أمير منطقة الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة 68 من طلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية    نائب أمير الشرقية يلتقي أهالي الأحساء ويؤكد اهتمام القيادة بتطور الإنسان السعودي    محافظ قلوة يدشن أعمال ملتقى تمكين الشباب بالمحافظة.    أمانة جدة تعزز الغطاء النباتي بالشتلات والأشجار    تغيير في خيارات الحظر ب«إكس»    بدء تنفيذ 12 مشروعًا مائيًا وبيئيًا بقيمة 1.5 مليار ريال بالمنطقة الشرقية    عدوان الاحتلال.. قتل وتدمير في غزة ورفح    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في البرازيل إلى 95 قتيلاً    في إياب نصف نهائي يوروبا ليغ.. ليفركوزن لحسم التأهل أمام روما.. وتجدد الصراع بين أتالانتا ومرسيليا    91 نقطة أعلى رصيد (نقطي) في تاريخ الكرة السعودية.. رقم الحزم التاريخي.. هل يصمد أمام الزعيم؟    الاتحاد يواجه الهلال على ذهب نخبة الطائرة    البلوي يخطف ذهبية العالم البارالمبية    مدرب أتالانتا: مباراة مارسيليا الأهم في مسيرتي    نائب أمير منطقة مكة يكرم الفائزين في مبادرة " منافس    ختام منافسة فورمولا وان بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي    كشافة شباب مكة يطمئنون على المهندس أبا    العمودي والجنيد يحتفلون بناصر    أسرة آل طالع تحتفل بزواج أنس    هيئة التراث توقّع اتفاقية تعاون مع جامعة يورك البريطانية    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    طريقة عمل كفتة الدجاج    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    تغيير الإجازة الأسبوعية للصالح العام !    مسؤول مصري ل«عكاظ»: مفاوضات القاهرة مستمرة رغم التصعيد الإسرائيلي في رفح    حماس.. إلا الحماقة أعيت من يداويها    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من اليوم وحتى الإثنين.. والدفاع المدني يحذّر    أعطيك السي في ؟!    سمير عثمان لا عليك منهم    الذهب من منظور المدارس الاقتصادية !    «إيكونوميكس»: 5.5% نمو اقتصاد السعودية «غير النفطي»    الأخدود لخدمة نفسه والهلال    ميزانية إنفاق توسعي رغم العجز    35 موهبة سعودية تتأهب للمنافسة على "آيسف 2024"    «المؤتمر الدولي للقادة الدينيين» يستهل أعماله بوقفة تضامنية مع شهداء غزَّة    "الداخلية" تنفذ مبادرة طريق مكة ب 7 دول    وزير الشؤون الإسلامية يدشّن مشاريع ب 212 مليون ريال في جازان    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس مجلس إدارة شركة العثيم    لبنان: العين على «جلسة المليار اليورو»    وغاب البدر    طلاب «مصنع الكوميديا» يبدؤون المرحلة التعليمية    «حِمى» أصداء في سماء المملكة    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    إحباط مخطط روسي لاغتيال زيلينسكي    «إثراء» يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عاماً عبر «متحف حكاية المهرجان»    «أسترازينيكا» تسحب لقاح كورونا لقلة الطلب    احذروا الاحتراق الوظيفي!    سعود بن مشعل يكرم متميزي مبادرة منافس    ساعة HUAWEI WATCH FIT 3 أصبحت متوفّرة الآن للطلب المسبق    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الملك سعود تحتفل بمرور 66 عاماً على تأسيسها    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    انتهاك الإنسانية    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترجمة الثقافة العربية.. وتساؤلات تظل مفتوحة للنقاش
نشر في الجزيرة يوم 21 - 04 - 2002

ضمن النشاط الثقافي الذي تقيمه إدارة التحرير للشؤون الثقافية ب«الجزيرة»، عقدت ندوة ثقافية بمبنى المؤسسة تحت عنوان «ترجمة الثقافة العربية» شارك بها كل من:
أ.د. عزت عبدالمجيد خطاب الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود.
د. محمد العبداللطيف وكيل كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود.
د. عبدالعزيز السبيل عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود.
وقام بإدارة الندوة أ.د. سعد البازعي، ويسرنا ان ننشر التفاصيل الكاملة التي دارت بالندوة والتي حفلت بالكثير من النقاط الهامة حول مسألة ترجمة الثقافة العربية.
المشاركون في الندوة:
* أ.د. عزت عبد المجيد خطاب
الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود.
* د. محمد العبداللطيف
وكيل كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود.
* د. عبدالعزيز السبيل.
عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود.
ادار الندوة:
* د. سعد البازعي
د. البازعي:
لقاؤنا اليوم كما تعلمون هو لمناقشة «ترجمة الثقافة العربية» واختيار الموضوع أملته ظروف وتطورات كثيرة نسمع عنها بين الحين والآخر ولكن القضية بحدّ ذاتها وبعيداً عن أي ظروف تظل مهمة للثقافة العربية تماماً كما هي بالنسبة لأية ثقافة تسعى للانتشار، ولعل الذي يتبادر الى ذهن أكثر الناس هو ان نتحدث عن الترجمة الى العربية وليس من العربية، وهذه بحد ذاتها مسألة ينبغي النظر فيها لانها من التوقعات التي تحمل رؤية ثقافية معينة، فإذا قلت الترجمة الآن ذهب أكثر الناس الى ان المقصود هو الترجمة الى العربية وليس من العربية، ولعل في هذا حكماً مسبقاً على ما في الثقافة العربية او ما يمكن أن يترجم منها الى اللغات الأخرى، حتى اننا الآن مثلاً في العالم العربي لدينا مجلات وإن لم تكن كثيرة تترجم من اللغات الأخرى الى العربية وبالذات من اللغة الإنجليزية الى العربية، لكنني لا أعرف مجلة واحدة متخصصة في العالم العربي تنقل للغات الأخرى، حتى انك إذا ذهبت الى الغرب وتجولت في قسم الدوريات في إحدى المكتبات ستجد دوريات غربية معنية بترجمة الثقافة العربية، دوريات لا تترجم الأدب وحده وإنما الثقافة من جوانبها المختلفة ويقوم بها متخصصون غربيون.
أذكر انني مثلاً رأيت مجلة مختصة بمحيي الدين بن عربي فقط وتنقل تراثه الصوفي وتنشر دراسات عنه، وقس على هذا طبعاً مجلة الأدب العربي بهولندا ومجلات كثيرة تنقل الأدب العربي الى لغات أخرى ويضطلع بها غير العرب. فكأنما الحاجة العربية اليوم ليست الى نقل الثقافة العربية الى الخارج بقدر ما هي إلى إثراء الثقافة العربية بما في الثقافات العالمية وهذا لا شك بالنسبة لنا مهم ولسنا في مجال التشكيك في أهميته وإنما نحن ننظر في جانب آخر اعتقد انه مهم ايضا ونحاول ان نتأمل في جوانبه المختلفة.
لقد احضرت معي هنا بعض النماذج من ترجمات من الأدب العربي الى اللغات الأخرى، مختارات من الشعر ومن القصة العربية وأعمال تراثية قديمة وكتاباً في الفلسفة، كلها تشير الى تنوع مجالات الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى. وأود ان سمحتم ان اشير في مفتتح هذا الحديث الى انني اليوم فقط وبالصدفة تلقيت نسخة من العدد الأخير من مجلة «الأدب العالمي المعاصر» الأمريكية. هذا العدد خصص للأدب العربي ومن المبهج ان يصدر هذه الأيام بالذات وفي هذه الظروف التي نعيش.
العدد تتصدره صورة لنجيب محفوظ وهناك مقالات عن الرواية والشعر والأدب بشكل عام، كما أشير ودون أي ادعاء الى ان العدد يتضمن مقالة كتبتها عن الشعر في الجزيرة العربية. وفي تقديري ان هذا لون من الترجمة.
أود ان نبدأ بالحديث عما نقصد بترجمة الثقافة العربية الى اللغات الأخرى. فلعل هذا المفهوم يكون منطلقاً نظرياً لحديثنا، فهل الكتابة عن الثقافة العربية او أي من مجالات الفكر او الثقافة المعاصرة بلغة أخرى تعد نوعاً من ترجمتها، نوعا يضاف الى ما نسميه نقل نصوص من اللغة العربية الى اللغات الأخرى؟ هل الكتابة عن الثقافة العربية نوع من الترجمة؟ فالثقافات تتداخل تلقائياً وربما تنتقل نصوص أو أنماط أو أفكار، فهل هذه تدخل أيضاً ضمن ما نسميه ترجمة ثقافة الى أخرى سواء كانت العربية أو غيرها؟ هذه جوانب نظرية ولعلي أبدأ بالدكتور محمد العبداللطيف، ولا سيما انه متخصص في الترجمة ويعمل في كلية تختص في هذا الجانب من النشاط الثقافي.
