يوم الوطن للمواطن والمقيم    50.2 مليون بطاقة صراف آلي تصدرها البنوك    33.8% زيادة عالمية بأسعار القهوة    حين يحترق المعلم يذبل المستقبل    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    عندما يكون الاعتدال تهمة    الأخضر السعودي يتعادل مع التشيك ودياً    المسامرة يؤكد جاهزية الأردن لاستضافة كأس العرب للهجن في أكتوبر    سيدات النصر يتوّجن بالسوبر السعودي في نسخته الأولى    جلوي بن عبدالعزيز يكرم 61 خاتماً للقرآن    مرصد سدير يوثق مراحل الخسوف ويقيم محاضرات وندوات    ختام مهرجان التمور بالزلفي    جامعة حائل تحقق إنجازًا علميًا جديدًا في «Nature Index 2025»    جائزة الأميرة صيتة تكرّم 35 فائزًا بجوائزها الاجتماعية    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط وبرامج «تقني حائل»    القيادة تهنئ رئيسة مقدونيا الشمالية بذكرى استقلال بلادها    علاج جديد لارتفاع ضغط الدم بمؤتمر طبي بالخبر    تجمع مكة يطلق الحملة الوطنية للقاح الحصبة    منتخب السعودية تحت 20 عامًا يفوز على تشيلي وديًا    الرميان: الأصول المدارة يمكن أن تصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول 2030    الحارس الفرنسي باتويي رسميًا إلى الهلال    إحباط تهريب (65,650) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي بمنطقة جازان    الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتوقع اتفاقا وشيكا مع إيران    الدرعية يبدأ Yelo بهوية جديدة    منسوبو أسمنت الجنوبية يتفاعلون مع حملة ولي العهد للتبرع بالدم    انطلاق أولى ورش عمل مبادرة "سيف" بمشاركة أكثر من 40 جمعية من مختلف مناطق المملكة    الذهب عند قمة جديدة بدعم من توقعات خفض الفائدة الأمريكية    تونس تتأهل لكأس العالم 2026 بفوزها على غينيا الاستوائية    التحالف الإسلامي يطلق مبادرة توعوية لمواجهة الخطاب المحرّض على الإرهاب    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقّع اتفاقية تعاون مشترك لتأهيل آبار منطقة دوما بريف دمشق    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: "التماسك بين الشعب والقيادة يثمر في استقرار وطن آمن"    مجلس إدارة جمعية «كبدك» يعقد اجتماعه ال27    وزراء خارجية اللجنة العربية الإسلامية بشأن غزة يعربون عن رفضهم لتصريحات إسرائيل بشأن تهجير الشعب الفلسطيني    إسبانيا تُعلن تسعة إجراءات تهدف لوقف "الإبادة في غزة"    أبرز التوقعات المناخية على السعودية خلال خريف 2025    أمانة الشرقية تفعل اليوم الدولي للعمل الخيري بمشاركة عدد من الجمعيات    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    محافظ عفيف يدشن مبادرة نأتي اليك    نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025    مراقبون توقّعوا أن تكون الزيارة أهم حدث دبلوماسي في 2025 ترمب يدعو ولي العهد إلى زيارة واشنطن.. نوفمبر القادم    حين يتحدث النص    نزع السلاح شرط الاحتلال.. وحماس تربطه بقيام الدولة الفلسطينية.. غزة على مفترق مسار التفاوض لإنهاء الحرب    النسور.. حماة البيئة    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    دعم قانوني لرواد الأعمال    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    عبر أكبر هجوم جوي منذ بداية الحرب.. روسيا تستهدف مواقع في كييف    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية: من الربيع إلى العاصفة
نشر في الحياة يوم 08 - 06 - 2013

لعل المصطلح الأكثر شيوعاً منذ عامين، والذي تردد من باب التهويل والتخويف في الداخل السوري وخارجه، هو أن الحريق في سورية سيشعل حرائق في المنطقة، وربما في العالم، وسيكون من الصعب السيطرة عليها. واستخدم هذا المصطلح بخبث شديد من قبل أطراف عدة تبدو من حيث الظاهر متناقضة فيما بينها لكنها متفقة من تحت الطاولة، لتبرير مواقف متطابقة مما يحدث في سورية، سواء بالتدخل المباشر أوغير المباشر، أو لتبرير الفرجة من بعيد على المشهد السوري. وقد ازداد الأمر تعقيداً بسبب تزاحم المتصارعين على سورية وفيها بهدف وحيد هو التعمية على النضال المرير الذي يخوضه الشعب لانتزاع حريته وكرامته وإرادته وقراره وسيادته، وتصوير ما يجري في سورية على أنه حريق مذهبي وطائفي وإثني سيضرم النيران في المنطقة بأسرها، كما يدعون، بينما المشهد في حقيقة الأمر هو أن نضالاً ملحمياً يخوضه الشعب في سورية لعل رياح الربيع العربي المحمل بأريج الياسمين الشامي تبلسم الجراح الطائفية والمذهبية والعرقية ليس في سورية فحسب، وإنما بين المحيط والخليج العربي.
