الشعب يريد «سيستم»، لكن الشعب يكره فرض «سيستم»، لذا كلما فرضت حكومة هنا أو قيادة هناك «سيستم»، أطاحه الشعب أرضاً ونكل به جواً وقضى عليه كسراً وهدماً وتفتيتاً وتهشيماً، وإن لم يتيسر فتقريعاً وتقزيماً وتهكماً وتربصاً، فإن تعذر هذا وذاك، فبكاء على حقوق ضاعت ونواح على حريات سُلِبت، وهنا يرضخ النظام وتذعن الحكومة، ويقبلان بهزيمة ال «سيستم» وتفتيت الهيبة وكسر السطوة، فيخرج الشعب شاجباً مندداً صارخاً: «الشعب يريد السيستم». موت «السيستم» السريري يغضب الغالبية العظمى من المصريين، وهي الغالبية نفسها التي أماتته بضربات قاضية متتالية لا تتوقف. لا تخلو جلسة راقية في «كوفي شوب»، أو لمة شعبية في قهوة بلدي، أو مكالمة هاتفية بين ربتين من ربات البيوت، أو فقرة حوارية في «توك شو» ليلي، أو شكوى حقيقية من مواطن مهروس، أو تغريدة «تويترية» من شاب مظلوم، أو تدوينة «فايسبوكية» من طالبة مستاءة، أو «فشة خلق» زراعية من فلاح مطحون، أو تبرير رسمي من وزير مفحوت، من شكوى مريرة نتيجة غياب ال «سيستم» أو انهيار المنظومة أو ضبابية الرؤية أو خرس القواعد أو شلل المعايير أو تكسيح المقاييس، أو مجرد الضرب عرض الحائط بالقواعد والقوانين ما ثقل منها وما خف، ما تعقد منها وما جاء بسيطاً سلساً لا مجال فيه للجدال. الجدال حامي الوطيس الذي أشعله وأججه وأحماه توقيف ضابط مرور قائد دراجة بخارية بدا أقرب إلى الهزل الدرامي الذي بلغ أقصاه بصيحة جهورية ذات أبعاد تراجيدية أطلقها قائد الدراجة معلناً أن «الداخلية لا قلب لها أو شعور أو أحاسيس تجاه الغلابة الذين لا يقترفون أخطاء أو ينخرطون في كوارث. مصيبتنا عدم وجود سيستم». وتقف الدراجة شاهد عيان على ال «سيستم» الصريع، حيث لوحة الأرقام «صلي على المصطفى»، وجيب القائد يخلو من رخصة قيادة أو رخصة مركبة، أما رأسه فلا أثر عليه للخوذة المطلوبة. ال «سيستم» الذي دفع ضابط المرور إلى ترك القائد لحال سبيله قائم على «سيستم» البركة المخلوط بالحرمانية، حيث تجمع من المارة وتكالب من القادة وحض جماعي يقوم على «حرام عليك والمسامح ربنا». وعلى رغم ذلك، ما هي إلا ثوان معدودة حتى يشكو التجمع نفسه إلى «ربنا» غياب ال «سيستم». ال «سيستم» المروري الذي خرج ولم يعد ترك شوارع القاهرة مرتعاً لبلطجية الميكروباص وسائقي النقل العام ومجندي الشرطة والجيش ومعهم ثلة من أصحاب السيارات الملاكي تكللهم مجموعات مارقة من قادة الدراجات النارية وأصحاب التكاتك الثلاثية والعائدين من المنع حيث عربات الكارو بحميرها وبغالها وذاته ال «سيستم» الذي مات سريرياً بخلع أو تجميد أو تثبيت إشارات المرور عند اللون الأصفر، وترك الميادين والطرق السريعة مقبرة لجنون القيادة، والشوارع الرئيسية والفرعية سيركاً للآتين عكس الاتجاه والواقفين صفوفاً ثانية وثالثة ورابعة من دون رادع أو «سيستم» عقابي. حتى ال «سيستم» الإثابي الذي اتبعته الحكومة قبل أسابيع مع جيوش الباعة الجوالين الذين احتلوا وسط القاهرة بترحيلهم إلى أسواق منفصلة قوبل ب «سيستم» مضاد وأسلوب يُراد به وضع الحكومة في خانة اليك. عودة غير حميدة تشهدها شوارع وسط القاهرة بظهور متجدد للباعة، لكن هذه المرة مصطحبين نساء وأطفالاً تحسباً لهجمة أمنية أو إزالة مرورية أو حملة بلدية، للرد بولولة النساء وصراخ الأطفال في «سيستم» مضمون لاستعطاف القلوب واسترحام العقول واستدعاء «سيستم حرام عليكم» الشعبي. الشعب الذي تسعل فئاته وتكح طوائفه وتحمر عيون فصائله وتحتقن جيوب طبقاته الأنفية وتئن رئات نسائه ورجاله وأطفاله ولزم بيته الضعفاء من العمال والفلاحين والموظفين بفعل السحابة السوداء التي أطفأت شمعة عيد ميلادها ال15 قبل يومين ينعى ال «سيستم» الغائب الذي فشل أو عجز أو تقاعس أو تقهقر أو تراجع عن حل أزمة حرق قش الرز، هو نفسه الشعب الذي لا يلوم الفلاحين المصرّين إصراراً لا لين فيه والمعتزمين عزيمة لا يفلها الحديد عن حرق قش الرز، وإن لوحت الحكومة ب «سيستم» عقابي، لوحوا ب «سيستم» التظاهرات والوقفات والتهديد بحرق المحصول. المحصول الذي كانت تنتجه ملايين الأفدنة الزراعية تقلص وتقهقر على مدى عقود الاعتداء عليها بالبناء والتجريف، وبلغ أوجه على مدى السنوات الأربع الماضية. وأمام شبح الجوع ووحش الفقر وخطر الأزمة قامت قومة الحكومة من أجل «سيستم» إزالة التعديات ورفع المخالفات، وهو ما جوبه ب «سيستم» أعتى وأقوى، ألا وهو «سيستم» الأمر الواقع من استحالة محو التجريف مع نداءات «حرام عليكم» و «ما ذنب من دفع تحويشة العمر في شقة هنا أو عمارة هناك؟!». وهناك حيث جامعات مصر الحكومية العائدة إلى عام دراسي يعتمد عليه «الإخوان» من أجل بقائهم على قيد الحياة، وذلك عبر تظاهرات القواعد وشماريخ المحبين ومولوتوف «الحرائر»، عقد المصريون الآمال على إيقاف مهزلة الفوضى ب «سيستم» تأميني صارم يحافظ على حياة الأبناء والبنات. إلا أن إجراءات الأمن وبوابات التفتيش أثارت موجة حقوقية من الغضب والاستياء مطالبة ب «سيستم» حرياتي لا يعكر صفو الطلاب أو يعطل دخول الجامعات من دون تفتيش أو تدقيق احتراماً ل «السيستم» الطالبي الجامعي في العالم والذي لا يعرف أمناً أو تفتيشاً أو تعطيلاً عند البوابات. أما السؤال المطروح عن مسؤولية تفجير «المولوتوف» الطالبي أو إشعال الشماريخ الجامعية أو السيطرة على الخرطوش التعليمي في الحرم الجامعي، فيقابل بتنهيدة عميقة وإجابة فريدة «المشكلة في السيستم». ومن «سيستم» فاشل إلى آخر متعطل، ومنه إلى ثالث مضروب به عرض الحائط، ورابع موصوم حقوقياً أو مشبوه شعبياً أو متجمد حكومياً، يدور الشعب والحكومة في دوائر مفرغة من البحث عن «سيستم»، فإن وجد قوبل بمقاومة شعبية، وتقاعسات حكومية، فإن وقع، ندب الجميع ال «سيستم» الصريع، مطالبين بوليد يصرعونه.