د. العبداللطيف:
أشكر د. سعد على هذه المقدمة، ويبدو انه لم يترك شيئاً كثيراً للآخرين حتى يتطرقوا له. استطيع ان اتكلم عن الترجمة بشكل عام ولكنني لا ادعي المعرفة فيما يتعلق بترجمة الأدب العربي الى الثقافات الأخرى ولكن من ضمن التساؤلات الكثيرة التي اثارها د. سعد هو ما يمكن ان يعتبر ترجمة وماذا يمكن ان يطلق عليها عبارة ترجمة من ثقافة الى أخرى. هناك بعض المختصين في مجال دراسات الترجمة الذين يرون ان هناك نوعين أساسيين من الترجمة وهما: الترجمة الواضحة التي تكون ترجمة للعيان على شاكلة ان هذا الكتاب او هذا المؤلف يترجمه فلان وينقله فلان وهناك الترجمة المستترة او ما يسمونها ب«Invisible Translation» مع العذر لاستخدام مصطلح اجنبي وهي الترجمة التي تدخل ضمن اللغة وتدخل بدون ان تسمى ترجمة وتدخل باشكال مختلفة عن طريق الإعلام، عن طريق الاستعارات، عن طريق احيانا ما يسمى بالتناص نتيجة لقراءات متوسعة تؤثر على الشخص ثم تؤثر ايضاً على ادائه وعطائه الفكري في ثقافته. ولكن السؤال الآخر الذي طرحه د. سعد وانا اعتقد انه ايضاً على نفس الدرجة من الأهمية هو هل الكتابة عن ثقافة معينة تعتبر ترجمة؟ في رأيي ان الكتابة عن ثقافة معينة هي تصب في الترجمة ولكن بشكل غير مباشر لاننا عندما نترجم من ثقافة معينة نترجم على خلفية ثقافية أخرى وبناء على فهم معين فكما للاقتصاد بنى تحتية، للثقافة ايضا بنى تحتية.
وعندما نكتب عن ثقافة معينة بشكل متوسع فنحن نؤسس للبنى التحتية الثقافية التي تؤثر في طبيعة النصوص المترجمة لهذه الثقافة وايضا تؤثر على مدى استهواء الثقافة المكتوب عنها لنشاط المترجمين، لانه في تصوري عندما نتكلم عن ثقافة لا نتكلم عن ثقافة فقط ولكن نتكلم عن تصور عام للثقافة، فهناك تصور عام لبعض الثقافات تسعى بعض الثقافات الى ترويجه كما في القول ان الثقافة الانجليزية ثقافة عملية، والثقافة الفرنسية ثقافة رومانتيكية، والثقافة الايطالية ثقافة موسيقية.. الخ.
هذه المسميات تصورات عامة وضعت للثقافات المختلفة ولا شك انها تؤثر على طبيعة الترجمة من ثقافة لأخرى. بالنسبة للترجمة للثقافة العربية الغرب عادة ينظر الى العرب بوصفهم أصحاب شعر وأصحاب خيال لان طريقة تفكيرهم عادة تغلب عليها الخيال والعاطفة ولا تغلب عليها صفة المنطق والصفة العلمية، وهذا بلا شك تعميم خاطئ ويدخل ضمن التصورات او الصور النمطية. يعني مثلما نقول ان هناك تنميطاً لبعض الشخصيات فإن هناك ايضا صوراً نمطية كاملة وجاهزة تطلق على بعض الثقافات وتؤثر على الترجمة بلا شك، وانا لا أود ان أطيل في هذا الموضوع.
د. البازعي:
شكراً ل«د. محمد»، وطريقتنا ان يكون التعليق مفتوحاً على ما قيل بالاضافة الى الاجابة على اسئلة معينة او التعليق على محاور أخرى، د. عزت خطاب عرف بالانجاز على مستوى اللغة الانجليزية تدريساً وترجمة وبحثاً وتلفت نظري كتابته للشعر باللغة الانجليزية، اود ان تعلق على مسألة ترجمة الأدب العربي الى اللغات الأخرى وخاصة انك اشتركت في مشروع من هذا القبيل من ناحية، ومن ناحية أخرى مارست الابداع بلغة أخرى، اتمنى لو انك علقت على هذا الجانب من زاويتين، الزاوية الاكاديمية البحتة والزاوية الابداعية.
د. خطاب:
أولاً اشكر د. البازعي على هذه المقدمة، والواقع انني انظر الى سؤالك فيما يتعلق بالإبداع دون ألا اعتبر ما حاولته من كتابة نصوص ابداعية باللغة الانجليزية شيئاً كبيراً، ولكن قد تكون الاجابة في اني أكثر من مرة سُئلت لماذا لا اترجم تلك النصوص الى اللغة العربية؟!، الواقع سألت نفسي هل استطيع ان أقوم بهذه الترجمة؟ هل استطيع ان انقل ما كنت اشعر به عندما كتبت هذا النص باللغة الانجليزية الى لغة عربية تؤدي نفس المعاني والايحاءات؟ لم احاول القيام بهذه التجربة، ولكنني اعتقد جازماً انني لو حاولت ان اترجم هذا النص ستكون الترجمة شيئاً آخر، سيكون نصاً آخر تماماً، أولاً: لا اجيد الكتابة الشعرية باللغة العربية وكنت اتمنى لو كنت استطيع ذلك حتى اترجم بلغة شعرية او اترجم ما كتبته شعراً ولذلك لم أحاول، وكنت اتخوف من هذه المحاولة، هذا سيطرح سؤال: هل من الممكن ان نترجم هذه النصوص الشعرية الى لغة أخرى؟ لا اريد ان اطيل فيما يتعلق باللغة الشعرية وقضية الشعر وقضية اللغة الشعرية وما فيها من تفرد وتميز، هذه قضايا معروفة فكيف نستطيع ان نترجم هذه اللغة المتفردة المتميزة الى لغة أخرى؟ يجب ان يكون على الأقل هناك تفرد وتميز في النص الجديد حتى يمكن ان يكون هناك نوع من المساواة في المستوى اللغوي والمستوى المعنوي.
فانا مقتنع وقد يتفق معي الناس وقد يختلفون، انه لا يستطيع ان يترجم الشعر إلا شاعر، وكلنا مرت عليه نصوص مترجمة شعراً. فأنا اعتقد أننا في نهاية المطاف نتحدث عن هذا الموضوع بشكل مسهب، أي عن الامكانية وعدم الامكانية، لكني اعتقد ان الشاعر الذي يجيد اللغتين سواء كتب بلغة عربية او كتب بلغة انجليزية، فإنه فقط الذي يستطيع ان يتمثل النص الأصلي ويستطيع ان يبدع نصاً باللغة الأخرى، نصاً لا يقل عن هذا النص الأصلي من ناحية التفرد والتميز ومن ناحية التأثير ومن ناحية الايقاع، ولذلك هناك امثلة كثيرة، مثلاً ترجمة نازك الملائكة لقصيدة توماس جري، وترجمة علي محمود طه لقصيدة «القبرة» لشيلي وايضا عندنا مثل آخر يمكن ان اشير اليه وهي ترجمة د. محمد عناني النثرية للكتب الستة الأولى من ملحمة «الفردوس المفقود» ل«ميلتون»، كنت اتمنى لو كان د. محمد عناني انجز هذه الترجمة شعراً، طبعاً هو ليس بشاعر ولا يدعي ذلك، ولذلك اعتقد أن ترجمة النص الشعري هي في حد ذاتها قضية كبيرة جداً تحتاج إلى نقاش. وفي المشروع الذي تحدثت عنه الذي هو ترجمة الأدب في الجزيرة العربية الذي قامت به جامعة الملك سعود، هناك ترجمات لنصوص شعرية ونصوص نثرية من قصة ورواية وشعر طبعاً معظم المختارات من اللغة الشعرية قام بترجمة هذه النصوص، الواقع ان الترجمة مرت بمرحلتين، الترجمة الأولى: ترجمة ليست شعرية، ترجمة قام بها مترجم عربي ترجم المعاني ثم أتى شاعر أمريكي أو انجليزي وصاغ هذه المعاني شعراً، أذكر من الشعراء الذين اشتركوا في هذه الترجمة جون هيث ستبز الشاعر المعاصر المعروف، ولو كان لدينا النص الأصلي ثم النص المترجم لامكننا ان نحكم على مقدار ما قام به هذا الشاعر من صياغة لهذا النص، ولكن أستطيع أن أقول ان النصوص الشعرية التي ترجمها الشعراء الذين لغتهم الأصلية اللغة الانجليزية اقرب لروح النص الاصلي منها إلى الترجمات التي صاغها غير الشعراء هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أريد أن أشير فقط إلى ما تحدث حوله د. سعد و هو أنه ليس لدينا علم عن أي مشروع ترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية في العالم العربي، فقد علمت مؤخراً أن في مصر تصدر مجلة يشرف عليها د. محمد عناني تترجم من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، وأيضاً علمت مؤخراً أن في سوريا مجلة تترجم إلى اللغة الانجليزية، لم أر أياً من المجلتين بعد ولا أعرف ماذا تسميان وانما هناك مشكلة عدم الاتصال بين الدول العربية في هذا الشأن وربما تستغربون لو قلت لكم ان قضية التنسيق في الترجمة في العالم العربي قضية قديمة وأذكر انه في عام 1392ه عقد أول مؤتمر للترجمة في العالم العربي في الكويت وكنت اشتركت في الوفد الذي مثل المملكة العربية السعودية في ذلك المؤتمر وتوصياته كثيرة.
