لا يخلو الإنسان في حياته الدنيا من التعرض لأنواع من المصائب والأمراض التي تدفعه إلى تطلب علاجها وتلمس دوائها وما يدفعها ويقيه منها بإذن الله تعالى. والأمراض منها ما يصيب الأجساد ومنها ما يصيب النفوس والأرواح ولكل منهما علاجه المناسب له. ولئن كان الطب الحديث قد قطع شوطاً كبيراً في اكتشاف كثير من علل الأجساد وأدوائها وطرق علاجها فإنه لم يستطع بلوغ ذلك فيما يتعلق بأمراض النفوس والأرواح على ما بذل في ذلك من جهود وحقق فيه من إنجازات غير أنها تحتاج إلى تنقية من بعض الشوائب العالقة بها بتأثير الثقافات والديانات والعادات. وإن من نعم الله علينا معشر المسلمين أن جعلنا من هذه الأمة المباركة التي اختصها الله بهذا القرآن العظيم الذي اشتمل على ما فيه مصالح العباد في حالهم ومآلهم، فيه الهداية والشفاء التام من كافة الأمراض إذا أحسن الاستشفاء به، قال تعالى: {وّنٍنّزٌَلٍ مٌنّ پًقٍرًآنٌ مّا هٍوّ شٌفّاءِ وّرّحًمّةِ لٌَلًمٍؤًمٌنٌينّ}، وقال تعالى: {قٍلً هٍوّ لٌلَّذٌينّ آمّنٍوا هٍدْى وّشٌفّاءِ}. والتداوي بالقرآن لا يتنافى مع التداوي بالأسباب المشروعة الأخرى في الطب البشري أو النفسي ما دامت ملتزمة بما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام». ومن أنفع سبل الاستشفاء بالقرآن الرقية الشرعية التي أرشد إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ورخض بها بقوله: «اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً»، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رقى ورقي، وقال للذي رقى اللديغ بالفاتحة وأخذ عليها جعلاً «كلوا واضربوا لي معكم فيها بسهم»، والرقية الشرعية لها أهمية بالغة في رفع البلاء ودفعه بإذن الله، ومن مزاياها أنها تقوي صلة الإنسان بخالقه وتشعره بفقره إليه وتقوي فيه جانب التوكل، كما أنه لا يوجد فيها أعراض جانبية غير مرغوبة كما في غيرها من الطرق العلاجية الأخرى. ومع ضعف الوازع الديني وقلة العلم الشرعي لدى بعض الناس وانتشار بعض الأمراض التي استعصت على الطب ووجود بعض جوانب القصور في بعض الخدمات العلاجية المقدمة للمرضى ازدادت حاجة الناس اليوم الى الرقية الشرعية من الغير فارتفع عدد الرقاة ونفع الله بكثير منهم غير أنه انتسب اليهم من ليس منهم ولا من أهل الرقية وادعاها بعض المشعوذين والسحرة استغلالا لحاجة الناس وجهلهم بشروطها ومقوماتها وما يكون منها شرعيا وما يكون شركياً، ودخلت فئة أخرى هذا المجال بحسن نية غير أنها لا تملك من العلم الشرعي ما يؤهلها لذلك، وبعضهم صغار سن لا تؤمن عليهم الفتنة، وقد استحدث بعض هؤلاء طرائق في العلاج غريبة وفتحوا باب الرقية الجماعية التي أصابت كثيراً من الناس بالأوهام والوساوس، مما يؤكد أهمية المبادرة بإعداد تنظيم للرقية الشرعية ووضع الضوابط والشروط لمزاولتها حتى لا يساء إليها ولا إلى أهلها الثقات، بل حتى لا يتخذ القرآن مهجوراً أو هزواً. إن من النصح للأمة والرحمة بالمرضى ما يؤكد انه من الأهمية بمكان المسارعة الى عقد اجتماعات دورية تجمع ذوي الخبرة والدراية من الرقاة الثقاة المؤهلين شرعياً ومن الأطباد النفسيين وغيرهم المدركين لأهمية الرقية، من أجل تبادل الخبرات العلاجية ووجهات النظر بما يعود على المرضى بالنفع، ولتمييز الأمراض النفسية من السحرية والمسية والحسدية (من المس والحسد) ومعرفة أفضل السبل الناجحة في التعامل مع الشكايات على اختلافها ومع المرضى على تنوعهم واستفادة كل فريق مما لدى الآخر بما يجعل عمل الفريقين عملا متكاملاً متآزراً لا متنافراً متضاداً. إن الأعمال النافعة قد تنقلب الى ضدها وتعطي نتائج عكسية غير مرضية ولا مرغوبة إذا ما تسللت إليها يد العبث والاستغلال أو امتدت الى حماها أعناق الجهلة وذوي الخرافات والأهواء، والرقية ليست استثناء من ذلك، ولهذا وجبت حمايتها وتنقيتها من الدخلاء والحرص عليها والأخذ بها إلى ما يلق بها ويجعلها نافعة بإذن الله. ونقطة الارتكاز هي توعية الإنسان نفسه حتى يميز بين الغث والسمين.