثي مجموع أصوات المجلس.
المادة التاسعة: ينعقد المجلس مرتين في الأسبوع بصورة اعتبارية. ويمكن أن يجتمع أكثر من ذلك بناء على دعوة من رئيسه كلما دعت الحاجة. ويمكن أن تجتمع اللجان في غير أوقات الاجتماع المعيّنة للمجلس.
المادة العاشرة: يمكن للمجلس أن يلفت نظر الحكومة، إلى أي خطأ وقع في تطبيق القوانين، والأنظمة المعروفة.
المادة الحادية عشرة: إذا عرضت الحكومة مشروعاً على المجلس فرفضه، أو عدّل فيه تعديلاً لم توافق عليه الحكومة، فللنائب العام أن يعيد المشروع إلى المجلس مع ملاحظات كافية، لإقناعه بصواب رأي الحكومة، وضرورة تغيير قراره. فإن رفض المجلس ثانية، أو أصرّ على تعديله السابق، يكون الفصلُ في الأمر لجلالة الملك. وللمجلس أن يراجع جلالة الملك بواسطة رئيسه، لأجل التصديق على مشروعٍ قرره المجلس ومضى عليه شهر، قبل صدور إرادة الملك بالموافقة عليه.
المادة الثانية عشرة: يجب أن يُدعى رئيس الدائرة ذات العلاقة، حينما يبحث المجلس في مسألة لها علاقة بدائرته، ويجب أن تُرَاعَى هذه القاعدة دَوماً.
المادة الثالثة عشرة: يعيّن لمجلس الشورى سكرتير، أمين سر قدير واقف على تنظيم المعاملات، وترتيبها ليلتقي الأوراق، وينظمها، ويلخصها، ولكي يضع جدول الأعمال لكل جلسة، ويقدمه للأعضاء قبل انعقاد الجلسة بيوم واحد على الأقل. ويكون للمجلس كاتب، أو اثنان على قدر اللزوم غير أمين السر.
المادة الرابعة عشرة: للملك حق حل مجلس الشورى، وتغيير أعضائه، أو عزلهم.
المادة الخامسة عشرة: تحل هذه القرارات محل القسم الخاص بمجلس الشورى، من القسم الرابع من التعليمات الأساسية.
أكثر من 7 آلاف قرار أثناء عهد الملك عبدالعزيز
كشفت إحصائية أخيرة أصدرتها الإدارة العامة لشؤون الجلسات بمجلس الشورى، تزامناً مع اقتراب اليوم الوطني للمملكة، أنّ المجلس الذي شكّل بمكة المكرمة يوم 9 من شهر المحرم من عام 1346ه (8 يوليه 1927م) وافتتح الملك عبدالعزيز أعمال دورته الأولى يوم 14 من الشهر نفسه (13 يوليه 1927م) أصدر (7239) قراراً في غضون (4010) جلسات.
ويعد هذا المجلس أول مجلس للشورى في المملكة العربية السعودية، صدر له نظام خاص، ورأسه الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل فيما بعد) وتألف آنذاك من ثمانية أعضاء متفرغين، أربعة منهم انتخبتهم الحكومة، بعد استشارة أهل الفضل والخبرة في البلاد، والأربعة الباقون اختارتهم الحكومة بمعرفتها، للنظر في القضايا والموضوعات التي تتناول تطوير المجتمع السعودي، وكان يعقد جلساته بصورة منتظمة، وله أمانة عامة مصغرة.
مراجع البحث
- القرآن الكريم.
- إبراهيم بن عويض العتيبي - تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز - ط1، الرياض: مكتبة العبيكان، 1414ه.
- توفيق الشاوي - فقه الشورى والاستشارة - ط2، المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1413ه، 1992م، ص40 .
- عبدالرحمن بن علي الزهراني - مسيرة الشورى في المملكة العربية السعودية - ط3 منقحة ومزيدة، الرياض: مجلس الشورى، إدارة العلاقات العامة والإعلام، 1423ه، 2002م.
- خير الدين الزركلي - شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز - ط3، ج1 و2، بيروت: دار العلم للملايين، 1985م.
- صلاح الدين المختار - تاريخ المملكة العربية السعودية ماضيها وحاضرها - ج2، بيروت: دار مكتبة الحياة، (د.ت).
- صحيفة أم القرى، ع 1، 15 جمادى الأولى 1343ه، 11 ديسمبر 1924م.
- صحيفة أم القرى، ع 3، 29 جمادى الأولى 1343ه، 25 ديسمبر 1924م.
- صحيفة أم القرى، ع 10، 19 رجب 1343ه، 12 فبراير 1925م.
- صحيفة أم القرى، ع 31، 9 محرم 1344ه، 29 يوليه 1925م.
- صحيفة أم القرى، ع 71، 2 ذي القعدة 1344ه، 13 مايو 1926م.
- صحيفة أم القرى، ع 90، 25 صفر 1345ه، 2 سبتمبر 1926م.
- صحيفة أم القرى، ع 135، 15 محرم 1346ه، 14 يوليه 1927م.
- فؤاد حمزة - البلاد العربية السعودية - ط2، الرياض: مكتبة النصر الحديثة، 1388ه.
- محمد توفيق صادق - تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية - ط1، الرياض: معهد الإدارة العامة، 1385ه.