فالحديث عن الترجمة حديث ذو شجون، لكن باختصار بسيط انه عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل قيل في ذلك الوقت انه لو كانت هناك نصوص أدبية عربية مترجمة متوفرة لكان في الامكان أن يفوز بهذه الجائزة ربما قبل نجيب محفوظ، طه حسين مثلاً وأناس آخرون، ولكن لعدم وجود ترجمات متوفرة من الأدب العربي والثقافة العربية تأخر الأدب العربي في الحصول على هذه الجائزة.
د. البازعي:
أود أن أنتقل إلى حالات عينية أو الى نماذج، د. عبد العزيز أنت تشرف على مجلة للترجمة هي مجلة «نوافذ» التي تترجم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية لكن هذا ليس بعيداً عن الموضوع لاننا في الأساس نتحدث عن النقل الثقافي أو الانتقال من ثقافة إلى أخرى فحصاد هذه التجربة في الترجمة هل يمكن لك أن تقرأه في سياق الواقع الثقافي العربي أو واقع المحاولات لنقل الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى من هذه الزاوية ومن زاوية اشتغالك على مشاريع أخرى أعرف أنك تشرف عليها في الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.
د. السبيل:
أشكر د. سعد، ودعني أطرح سؤالاً، أحسبه مهماً في البدء: هذه الترجمة مسؤولية من ؟! الحقيقة لدينا ثقافة ولنتكلم عن ثقافتنا العربية، هل يا ترى نحن كعرب نتحمل مسؤولية ترجمة هذه الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى أو الى الثقافات الأخرى؟ أم أن مثل هذه المسألة هي متروكة للثقافات الأخرى على اعتبار أنها تعرف ما تحتاج أو تريد منها، فهي التي تترجم؟
أعتقد أن هذا مفصل مهم ونحن نتحدث عن قضية ترجمة الثقافة العربية إلى الثقافات الأخرى، فأنا وجهة نظري قد لا تكون صارمة لكن أشعر أن من مهمتنا هو التعريف بثقافتنا قدر الإمكان بشكل أو بآخر إنما تحديد ماذا يترجم فأعتقد في كثير من الأحيان أننا نفشل لأننا نترجم وهذه حقيقة حصلت لكثير من الزملاء يترجمون بعض الأعمال التي لا تلقى قبولاً أو رواجاً في بعض الثقافات الأخرى، ولذلك من المهم جداً فيمن يترجم أن يكون فعلاً على وعي كبير بالثقافة الأخرى ليترجم منها وليس بالضرورة أن ما يكون رائعاً في الثقافة العربية يكون رائعاً أيضاً حينما يترجم الى الثقافات الأخرى، واذا أردنا أن نأخذ مثالاً بسيطاً جداً «ألف ليلة وليلة» التي ظلت عملاً منسياً في ثقافتنا العربية ولكن بكل أسف حينما ترجمت إلى الثقافات الأخرى نجد أنها استقبلت استقبالاً كبيراً ونجد أن الاحتفاء بألف ليلة وليلة في واقع الأمر كبير في الثقافات الأخرى أكثر من الاحتفاء بهذا العمل الكبير داخل الوطن العربي، طبعاً باستثناء السنوات الأخيرة حينما اصبح هناك التفات الى هذا الجانب، ولذا حينما ننظر إلى ثقافتنا العربية نجد انه في القرون السابقة كانت هناك جهود أوروبية كثيرة لترجمة كثير من الأعمال الكلاسيكية العربية سواء كانت المعلقات أو الشعر العباسي أو الشعر الأموي تُرجم كم كبير من ذلك الشعر على أساس انها محاولة استكشاف فعلي لهذه الثقافة العربية، وظلت هذه الترجمات بما فيها ترجمات معاني القرآن الكريم وكثير من الأعمال الابداعية الكبرى منهم الذين ترجموا ولم تكن هناك أي جهود ترجمية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى. فأعتقد أن هذه مسألة مهمة جداً.
الجانب الآخر هو من يعرف الثقافة العربية؟ اشكاليتنا هي دائماً ان الأضعف والأقل الخ يُنظر اليه ضمن اطار الثقافات العالمية على أنه ليس لديهم ما يستحق، ولذلك الوضع السياسي الاقتصادي، الخ في العالم العربي بكل أسف لا يشجع كثيراً الترجمات التي توجه الى العامة، ونحن لا نتكلم عن المجال الأكاديمي فهناك أكاديميون يهتمون ويطلعون الخ.
ولكن حينما تريد أن تنقل هذه الترجمات إلى جمهور القراء لثقافات أخرى، هنا تبدأ اشكالية هذه المسألة.
د. العبد اللطيف:
الحقيقة أن د. عبد العزيز تطرق إلى موضوع في غاية الأهمية، ولي رأي شخصي في ذلك الموضوع وأرجو ألا يؤخذ على أني مغال بعض الشيء في هذا الرأي، في رأيي أن الثقافة العربية عندما انفصلت عن جذورها الشرقية وتوجهت غرباً خسرت أشياء كثيرة وأول هذه الخسارة هي خسارة على مستوى أصالة هذه الثقافة، نحن كعرب جذورنا وفي تاريخنا الحضاري مرتبط بثقافات آسيا الوسطى، بالثقافة الفارسية بالتحديد ولها دور كبير في الثقافة العربية، وأيضاً بالثقافة التركية، وعندما كنا نشكّل محيطاً وهامشاً ثقافياً واحداً وكنا ثقافة قوية فعلاً وتبدو للآخرين كثقافة قوية فعلاً ولكن بعد مرور فترة الركود المعروفة التي هي فترة الحكم العثماني ثم فترة الاستقلال التي جاءت مفاجأة لأن العرب في ذلك الوقت كانوا يعتبرون أنفسهم أتراكاً عثمانيين، تخلص العرب وبعض الشعوب الإسلامية الأخرى من حكم العثمانيين ليجدوا أنفسهم أمام هوية جديدة، ووجدوا أنفسهم أمام العالم الغربي فانبهروا بالثقافة الغربية وتوجهوا غرباً وبدأنا نترك انماطنا الثقافية الأصيلة ونحاول أن نحاكي الغرب في انماطه الغربية، الغرب لا يريد أن يستورد انماطاً موجودة لديه ولا يريد أن يستوردها مقلدة من الخارج.
طبعاً أنا لا أتكلم حول التيارات المعروفة: الحداثة وما بعد الحداثة أو الشعر المنثور والشعر الحر الخ. ولكني أتكلم عن أشياء حاصلة لأن شواهد حضارية نراها تقريباً قيد الإهمال ولم تجد التطوير والابداع من ضمن الأطر الثقافية الموجودة، فلذلك نحن لانبدو كثقافة جذابة بالنسبة للغرب في الوقت الحالي اذا كان هذا هو المقصود من كلام د. عبد العزيز، فالغرب لا يشعر ان لدينا ما يستحق الترجمة طالما ان ما نقدمه للغرب هو أساسا ً ما أتينا به من الغرب، وهذا يذكرني بأحد الفنانين من مصر، فنان معروف ذهب ليقابل بيكاسو، فقال له: ماذا أتى بك إلى هنا، أي إلى اسبانيا؟! قال: أتيت لأتعلم الفن في مهد الفن!! فقال له: نحن الفنانين الأوربيين نذهب إلى مصر لنتعلم الفن؟ فما الذي تريد تعلمه في اسبانيا؟ ولذلك الغرب حتى فيما يتعلق بالثقافات الأخرى استطاع أن يستلهم هذه الثقافات ويعيد تصديرها لنفس الشعوب مثلما تكون هذه الشعوب تصدر مواد أولية وتستقبل مواد مصنعة هي أيضاً تصدر خامات أولية ذات قيمة أدبية وفنية عالية تصدرها للغرب وتعيد استيرادها، لذلك أنت دائماً تكون في موقف المترجم اليه وليس المترجم منه، هذا مجرد تعليق بسيط على كلام د. عبد العزيز.
د. خطاب:
النقطة هذه مهمة، ففي حديث مع الزميل د. خالد البدلي حول قضية مماثلة قال لي شيئاً غريباً لم أسمعه من قبل: نحن نعلم أن كثيراً من التراث العربي فُقد أيام حملات التتار التي جاءت بغداد، لكن د. أحمد وهو عالم متخصص في اللغة الفارسية، يقول ان كثيراً من هذه النصوص موجودة ولكن باللغة الفارسية، يعني النصوص التي فقدت اصولها العربية عندما جاءت حملات التتار الى بغداد وكما قيل فإن نهر دجلة كان ازرق من هذا الفعل، ان كون كثير من هذه النصوص موجوداً باللغة الفارسية يؤكد الحاجة الى استعادة هذه النصوص وترجمتها مرة أخرى الى اللغة العربية.
انها مفقودة صحيح كنصوص عربية، الواقع ان كلام د. العبداللطيف صحيح فعلاً فنحن نعطيهم المواد الخادم ويصدرونها مرة أخرى. وهذا ينطبق على ألف ليلة وليلة وايضا على رباعيات الخيام، الشاعر الذي عاش في القرن التاسع عشر لم يكن شاعراً في اللغة الانجليزية مشهوراً ولكن عندما ترجم رباعيات الخيام شعراً عُرف فقط بتلك الترجمة أماكونه شاعراً فلم يكن ذا اهمية كبيرة ويمكن أن أضيف هنا شيئاً ففيتز جيرالد يرى انه استولى على هذا النص البربري وصاغه صياغة جديدة بحيث انه اصبح بهذا الشكل الجذاب الشعري، وهنا ندخل في قضية ان الترجمة استيلاء على الثقافة، أي بمعنى اخذ الثقافة واعادة صياغتها.
د. البازعي:
في الواقع ان هذه الملاحظات ثرية جداً، واود التوقف عند النقطة التي ذكرها د. عزت خطاب، مسألة وجود التراث العربي بلغات أخرى، هنا نكتشف أهمية الترجمة فعلاً من اللغة العربية الى اللغات الأخرى في حفظ التراث على الأقل، يشبه هذا ما حفظ من الفلسفة العربية الإسلامية بالعبرية، المختصون في الفلسفة العربية الإسلامية مثل فلسفة ابن رشد وابن سينا وجدوا كثيراً من النصوص وخاصة نصوص ابن رشد بالعبرية واستعيدت مؤخراً من العبرية الى العربية وفي بعض الحالات كان النص العبري رافداً للنص العربي الموجود من حيث هو وثيقة أخرى او مخطوطة أخرى. احد الامثلة على هذا ترجمة كتاب «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» لابن رشد، هذا الكتاب ترجمة جورج حوراني ضمن ترجمات أخرى للكتاب لكنه يقول في المقدمة انه استعان بالنص العبري لهذا الكتاب ، فالمعروف ان احبار اليهود مثل ابن ميمون وبن جبيرول الذين عاشوا في الاندلس كانوا تلامذة للتراث الإسلامي الى حدّ كبير وترجموه للاستفادة مثلما نحن نترجم الآن فوكو أوديريدا. كانوا يترجمون الثقافة العربية للاستضاءة بها وليس لخدمتها او حفظها بل انهم كتبوا بالعربية، فالمعروف ان ابن ميمون الف بالعربية كتابه «دليل الحائرين» الكتاب المشهور، وهذا كله يؤكد أهمية الترجمة وطبعاً السؤال يظل متصلاً بما ذكره الدكتور السبيل حول المسؤولية عن الترجمة. هنا هي مسؤولية الآخر، الثقافة الأخرى التي قامت بحفظ التراث، ولكن في اعتقادي ان الموقع الثقافي العربي اليوم موقع يجعل من الصعب علينا ان نتجاهل دورنا نحن ولنتذكر ان واقعنا هو ما تعيشه ثقافات أخرى أحسن حظاً منا في جوانب أخرى، الايطاليون مثلاً يشتكون من هيمنة ما يترجم من الانجليزية اليهم بينما ما يترجم من الايطالية الى اللغة الانجليزية قليل جداً بالقياس الى ما يترجم من اللغة الأخرى، وهذا واقع على اللغة الفرنسية على الرغم من هيمنتها وانتشارها. فاللغة الفرنسية ايضاً تعاني من هذه السطوة الانجلو ساكسونية وقس على هذا بقية الثقافات الأوروبية الأصغر والأقل حظاً من الانتشار فما الذي يفعله أهل هذه الثقافات؟! ينتظرون حتى يبدعوا ما يستأهل ان يترجم الى لغات أخرى أم انهم فعلاً ينبغي ان يضطلعوا هم على الأقل بالجزء الأكبر من العملية.
ان ما تقوم به سلمى الجيوسي مثلاً في مشروعها الضخم لترجمة الأدب العربي مثال حي لم يمكن ان نفعله كعرب.
لقد ذكر د. عزت خطاب ان الترجمة من اللغة العربية في مثل هذا المشروع مرت بمرحلتين: مرحلة المترجم العربي، ثم الصائغ الاجنبي الذي يصوغها بلغة شعرية، هذه المسألة اشم فيها رائحة ايديولوجية بمعنى ان هناك موقعاً ثانوياً يحتله العربي بشعوره انه لا يستطيع ان يرقى الى مستوى الإبداع بلغات أخرى.
لا اعتقد ان هناك مؤسسة اجنبية تترجم شعراً أجنبياً إلى العربية ثم تأتي لشاعر عربي وتطلب منه صياغة شعرية لنص ما، هل المقابل موجود؟! لا أظنه موجوداً، اعتقد اننا نحن الذين نحتاج الى شاعرية هذا الأمريكي او البريطاني ليضفيها، وسأضرب لكم مثالاً من نص ترجمته الجيوسي لمحمود درويش قصيدة عنوانها «يطير الحمام» ترجمت الى اللغة الانجليزية أولاً بالطريقة التي ذكرها د. عزت ثم صاغها احدهم صياغة شعرية كما يقول، ترجمتها لينا الجيوسي التي هي ابنة د. سلمى ثم صاغها و.س. ميروين وهو شاعر امريكي مشهور، من أهم معالم هذه القصيدة، ولا أود أن أطيل ، وأنا الذي من المفترض فيّ ان اعطيكم الفرصة أكثر، هو توظيف مفهوم الطيران طيران الحمام ثم هبوطه فهي في القصيدة تتكرر ثم يشير الى انه يهبط طبعاً، لكن الذي حصل في الترجمة هو إغفال التغير الذي طرأ في نهاية القصيدة.
أود هنا أن نركز على الموقف الثقافي الذي يجعلنا ممثلين ب«د. سلمى» نشعر اننا لا نستطيع ان نبدع فعلاً حتى لو كنا شعراء ان نبدع بلغة أخرى ما يستحق ان يكتب بهذه اللغة، وانا كنت في البداية تحدثت عما كتبه د. عزت من شعر باللغة الانجليزية وهناك نماذج اخرى مثل جبرا ابراهيم جبرا كتب روايات انجليزية وجبران خليل جبران وهناك عرب يكتبون بلغات مختلفة ولكن هذا موضوع آخر سنعود اليه، د. عبدالعزيز لديه تعليق حول هذا الموضوع.
