أبدأ بخير الكلام، وخير الكلام، كلام الله.. أبدأ بذكر الله {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} يقول الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (سورة الحج - آية 2). وزلزلة الساعة هذه نذير من الله تعالى لعباده بتقواه، مخبراً لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلازلها وأحوالها.. وهذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا وأول أحوال الساعة. كما يذكرنا تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ. قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} (سورة النازعات - آية 6 - 8). كما جاء في قول رب العالمين: {... يَوْمَ التَّنَادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} (سورة غافر - آية 32- 33). إن ما استُشهد به من آيات الذكر الحكيم، هدفه أن أوقظ نفسي وكل مَنْ يقرأ حديثي هذا، حتى نفيق جميعا من سباتنا، ونتذكر ما سيكون عليه الحال يوم الآزفة، حيث {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجر} {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. إنّ ما حدث مؤخراً في دول شرق آسيا، لهو عبرة لمن يعتبر، فقد بلغت قوة زلزال (تسونامي) Tsunami أكثر من 9 ريختر، وحيث يقاس قوة الزلزال بما يُعرف بالعزم الزلزالي وحيث يتم ذلك في قياس الزلازل الكبرى، بدقة أكثر من قياسها بمقياس ريختر. وعلى مدى السنين من 1922م حتى 1993م بلغ العزم الزلزالي الذي ضرب الدول الآتية كما يلي: 1952م شبه جزيرة كامشانكا في روسيا 9.00 1964م جزر ألاسكا 9.2 1960م جنوبتشيلي 9.5 ومن حيث تعدد الظواهر البيئية ذات الآثار المدمرة، وفق ما يصاحب حدوثها من كوارث طبيعية، فإنه يتعين علينا ان نتعرف من ناحية الثقافة البيئية على الزلازل.. والبراكين.. والصواعق.. والرعد والبرق.. ومطر السوء.. والنيازك.. وثقب الأوزون.. وغير هذا من الظواهر الطبيعية، والتي تكاثر حدوثها في السنوات الأخيرة، والتي علينا أن ندرك مظاهرها وعواقبها، عسى الله أن يرحمنا وحتى لا نكون من الخاسرين.. فإن الله تعالى يقول في محكم تنزيله: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} سورة الإسراء - 59). نسأل الله تعالى أن يرفع مقته وغضبه عنا. إنّ الزلازل من الناحية الجيوفيزيائية Geophysics أي من حيث فيزياء الأرض وطبيعتها، تتمثل في اهتزاز الأرض بسبب انكسار وزحزحة مفاجئة لقطاعات عريضة من قشرة الأرض الصخرية الخارجية. وهي من أعظم الأحداث ذات القوة الهائلة التي يحدث عنها اضرار بليغة للأرض، ولها نتائج مرعبة.. فقد يُطلق زلزال عنيف كما حدث في سومطرة في اندونيسيا، والذي يُعد من أخطر الكوارث البيئية على مدى الخمسين عاما الماضية، حيث عظمت خسائر أمواج المد البحري في الدول التي عانت من تداعيات الكارثة: إندونيسيا.. تايلند.. سيرلانكا.. الهند.. وغيرها من الدول التي تقع سواحلها على المحيط الهندي. والخسائر البشرية أكثر من 170 ألفا في عداد الأموات ولم يتم حصر المفقودين حتى الآن. وفي إندويسيا حيث جزيرة سومطرة تقع ضمن أراضيها، بلغ المفقودون حتى الآن 107 آلاف نسمة، كما بلغت الخسائر المادية أكثر من 15 مليار دولار. وما تم في هذا الزلزال المدمر من كميات من الطاقة، تعادل مائة ألف مرة، قدر ما أطلقته القنبلة الذرية الأولى والتي أطلقت في أعقاب الحرب العالمية الثانية على نجازاكي في اليابان. وقد تؤدي حركات الصخور أثناء الزلازل إلى تغيير مجرى الأنهار، كما يمكن أن يؤدي الزلزال إلى حدوث انزلاقات أرضية، تؤدي بدورها إلى دمار كبير وفقدان أرواح. وتُسبب الزلازل الكبيرة التي تقع تحت مياه المحيطات - وفق ما حدث مؤخراً في زلزال (تسونامي) - إلى نشوء سلاسل من أمواج بحرية مدمرة تسمى الأمواج السنامية تغرق السواحل وتدمر المنشآت والمنازل وتكتسح العديد من البشر. وتسونامي.. كلمة يابانية.. مكونة من مقطعين.. يعنيان ميناء وموجة. ولقد أصبحت الكلمة شائعة وتتردد بقلق في شتى بقاع العالم بعد الحجم النهائي للخسائر البشرية والمادية والاقتصادية، مع استمرار أعمال الإغاثة والبحث عن جثث الضحايا حتى الآن, وحيث مضى حتى الآن حوالي ثلاث أسابيع على هذه الكارثة ذات الآثار المدمرة. هذا، ولنعلم أن الزلازل لا تقتل الناس مباشرة، بل ان كثيرا من الوفيات والاصابات أثناء الزلازل، تنتج عن سقوط الأجسام، وعن انهيارات المباني والجسور والمنشآت الصناعية والاقتصادية. بل ان اشتعال الحرائق وانتشار النيران، يكون من جراء تحطم خطوط الغاز أو الكهرباء، وفي هذا ما يكون خطرا داهما على السكان والمنازل والمؤسسات. كما يُعتبر تأثير المواد الكيميائية والذي قد يحدث من جراء تسربها او انتشارها أمراً بالغ الخطورة. ويتدارك المهندسون والقائمون على تخطيط الأراضي في معظم الأماكن التي تتعرض لمخاطر الزلازل، إلى تصميم مشروعات إسكان جديدة وإعمار تتحمل مخاطر الزلازل، مثل إقامة الجسور والسدود، بهدف تقليل التدمير للممتلكات والإصابات وفقدان الأرواح عند وقوع الزلازل. وعادة تتوقف قوة الزلازل على مقدار تكسر الصخور وعلى زحزحتها، وبمقدور الزلازل القوية هز الأرض الصلبة بعنف إلى مسافات شاسعة. والزلازل الصغيرة يكون اهتزاز الأرض الناجم عنها لا يتعدى الاهتزاز الذي يُسببه مرور شاحنة كبيرة ذات حمولة كبيرة. ومن رحمة الله بعباده، ان الزلزال القوي يحدث مرة واحدة كل سنتين ويقع على الأقل كل عام حوالي أربعين زلزالاً متوسط القوة، يحدث دمارا في أماكن متفرقة من العالم. كما يقع كل عام نحو أربعين إلى خمسين ألف زلزال صغير، يمكن الاحساس بحدوثها دون أن تؤدي إلى دمار. وللحديث بقية عن: كيفية بدء الزلزال.. تقليل حجم دمار الزلزال.. دراسة الزلزال.. التنبؤ بوقوع الزلزال.. مدى الآثار على منطقتنا العربية بزلزال (تسونامي). نسأل الله أن يجنبنا المكاره، ويرفع عنا ما نعانيه من كوارث ومهلكات، انه سميع مجيب الدعوات. (*) أستاذ علم النفس - مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية