يقول تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} سورة العنكبوت (57)، ويقول عزَّ وجلَّ: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ويقول سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}. فهذه الآيات وغيرها من نصوص الكتاب والسنة، تجعلنا نزداد إيماناً، ورضا، واستسلاماً ويقيناً بقضاء الله وقدره، فمهما عاش الإنسان ومدّ في عمره، ومهما بلغت مكانته وحب الناس له، وحاجتهم إليه، فإنَّ الموت لن يتركه، ولن يتخلى عنه، هذه حقيقة ثابتة، وقضية مسلمة فليس للعبد إلا الصبر والاحتساب، وفعل ما يرضي خالقه ومولاه عزَّ وجلَّ، يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، نقص الأنفس: كموت الأصحاب والأقارب والأحباب. ووفاة ولي أمرنا، خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- مصاب جلل، وكارثة عظيمة، وحادثة أليمة، ولكن الموت أمر لابد منه، ولا نقول إلا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها. وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد إننا في هذه البلاد، بفضل الله عزَّ وجلَّ، ثم بفضل ولاة أمرنا، ومن بينهم، فقيدنا -رحمه الله رحمة واسعة- ننعم بنعم لا تعدّ ولا تحصى، ونتمتع بخيرات لا تحدّ ولا تستقصى، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو خبيث حاقد، فهذا التوحيد الخالص لله عزَّ وجلَّ، وهذه العقيدة السليمة - والذي نفس بيده لنعمة، خلو البلاد من مظاهر الشرك، فلا مزارات ولا أضرحة هي نعمة، تمسكنا بكتاب ربنا وعملنا بسُنَّة نبينا نعمة، سلامة مجتمعنا من البدع، وطهارته من المحدثات نعمة، قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيننا نعمة، تستر نسائنا في أسواقنا وفي شوارعنا - والله- نعمة، ارتفاع الأذان وإقامة الصلوات في أوقاتها في بيوت الله في كل حي وشارع نعمة، اختفاء المنكرات وتستر العصاة في مجتمعاتنا نعمة، إقامة الحدود وتحكيم شرع الله نعمة، تحفيظ كتاب الله وطباعته وتوزيعه نعمة، إقامة الدروس وتنظيم المحاضرات وانتشار الدعاة في كل مدينة وقرية نعمة، وجود العلماء والعمل بفتاواهم -والذي لا إله غيره- نعمة. نعم كثيرة -والله- لا تحصى، والذي يخرج من هذه البلاد إلى البلاد الأخرى، يلمس ويحس بهذه وبغيرها من النعم، ويدرك فضل هذه الحكومة الرشيدة، وجهود رجالها المخلصين منذ توحيد المملكة، وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن شاء الله تعالى. ولخادم الحرمين الشريفين، الملك فهد -رحمه الله- دور عظيم بما ننعم فيه في هذه البلاد، فقد أفنى من عمره قرابة الأربع والعشرين سنة يعمل ليلاً ونهاراً، منذ تسلّم مقاليد الحكم من الملك خالد وحتى سلم نفسه لبارئها واستلم الحكم من بعده ولي عهده خادم الحرمين الشريفين عبدالله، والذي أثلج صدورنا، وأبهج نفوسنا، وعزانا بفقيدنا عندما قال: أعاهد الله، ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً، والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل، وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينصر به دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعله مصدر خير للبلاد والعباد، وأن يعينه ويسدده، وأن يجعل عهده عهد رخاء وأمن واطمئنان وأن يوفقه لهداه ويجعل عمله برضاه إنه سميع مجيب. ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتغمد أبا فيصل في رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يعلي درجته وأن يجعل عهده في موازين حسناته، ووفاته خسارة عظيمة ولكن قضاء الله لا رادّ له.