د. السبيل:
في تصوري ان ترجمة الإبداع تستحق ندوة مستقلة خلاف قضية ترجمة الثقافة العربية الى اللغات الأخرى، لكن لان النص الابداعي يختلف عن أي نص ثقافي آخر، لان النص الابداعي عادة يحتمل قراءات متعددة ولذلك فإن الترجمة في واقع الأمر هي ليست ترجمة، بل هي محاولة تفسير وإعطاء فهم المترجم لهذا النص ولذلك اتوقع انه أمر طبيعي انه حينما نأتي الى النص الابداعي ونعطيه اشخاصاً خصوصاً الأعمال الإبداعية ذات القيمة الأدبية الكبرى، لو أننا اعطينا هذا النص لعدد من المترجمين سنخرج بنصوص مختلفة، ولو اننا أعدنا الترجمة مثلاً من العربية الى الانجليزية او الانجليزية الى العربية مرة أخرى بالتأكيد سنجد أننا أمام نصوص مختلفة لأننا أمام إبداع، فأنت هنا أمام مسألة مختلفة تماماً ولذلك فإن هذه الترجمة ستكون فهم المترجم للنص أكثر من كونها ترجمة للنص، وهناك تجارب تقول ان نفس الشيء يحصل في اللغة العربية، يأتي المترجم الأولي وهو على دراية قوية باللغة المترجم منها أكثر من كونه على دراية باللغة المترجم اليها ثم يأتي الآخر وهو اكثر التصاقاً باللغة المترجم اليها، خصوصاً حينما تكون المادة المترجمة شعراً، ويكون هذا المترجم شاعراً او له علاقة مباشرة بالشعر فيقوم بصياغة النص لكن عادة تكون مثل هذه العملية مشتركة بحيث يعاد النص او يكون الشخصان كلاهما موجودين، فهل إعادة هذه الصياغة مقبولة أم لا؟ إننا أمام فهم أكثر من كوننا أمام شيء آخر.
د. سعد:
أود ان نتطرق الى جزئية مهمة تتعلق بنقل او ترجمة ثقافة الى لغة او ثقافة أخرى مغايرة لثقافة المترجم كما في نقل الثقافة العربية الى اللغات الأخرى، وهذا الجانب متصل بعلاقة المفهوم بالمصطلح، فالعمق التاريخي والثقافي لدى المترجم، كما أشار الى ذلك د. العبد اللطيف، مهم جداً لكي ينقل كل الإيحاءات والمدلولات. فالمترجم بحاجة الى مختلف جوانب المعرفة التاريخية والعمق اللغوي لكي يتتبع الانساق الثقافية والجمالية في النص، لذا فإننا نجد الأشخاص الذين يعيشون في النقطة الفاصلة بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى كما كان المترجمون في لبنان، ففي فترة من الفترات كانت ترجماتهم أبرز الترجمات لالتصاقهم او قربهم من معين الثقافة الغربية او من الايديولوجيات المطروحة في الثقافة الغربية، فمسألة انه تكون هناك ارضية مشتركة للترجمة مهمة جداً في نقل المعاني ونقل الدلالات. ولا أدري إن كان أحد الأساتذة يود التعليق عليها.
د. خطاب:
لدي تعليق حول مشروع د. سلمى الجيوسي. كلنا نعلم ان د. سلمى هي نفسها شاعرة فلسطينية معروفة، وحسب ما فهمت منها أنها هي عندما تعطي النص لشاعر اجنبي لإعادة صياغته فانها تعمل معه أي تكون هي معه أثناء العمل فلا أدري من اين حصل الخلل في ترجمة قصيدة محمود درويش مثلاً، انا لم اطرح عليها هذا السؤال: لماذا لم تترجم هي؟ أي لا تعتمد على الخطوتين؟ فكونها شاعرة يجعلنا نتساءل: هل حاولت أم لم تحاول؟ هي بالطبع تجيد اللغة الانجليزية ورسالتها للدكتوراه كانت عن التيارات الأدبية في الشعر العربي الحديث، وعندها الدراية الكافية بالشعر الانجليزي فلماذا لم تحاول ان تترجم هذه النصوص شعراً؟ انا اعود فأقول ربما لو قام بالترجمة الشاعر نفسه اذا اجاد اللغتين كما حصل مع صموئيل بيكيت الكاتب الايرلندي الذي يكتب باللغة الفرنسية ويكتب باللغة الانجليزية واحياناً يترجم نصوصه الانجليزية الى اللغة الفرنسية، طبعاً انا لا استطيع ان اتحدث عن هذه الترجمة وهل هي في نفس مستوى الأصل او غير ذلك، لا أدري، ولكن د. العبداللطيف اشار الى خليل جبران وكتابه الشهير «النبي» واظن انه كتبه في الأصل باللغة الانجليزية ثم ترجم الى اللغة العربية وترجمه هو نفسه، واعتقد ان هناك دراسات تقارن بين النص الانجليزي والنص العربي، ولكن ليس لي علم بهذا، فإن لم تكن هناك دراسات فاعتقد ان هذه القضية تستحق الدراسة، لنرى ونقارن ما كتبه الكاتب نفسه باللغة العربية ثم كتبه هو نفسه باللغة الانجليزية، وأود ان اضيف شيئاً بسيطاً ويمكن ان يكون منطلقاً لحديث آخر وهو اننا احياناً نسمع انه بالنسبة للكاتب العربي او المترجم العربي من الأسهل ان يترجم من اللغة الاجنبية الى اللغة العربية اسهل منه ان يترجم من اللغة العربية الى اللغة الاجنبية، وانا اتصور ان الترجمة من العربية الى الانجليزية او العكس هي من حيث الصعوبة واحدة لمن يجيد اللغتين واتمنى ان نرى من يترجم اللغة العربية الى اللغة الانجليزية وبالعكس او من اللغات الأخرى، انا لا اعتقد ان هناك فرقاً بين الترجمة من اللغات الأخرى الى العربية او العكس، اعتقد انه ليس هناك فرق لمن يجيد اللغتين، ونحن نعلم ان بدهيات الترجمة تتجاوز معرفة اللغة فقط الى معرفة الثقافة كما تحدث الاخوان، الثقافة والإيحاءات الثقافية الموجودة في اللغة عندما نترجمها يترجمها إنسان ليس فقط يعرف اللغة وميكانيكيتها وإنما على علم ودراية بالإيحاءات وبالخلفية الثقافية للغة التي يترجم اليها واللغة التي يترجم منها وبدون هذه المعرفة اعتقد ان الترجمة لا تكون ترجمة تستحق الاهتمام أوترجمة دقيقة.
د. العبداللطيف:
هناك اشكالية كبيرة في ترجمة الإبداع، يبدو لي انها تنبع من اشكالية تعريف ما هو الإبداع؟ لا شك ان د. السبيل تطرق لنقطة مهمة جداً وهي قضية ان النص ربما يتقبل قراءات عديدة ولذلك فكثير من الأعمال المعروفة في الأدب يتعرض لأكثر من ترجمة. يبقى شيء واحد وهو انه بطريقة أو بأخرى ينطرح السؤال: ما علاقة النص المترجم بالأصل؟ هل يا ترى هذا النص المترجم يعكس الأصل؟ هل هو أصل في حد ذاته؟ ام هل هو إعادة انتاج للأصل؟ ام هو إعادة قراءة للأصل؟ أم إعادة إبداع للأصل؟ هل يا ترى يمكن ان تكون الترجمة أفضل من الأصل؟ هل من الممكن ان يأخذ احدهم نصاً ركيكاً في لغة ما ويعيد صياغته الى لغة جديدة متميزة؟
هذه تطرح اشكاليات كثيرة ولكن في تصوري فيما يتعلق بالقراءة هناك نوعان من القراءة: هناك قراءة فردية وهناك قراءة نستطيع ان نطلق عليها قراءة جماعية او تفسير جماعي، بعض النصوص نتيجة لأنها تعرضت لقراءات عديدة ونقد كثير استقر لدى الكثير من النقاد والقراء والمثقفين ان نواحي الابداع فيها تكون في اماكن معينة ليكون هناك شبه اتفاق، مع انه في الأعمال الأدبية لا يستطيع الواحد ان يتكلم عن اجماع او اتفاق. تلك النصوص من الممكن الكلام عن ترجمتها ترجمة دقيقة او ترجمة اقل دقة، ولكن تظل القراءة دائماً سيدة الموقف، وهنا رأي لوالتر بنجامين وأيضاً لهيغل عندما قال بنجامين إن لكل نص حياة هي حياة ما بعد النص، لان قراءات النص هذه المختلفة التي تأتي بعد النص او ما يطلق عليها والتر بنجامين بالحياة الأخرى للنص هذه هي التي تعطي النص الاستمرارية، أنا لا أستغرب ان تكون هناك جوانب من الإبداع لا يعرفها منتج النص نفسه ولكنَّ القراء الآخرين ربما يضيفونها على النص هذا، لأنه ربما تكون اللغة ليست لغة الكاتب الى حد كبير، اللغة فيها إبداعات وإيحاءات من حد ذاتها ربما يستقرئها النص ويستقرئها القارئون ويكون الكاتب قد قصدها، وتظل العملية لا هي بالذاتية ولا بالموضوعية، تتراوح ما بين هذين المستويين، لتظل بعد ذلك اشكالية ما هي الترجمة؟ وما يدخل ضمن نطاق الترجمة؟ او ما يبقى خارج نطاق الترجمة؟ وهناك ملاحظة بسيطة اريد ان اسوقها تعقيباً على كلام د. خطاب وهو أعرف مني بهذه الأمور، هناك ما نسميه نحن في دراسات الترجمة بالترجمة البين لغوية والترجمة البين سيميائية، وهذه مطبقة وتمارس على مستوى كثير من دول أوروبا، أي الترجمة من نظام سيميائي الى نظام سيميائي آخر.