نخلص من ذلك للقول إن الصراع الحقيقي في سورية وعليها يدور بين «إرادتين» لكل منهما عوامل داخلية وخارجية، الأولى تهدف إلى إحراق سورية، ونشر الحرائق في الجوار العربي والإقليمي، والثانية تهدف إلى نشر رياح ربيع الحرية والكرامة في سورية، ومن ثم انتشارها في المحيط والمركز العربي. والصراع حاد وحاسم بين الإرادتين، فحوامل إرادة الحريق لا توفر سلاحاً ولا فتنة ولا دسيسة إلا وتستعملها في هذا الصراع المصيري، بينما الحامل لإرادة الربيع والحرية، وهو الشعب، يخوض هذا الصراع على سجيته، وقد بدأه وهو شبه أعزل من أدوات الصراع، لا تنظيم ولا أحزاب ولا سلاح، بل على العكس من ذلك يتعرض هذا الشعب منذ اللحظة الأولى للتشويه والاختراق ونشر مشاهد للنيل من نبل المقاصد والتضحيات، إلى درجة اتهامه بأنه ينفذ مؤامرة خارجية، لكن هذا الشعب، وعلى مدى أكثر من عامين أفشل محاولات التشويه واختلاق أحداث سلبية ذات طابع طائفي أو مذهبي أو عرقي أو حتى إجرامي، فظلت تلك الأحداث هامشية، تحدث عادة على هامش أي ثورة في التاريخ البشري، خصوصاً إذا طال الصراع لفترات زمنية مديدة، يضاف إلى ذلك في المشهد السوري تعدد القوى المتدخلة وتناقض أجنداتها ومحاولات اللعب على النسيج الاجتماعي في سورية، وتصوير ما يجري بأنه مجرد مؤامرة خارجية، خصوصاً أن القوى الإقليمية والخارجية تملأ الفضاء ضجيجاً في تبرير التدخل، أو النأي بالنفس، وكأن هذه الجهة الخارجية أو تلك هي التي تصنع الحدث.
إن القول الفصل في ذلك كله يتوقف على عملية الفرز البالغة الأهمية في هذه المرحلة بين الذين يريدون إحراق سورية والمنطقة بأسرها، والذين يخوضون معارك ملحمية لانتزاع الحرية والإرادة والقرار ليزهر الربيع العربي في سورية، ومن ثم بين المحيط والخليج.
إن نقطة الانطلاق في عملية الفرز تلك تعتمد على عنصر الهوية، فالذين يسعون إلى إضرام الحرائق يشهرون هويات طائفية ومذهبية وعرقية، بينما الذين يناضلون لربيع عربي في سورية ينطلق منها بين المحيط والخليج يشهرون الهوية الوطنية التي يتم التأسيس عليها لمواطنة متساوية بين جميع المواطنين، لا فرق بينهم على أساس من دين أو طائفة أو مذهب أو عرق أو جنس أو لون أو منطقة. فالذين يعملون على إحراق سورية، ومن ثم امتداد الحرائق إلى الجوار العربي يصرحّون علناً، ومن دون مواربة، بوجود صراع دموي تاريخي بين طوائف ومذاهب وأعراق في سورية يعتقد كل منها أنه المظلوم الوحيد، وأن جميع الآخرين ظالمين، على مبدأ الفرقة الناجية، ولكل من تلك القوى ما يكفي من المفتين بتكفير الآخر وتسفيهه والتحريض على قتله، ولهؤلاء امتداداتهم الخارجية في المحيط العربي، وبالتالي إذا نجحوا في تدمير النسيج الاجتماعي في سورية، فإن ذلك سيمتد إلى المحيط العربي، وهذا ما يعبرون عنه بالحرائق التي ستتجاوز حدود سورية، هذا الحريق الذي يسعى له البعض بحسن نية أو سوء نية، لا فرق، ونحن هنا لا نتحدث عن مؤامرة، وإنما عن مواقف معلنة قديمة وحديثة أعلنتها الحركة الصهيونية منذ أكثر من قرن، وأعادت تأكيدها من خلال وثيقة «استراتيجية إسرائيل في الثمانينات»، التي رسمت حدود الدول الطائفية والدينية والعرقية كضمان استراتيجي وحيد لوجود إسرائيل، وإذا كنت أشير إلى ذلك الآن، فلا أتحدث عن مؤامرة، لكن للإشارة إلى أن كل ممارسة طائفية أو مذهبية أو عرقية تلتقي من حيث النتيجة مع الاستراتيجية الصهيونية، أدرك الممارسون لها أم لم يدركوا ذلك، يستوي في ذلك الذين يمارسونها في عصبويات السلطات الاستبدادية مع الذين يمارسونها على التضاد في قاع المجتمع، فلا توجد طائفية أو مذهبية أوعرقية خبيثة، ولا توجد في المقابل طائفية أو مذهبية أو عرقية حميدة، فالطائفية والمذهبية والعرقية خبيثة إطلاقاً أياً كان مصدرها.
في المقابل نجد أن الذين يناضلون لانتزاع الحرية والكرامة والقرار يعلنون غائيتهم أيضاً ببناء دولة ديموقراطية حرة ذات سيادة تحقق العدالة والمساواة وتصون الحقوق الأساسية للمواطنين، وهو ما يعبرون عنه بسورية دولة حرة لجميع أبنائها على قدر واحد من المساواة والعدالة، وأنهم يرفضون الاستبداد، ويرفضون في الوقت ذاته كل ما يهدد النسيج الاجتماعي، كما يرفضون التبعية للخارج الإقليمي والدولي، الغربي منه والشرقي، هؤلاء يعتمدون هوية المواطنة المتساوية العادلة بين جميع أبناء الوطن.
فما هي الهويات التي تنتج الحرائق والخراب في سورية والوطن العربي؟
وماهي الهوية التي تنتج الربيع والحرية والكرامة والتقدم في سورية والوطن العربي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.