كان الرسامون السيرياليون يرسمون لوحات لشعراء سيرياليين أي انهم يترجمون هذه القصائد الى لوحات لأنه عندما نتكلم عن الشعر فإن د. عزت خطاب محق عندما تكلم عن الإيحاء والتأثير فإذا كان الشعر هو الإيحاء والتأثير فأنا استطيع ان انقل الايحاء والتأثير الذي يقع علي كمترجم الى نمط آخر ربما لا يكون نمطا شعريا ولكنه نمط نثري، وفي تصوري الإبداع بالنثر لا يقل عن الإبداع بالشعر، وهذا ما أردت قوله.
د. البازعي:
هناك نقطة في غاية الأهمية وأود ان نسير فيها قليلاً لأنها في الواقع جديرة بالاهتمام، طرحت يا دكتور محمد سؤالاً خطيراً هو: هل يمكن للنص الجديد ان يكون أفضل من النص الأصلي؟! هذا سؤال خطير، وانا اتفق معك انه من حيث المبدأ يمكن ان يحدث.
د. العبداللطيف:
هو سؤال مطروح: عندما تنقل الترجمة فإنها تعد خيانة: هل هي كذلك؟
د. البازعي:
هي خيانة من ناحية ابداعية، اذا فهمت الخيانة من الناحية الإبداعية ان المترجم خائن دائماً أصلاً لأنه ليس بإمكان المترجم ان ينقل كل ما في النص الأصلي، فإذا انطلقنا مما قاله د. السبيل وهي ان الترجمة تفسير فهمنا ان الترجمة أيضاً قراءة نقدية تنطوي على عملية تفسيرية وبالتالي يستطيع المترجم كأي قارئ للنص ان يكتشف فيه ما لما يدر بخلد صاحبه وهذا دور النقد أصلاً، ليس إظهار ما هو معروف وإنما اكتشاف ما ليس معروفاً وتسمح به امكانات اللغة وليس بالضرورة امكانات المؤلف الذي لا يملك سيطرة على ما يقوله النص من ايحاءات وإلا لما كان في الشعر قيمة. لو كان الشعر دلالات مباشرة لاكتفينا بما أراده الشاعر ولكننا ننتبه للإيحاءات التي تسير في فضاءات اللغة وهي ملك التراث وملك للجميع ولكن بضوابط معينة وليس على الاطلاق. من هذه الناحية اعتقد ان من الممكن ان تكون الترجمة متجاوزة للنص الأصلي وربما ان مثال رباعيات الخيام في النص الانجليزي قد يكون احد الأمثلة التي يمكن طرحها، لكنني اود ان انطلق من هذا الى قضية سبق ان اثيرت ود. العبداللطيف اشار اليها وهي اننا عندما نترجم او تترجم ثقافتنا الى اللغات الغربية بالذات فإنها تعاني من قلة القبول لأنها إعادة صياغة لما هو موجود في الغرب، الملاحظ بشكل عام هو ان اكثر ما يترجم من ثقافة الى اخرى هو الأدب الذي يأتي في المقام الأول وفي اعتقادي ان اللغة العربية بالذات الآن اكثر ما يصلح منها للنقل الى اللغات الأخرى هو الأدب، السؤال: أليس هذا دليلاً على أننا عندما نقترب من الأصالة الحقيقية فإنما نقترب منها عن طريق الأدب وليس عن طريق الفكر مثلاً او النشاط العلمي؟ صحيح على ان معظم ما لدينا حالياً آتٍ من الغرب لكن ربما يكون النشاط الإبداعي أقل اعتماداً على التراث الأجنبي او المعطى الأجنبي من أشكال الثقافة الأخرى.
من هذه الناحية يبدو ما لدينا من أدب أصلح لأن ينقل الى اللغات الأخرى من النقد الأدبي الذي يعتبر عالة بشكل مباشر وأوضح على ما في اللغات الأخرى وبالتالي لا يخطر على بال أحد ان يترجم نصاً نقدياً عربياً الى اللغة الانجليزية او الفرنسية للتباهي به، لكننا نتباهى بنجيب محفوظ ونتباهى بمحمود درويش ونتباهى بالمتنبي قبل ذلك وبغيره من المبدعين، وهذا يؤكد نقطة اود ان انتهي اليها وهي ان البحث في مسألة الترجمة الى اللغات الأخرى هو أيضاً قراءة للثقافة ككل بمعنى انه يكشف لنا جوانب في ثقافتنا قد تكون مغيبة، او اننا لا نعرف المشكلات في هذه الثقافة إلا عندما نضعها على مشرحة الترجمة كأننا نكتشف ما الذي يصلح؟ كأنك تضع هذه الثقافة في «بوفيه» وتقول للأجانب: اختاروا! وهنا تكتشف انهم لم يذهبوا الى ما انتجت في علم الاجتماع، ولم يذهبوا الى ما انتجت في الفلسفة، بل سيذهبون الى الأدب، الى الشعر، الى الابداع، لانهم يجدون فيه روحك أكثر مما في الأشياء الأخرى، وهذا طبعاً قد لا يستمر والأمل هو أن نصل الى مرحلة يكون ما لدينا في الاجتماع او في النفس او الفلسفة او في العلم موازياً لما لدينا في الابداع.
د. السبيل:
هناك مقولة اتفق معها الى حدّ كبير وهي ان العالمية تبدأ من المحلية، اعتقد ان هذه مسألة مهمة جداً، يعني ما الذي جعل نجيب محفوظ يستقبل في العالم الآخر بكامله استقبالاً كبيراً. الإجابة هي ان نجيب محفوظ ينطلق من محلية مغرقة حتى في المحلية ولذلك فإن القارئ المصري لروايات نجيب محفوظ لا يجد فيها جديداً على الاطلاق في واقع الأمر على اعتبار انها تمثل الواقع الذي يعيشه. لكن حين تقترب هذه الأعمال مثل الثلاثية وزقاق المدق وغيرها حينما تلتصق هذه الأعمال بالواقع المصري وتناقش هذه القضايا وتعطي هذه المسائل التفصيلية، فإن الآخر يرى فيها شيئاً طريفاً ولذلك، كما تفضل د. العبداللطيف في حديثه، نجد ان شعرنا الحديث والحديث جداً لا يستقبل كثيراً على اعتبار انه إعادة صياغة للشعر الأوروبي بحكم التأثير والتأثر في حين ان الشعر القديم فعلاً فيه مادة كبرى، ولذلك نحن في كافة المسائل حتى في المسائل الفكرية العامة نريد دائماً ان نحاول ان ننبش هذا التراث وننظر ما فيه في محاولة تقديمه بدلاً مما يحصل في كثير من الأحيان الآن وهو محاولة التباهي عند البعض في الاطلاع على ما لدى الآخرين مع عدم الوعي الكامل بما يوجد في التراث المحلي فنحن بحاجة الى وعي كبير ضمن هذا الإطار والتركيز على هذه الخصوصية لان الناس بحاجة الى رؤية ما لديك بشكل مباشر فذلك هو الجديد لديهم.
د. خطاب:
أريد ان انطلق مما قاله د. البازعي عن قضية ان الإبداع شيء هو الأجدر بالترجمة في ثقافتنا المعاصرة. فالمعروف أننا عندما نتحدث عن الأدب العربي نتحدث عن الشعر الذي هو ديوان العرب وهو الإبداع الذي برزوا فيه. إذا قلنا إننا فيما يتعلق بالشعر الحديث أو الأدب الحديث في العالم العربي نعيد صياغة ما عند الغرب وان الأولى ان نقدم لهم ما عندنا من الأدب القديم او الشعر القديم، المشكلة هنا هي الآتي: الشعر القديم مثل المتنبي او ابو العلاء المعري او المعلقات مثلاً هذه النصوص جزء كبير منها من جمالياتها موجود في الموسيقى. وفي الايقاع وهذا من الصعب تقريباً نقله الى أي لغة أخرى فإذا تبخر هذا ماذا سيبقى؟ تبقى المعاني التي قال الجاحظ انها مطروحة على الطريق، يا ترى من هو ذلك الشاعر الذي يستطيع ان يقدم هذه النصوص؟ وأعيد فأقول ربما ان الشاعر هو أقرب الى امكانية نقل هذه النصوص العربية المكتوبة بالايقاع العربي الخليلي المعروف الى لغة أخرى، الى ايقاع جديد، وهناك محاولات بزوورث الذي نقل شيئاً من المتنبي، وآربرى الذي نقل ايضاً شيئاً من المعلقات، اضافة الى محاولات أخرى اطلعت عليها.
طبعاً هذه الترجمات الأكاديمية قد لا تكون منتشرة إلا في المجال الاكاديمي، فهل لدينا ما نستطيع ان نقدمه للقارئ الأجنبي سواء كان في أوروبا ام أمريكا أم أي مكان آخر من تراثنا الأدبي العريق القديم ؟ السؤال هو من يقوم بهذه العملية؟ وهل هناك امكانية للقيام بها؟ ما مدى امكانية نجاح مثل هذا المشروع؟
مثلاً: أليس عند أبي العلاء المعري فكر ينقل وليس فقط الجماليات الأدبية المنغلقة؟ لا أدري د. السبيل بصفته متخصصاً في اللغة العربية يمكن ان يجيب على هذا السؤال أكثر مني، هنا الاشكالية عندما نتحدث عن الأدب العربي القديم لا نجد احداً يتحدث عن النثر الفني مثلاً او المقامات ذلك النثر العجيب المكتوب بلغة عربية وبإيقاع عربي عجيب، لم اجد حسب علمي ترجمة لهذه المقامات مثلاً وهي نوع او جنس أدبي ربما لا يكون موجوداً في الغرب، هل تصدى أحد لترجمة المقامات؟ وإذا وجدت مثل هذه الترجمات فهل من قام بالترجمة هم من العرب او من غير العرب؟
د. السبيل:
مشكلة المقامات يا دكتور عزت المقامات انها تعتمد على الجانب الاسلوبي اكثر من اعتمادها على أي شيء آخر وذلك بحكم ان هذه المقامات تعتمد أساساً على أدب المُكدّين. نجد كما نذكر كثيراً من الدراسات تشير الى انها انتقلت الى اسبانيا عبر ما يسمى بأدب البيكاريك على اعتبار انه محاولة لاعطاء هذه الفئة من الناس أدباً يتحدث عنهم فأخذ جانب الموضوع في حين أن هناك تأثيراً للمقامات في الأدب الفارسي على اعتبار كتابة شيء يشبهها، فإذن الجانب الأسلوبي يلعب دوراً في هذا الإطار ولكن في سياق مختلف.
د. العبداللطيف:
لدي تعليق بسيط والاخوة دائماً يسبقونني إلى بعض النقاط المهمة وأنا أشكرهم على ذلك، وأتفق مع د. السبيل وأعتقد أنه بالرغم من التناقض الظاهر إلا أن هناك انسجاماً واضحا في مقولة أن العالمية تنطلق من الخصوصية، من ينشد العالمية عادة يضيع الخصوصية ويضيع العالمية ومن يركز على الخصوصية تأتيه العالمية، لذلك أريد أن أتكلم عن الأدب، فأنا أتفق مع د. عزت خطاب أن للأدب أشكالاً كثيرة وليس الشعر فقط، ولكن هذا يجر إلى سؤال آخر: ما هو دور الأدب في الحياة العربية الحديثة؟ عندما ننظر للماضي كان لكل جنس من الأجناس الأدبية دور في حياة العرب، شعر المعلقات كان له دور يلعبه في المجتمع الجاهلي، وكنت كتبت هنا أن المقامات والحكايات لها دور تثقيفي في المجتمعات العربية ولكن ما هو الدور الاجتماعي للشعر الحديث وللأدب الحديث بالنسبة للمجتمعات العربية؟ أرجو ألا يفهم من كلامي هذا بأنني ضد الحداثة لأن هناك أشياء كثيرة أتت بها الحداثة فالذي حصل في الواقع هو أن بعض الذين اشتغلوا بالحداثة رأوا أن للحداثة دوراً أساسياً هو تحديث العقل العربي، ولكن عملية التحديث هذه عانت من مشكلة أساسية وهي محاولة تحديث العقل العربي من الخارج وليس من الداخل بمعنى لم يكن فيها نوع من التطوير الذاتي ولكن استيراد قوالب استخدمت في تطوير الشعر والأدب في الخارج، عندما نأتي للعالم الغربي الآن نجد أن الأدب والشعر لهما دور واضح والغربيون بالرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي لديهم لم يغفلوا قضية الأدب والابداع الأدبي والفني ولكن في مجتمعاتنا العربية تراجع الأدب والفن إلى صفوف خلفية وهنا يبدو لي فيه مشكلة أساسية هي أن الأنسجة العربية الثقافية عموماً ممزقة ولا بد أن ينعكس هذا أيضاً على الشكل الفني والأدبي للتعبير في المجتمعات العربية وفي رأيي كما قال د. السبيل أن الآخرين يأتون ليبحثوا عما لدينا ويجب أن تكون الثقافة أو الأدب الموجود لدينا جذاباً للآخر بحيث أن يأتي ويبحث، كما أننا من ناحية أخرى لسنا ملزمين أصلاً أن نقدم لأية ثقافة عالمية أو خارجية ما نبدعه نحن، يجب قبل أن نسأل إلى كم لغة ترجم نجيب محفوظ يجب أن نسأل السؤال التالي: ما هي نسبة المواطنين العرب الذين يقرءون نجيب محفوظ؟ ما هو الدور الذي يلعبه الأدب في حياتنا؟ عندما نوجد دوراً للأدب وعندما يرتفع بالمستوى الفني والذوقي للجماهير العربية إلى مستوى معين فسوف يزداد الابداع كماً ونوعاً وسوف يرى الآخرون فينا انعكاساً لثقافة تستحق الترجمة وسوف يسعون إلينا للبحث عما يترجمونه وليس العكس.
د. البازعي:
نقاط وأسئلة في غاية الأهمية، وأود أن نسير الآن في اتجاه التختيم لأن القضايا لن تنتهي.
د. السبيل:
دعنا نحاول أن نحدد المسائل لنضع بعض المسؤوليات، حينما ننظر إلى مراكزنا الثقافية في عالمنا العربي بشكل عام ودعني أحدد بشكل أكثر دقة في الجامعات ما الدور الذي تلعبه الجامعات ليس في الترجمة من زاوية حديثنا هنا ولكن في التواصل مع الآخرين عبر الجامعات المختلفة؟ الذي نجده بكل أسف وبشكل عام أننا لسنا على تواصل حقيقي بحيث انك تتيح للآخرين أن يروا ما لديك على الأقل، وهذا جزء مهم، وأن ترى ما لديهم أيضاً، فنحن بحاجة إلى مزيد من التواصل بين المراكز العلمية، بين الجامعات والجامعات الأخرى، وأنا هنا لا أتكلم عن الجانب الأوروبي بل أتكلم عن الجانب الشرقي الحضارات الشرقية فنحن بحاجة إلى شيء من وجود علاقات ثقافية كبرى مع تلك المؤسسات لأن ذلك سينتج عنه نوع من القناعة بأن هناك شيئاً ما يستحق أن يقدم إلى ثقافات مختلفة.
د. سعد:
أود أن أشير إلى نقطة أشرتم لها من قريب أو بعيد وهي أن الأجناس الأدبية في الثقافة العربية تتخذ من اللغة نفسها مادة أساسية، بمعنى أن اللغة العربية والأسلوب العربي وجمالية المفردة العربية هي مادة أساسية، في معظم الأجناس الأدبية العربية وبالتالي هذا يعيدني إلى ما قلت سابقاً لعلاقة المفهوم بالمفردة أو بالمعنى، فعندما نتكلم عن الوفاء مثلاً هناك أطياف كثيرة من المعاني نقصدها تنبع من الثقافة ومن التاريخ كل هذه القضايا مجموعة فإذا أردنا أن نطالب بترجمة الثقافة العربية هل بوسعنا أن نقول ان اللغة الانجليزية مثلاً ستستوعب كل هذه المعاني الدقيقة هذه الجماليات اللغوية العربية، ولنأخذ مفردة مثل السيف أو قيماً مثل المروءة أو الكرم وهي أسس ومرتكزات في الأدب العربي القديم خاصة عندما نتكلم عن هذا كيف نقولبها في لغة أخرى وثقافة أخرى قد لا تعطى أهمية لهذه الجوانب التي نعتبرها أساسيات الجمال في نصوصنا الأدبية.
د.خطاب:
خطر في ذهني الآن شيء ربما يكون جذاباً في ثقافتنا العربية للعالم عندما ترجمت «ألف ليلة وليلة» إلى الفرنسية في بدايات القرن الثامن عشر كانت بلا شك جذابة وفتحت باب الشرق للغرب تقريباً لا أدري ما رأيكم في الاهتمام بالسير الشعبية، هذا الأدب الذي لا نهتم به كثيراً في العالم العربي لأننا نهتم فقط بالأدب الرسمي أي لا نهتم بالأدب الشعبي لأننا نعتبره أدباً هابطاً، ولكنه بالعكس في الآداب الأخرى، فالأدب الشعبي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من تلك الآداب وهو الخامة الأساسية.
إن سيرة سيف بن ذي يزن أو عنترة بن شداد هذه السير الشعبية التي هي تقريباً ألصق بالثقافة العربية وتمثلها تمثيلاً مباشراً وتمثيلاً سهلاً لا أظن أنها ترجمت الآن يبدو الاهتمام في العالم منصباً على ما لدى الشعوب من أساسيات ثقافية.
فيا د. عبدالعزيز هل يوجد في أي قسم من أقسام اللغة العربية في أي جامعة عربية من درس السيرة الشعبية دراسة أكاديمية؟ يبدو لي أنها لم تدرس وتعد أدباً هابطاً، وأعتقد أن هذا الأدب الشعبي أو السير الشعبية لأنها غير شعرية وإنما ألفت بأسلوب عادي قد يكون في ترجمتها جاذبية للقارىء الغربي وهنا يكتشف اكتشافاً جديداً للعالم الإسلامي.
د. السبيل:
أعرف عددا من المهتمين الذين درسوا السير الشعبية في الغرب مثل سيرة «الأميرة ذات الهمة» التي درست وترجم جزء كبير منها إلى اللغة الألمانية عن طريق مستشرقة ألمانية. فهناك اهتمام من الجانب الغربي، أما في أدبنا فحسب ما أعرف أن من أهم المهتمين بالسير الشعبية، هو د. محمد رجب النجار وقد اهتم كثيراً بمسألة السير الذاتية لكن مشكلتنا نحن بحكم أننا نركز على جانب اللغة ننظر إليها من هذا الجانب، ولكن لو أعيدت صياغتها ربما ستصبح عملاً يقترب من الأعمال الملحمية ذات القيمة الكبرى.
د. البازعي:
وهذا الجانب هو الذي لا يراه الأجنبي، لأن هناك جانباً ايديولوجيا يحرك اهتمامنا بمعنى أننا ننظر إلى ما هو في مصلحة الثقافة أو ما نرى أنه هو الأصلح فتتحول مهمتنا إلى عملية تقويم للتراث ولذلك أنا أفضل أن أنظر للترجمة بشكل عام الترجمة من أي لغة إلى أي لغة بوصفها جزءاً مما يمكن أن نسميه استعادة التراث فنحن عندما نعود إلى أبي العلاء المعري وننظر في الجانب الفكري لديه كما أشار د. عزت فإننا نستعيد جانباً مهمشاً منه عندما يقوم انطوان جالان مثلاً.. في فرنسا بترجمة عمل عربي فإنه يستعيد عملاً يرى أنه جدير بالاهتمام الفرنسي الاستعادات دوافعها مختلفة وعندما نستعيد نحن تراثنا فإننا نفعل ذلك بطريقة مختلفة عن استعادة الألماني أو الفرنسي الذي سيكون له هدف آخر قد يكون امتاع الصالونات الأدبية، لكني أفعل ذلك لأثبت أن لدينا تراثاً قيماً في هذا المجال لم يلتفت إليه وبالتالي تتحول العملية إلى مايشبه عملية التسويق المعاصرة، بمعنى أنك تخرج البضاعة القابلة للتسويق وكلام د. عزت يصب في هذا الجانب بالذات حين يقول «شيء يصلح للغربيين» فكأننا نبيع عليهم شيئاً وفي الواقع أحد الأهداف الأساسية لما نسميه ترجمة الثقافة العربية هو تسويقها ليس بالمعنى المادي البحت لهذا ولكن بمعنى أن تروج وتنتشر.
د. العبداللطيف:
لدي ملاحظة بسيطة فقط لماذا لا نكون سباقين إلى اكتشاف قيمة الأعمال الأدبية والفنية الموجودة لدينا؟ لماذا عندما يتكلم عنها الغربيون نعتقد أنها اكتسبت أهمية؟ هذا سؤال مهم جداً، ربما الشيء الذي يكون مهم بالنسبة للغرب لا يكون مهماً بالنسبة لنا، نحن نشغل حيزين مختلفين ثقافياً وجغرافياً وايديولوجيا ولذلك يجب ألا نسعى وراء موضوع العالمية وموضوع الغرب بالذات لأنني أتفق مع د. السبيل أن العالمية لا تعني الغرب، العالمية تعني ثقافات أخرى، ربما هي أغنى من الثقافات الغربية، لو تكلمنا عن الثقافة الصينية مثلاً أو اليابانية، الحاجة الأخرى التي كنت أريد أن أتكلم حولها هي مسألة السير الشعبية، هناك في دراسات اللغة ما يسمى بالترجمة ضمن اللغوية وهي أن تأخذ شيئاً ما وتعيد انتاجه بشكل آخر، القصص التي نستوردها من الغرب على شكل أفلام سواء أفلام كارتون لأطفالنا أو أفلام كاوبوي للكبار هذه في الواقع أساسياتها قصص وأحاديث شعبية شكسبير كان اندثر لو لم يعد انتاجه بمسرحيات وبأشكال مختلفة ويعاد اخراجها وتصرف عليها ملايين الجنيهات الاسترلينية. أي أن شكسبير لا يعني بالنسبة للانجليز فقط شخصية أدبية، شكسبير نوع من المرآة والانجليز يعرضونها للعالم أجمع، لأنك عندما تؤمن بأن شكسبير عظيم فإنك بطريقة أخرى تؤمن أيضاً أن الثقافة الانجليزية أو الانجلو ساكسونية ثقافة عظيمة، ولكل ثقافة تجدد شكسبيراً تحاول تلك الثقافة طرحه على العالم: مثلاً موليير في فرنسا غوته في ألمانيا، لأنه يسهل تجسيد العظمة في الثقافة ككل من خلال الأشخاص ولذلك ازداد الاهتمام بنجيب محفوظ بعد أن فاز بالجائزة بينما لم يعط نفس الأهمية ولم يمنح جوائز في العالم العربي ولم يكن هناك اعتراف به إلا بعد أن اعترف به الغرب، يجب أن يشجع الناس على الخروج من دائرة الدوران في محيط الثقافة الغربية.
د. البازعي:
نقطة في غاية الأهمية وأعتقد أنها تأتي كتعليق ختامي لأن حديثنا بشكل عام انصب فعلاً في الاتجاه الغربي ونحن نتحدث عن ترجمة الثقافة العربية فلم تثر اهتمامنا كثيراً علاقتنا بالثقافات الشرقية، فهل ما ترجم إلى الصينية أو إلى اليابانية من الثقافة العربية أقل أهمية؟ قبل سنوات زار المملكة عدد من الباحثين الصينيين، أساتذة جامعات وكلهم مختصون بالأدب العربي، وذكروا أنهم ترجموا أعمالاً من الأدب العربي إلى الصينية لأغراض تعليمية لأنهم يدرسون اللغة العربية ويهتمون بالأدب العربي، والحافز وراء هذا كله هو الإسلام وهم مسلمون.
وهذا كله يؤكد الارتباط الحيوي بين اللغة العربية والإسلام. إن موضوع ندوتنا كما ترون أيها السادة في غاية الأهمية حتى ان البعض اقترح التحدث في بعض جوانبه حديثاً مستقلاً ولذا فإني أرجو أن تتاح لنا الفرصة في لقاء آخر للتحدث حوله فشكراً لكم باسمي وباسم الاخوان في القسم الثقافي من جريدة «الجزيرة» الذي يؤكد حيويته بل وريادته الثقافية مرة أخرى، لأننا لم نعهد في الصحافة الثقافية هذا النوع من التواصل الحي مع القضايا الثقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.