على مدى شهرين، جاب الشاب عبد الرحمن العمار، مدن المنطقة الشمالية وهجرها، متسلحاً بكاميرته، لم يترك بادية أو صحراء إلا وجابها، أو وادياً إلا ووثقه، بحثاً عن لقطات لمعشوقته منذ طفولته، أي الجمال العربية الأصيلة، التي أصر هذا الشاب الذي لم يجتز ال27 من العمر، على تصوير كل جزئية من جزئيات حياتها، من أجل نقلها في فيلم توثيقي إلى المشاهد الأميركي، في فيلم أنجزه أخيراً، بلغت مدته 40 دقيقة. أنصت عبد الرحمن، إلى العشرات من كبار السن ومربي المواشي، ودوّن عشرات القصص والحكايات والمواصفات للإبل «الأصيلة» في بوادي المنطقة الشمالية، وبخاصةً في مدينة عرعر، وذلك من أجل «تعريف المجتمعات الغربية، والأميركية تحديداً، بأبرز البيئات العربية، وأقدمها، التي ما زالت تعتمد على تربية الجمال، على رغم التقدم المدني والحضاري التي تشهده المملكة، خصوصاً ان تربية الجمال والاهتمام فيها يُعد من أبرز الهوايات والمهن التي ما زال سكان المملكة في مختلف المناطق، متمسكون فيها» على حد قوله. وبدأ العمار في جمع معلومات مختلفة، مستنداً إلى اللغة الإنكليزية، التي يمتهن تعليمها في إحدى مدارس المملكة، للحصول على معلومات علمية. كما استند إلى دراسات وكتب مختصة في هذا الجانب. ولم يغفل العمار كبار السن المختصين في تربية الجمال، «للإفادة من خبراتهم الطويلة في كيفية التعامل مع الجمال وترويضها بالطرق المحلية، خصوصاً ان الفيلم يقارن بين الأنواع المختلفة من الإبل، ويعرض مشكلاتها في الطرقات، وكذلك قصص لأناس تعلقوا بالجمال، إلى درجة البكاء عند فقدها، أو تعرضها إلى مكروه». وقال العمار ل«الحياة»: «بدأت العمل على إنتاج هذا الفيلم الوثائقي لمدة جاوزت الشهر، من خلال بلورة فكرة الفيلم، وتصويره، وإنتاجه، إذ بدأت في تجميع المقاطع المصورة التي تتحدث عن الإبل في بدايتها، وبعد أن انتهيت منها، ذهبت إلى الموقع، من أجل التصوير، الذي كنت أبدأه في السابعة صباحاً، لمدة ساعتين، ثم أعود لترتيب المقاطع من جديد». وأضاف «كتبت في ورقة كل معلومة سمعتها عن الإبل وحياتها ممن التقيتهم، كما جمعت معلومات من مواقع إلكترونية موثقة. وبدأت أرتب النص ترتيباً جيداً، حتى يكون متسلسلاً ومفهوماً، قبل أن ابدأ من جديد في كتابة السيناريو، وترتيب المشاهد». وواجه العمار صعوبات في تجميع المقاطع، لأن «بعض المعلومات التي جمعتها يصعب الحصول على مقطع يتحدث عنها. واستغرق البحث في المقاطع نحو 15 يوماً، وبعد جهد كبير حصلت على جميع ما كنت أريده. إلا أنني واجهت مشكلة أخرى، وهي إدخال التعليق على المقاطع بصوتي، وهذا عمل مُتعب جداً، لأنه يحتاج أن تقف وتُسجل الصوت، ثم تدقق إن كانت هناك أخطاء في عملية الدمج، واستغرق مني ذلك نحو أسبوعين، حتى تمكنت من إتمام العمل في شكل تام». وعن أهداف هذا الفيلم الوثائقي، يقول: «هناك جملة من الأهداف، تقف وراء إنتاج هذا الفيلم، أولها نقل واحد من أبرز معالم المملكة، إلى الآخرين، الذين يجهلونه، في ظل ما تتميز بها بلادنا من الصحاري الكبيرة، والتي تعد بيئة ممتازة للجمال، إضافة إلى نقل سمعة جديرة بالاحترام عن الشعب السعودي، خصوصاً في ظل تزايد الحديث من جانب الآخرين في شبكة الإنترنت، عن أن السعوديين لا يمكن أن يقوموا بأي شيء مفيد. كما أنني سعيت إلى توثيق العلاقة بين الشعبين الأميركي والسعودي، وإعانة الطلاب المبتعثين على تقديم بحوث علمية عن معالم المملكة في الجامعات الأميركية، من خلال هذا الفيلم الوثائقي». وحول أسباب تقديمه الفيلم باللغة الإنكليزية، وهو يرتدي الزي البدوي، والنظارة الشمسية، قال: «اللغة العربية هي لغة العرب، وهم يعرفون الجمل وحياة الصحراء جيداً. لذلك هم ليسوا في حاجة إلى هذا الفيلم الوثائقي. أما بخصوص الملابس، فهناك هدف مهم، وهو تناسق الزي مع فكرة الفيلم. كما ان المجتمع الغربي يعرف لباس البدو في الصحراء، لأنهم يهتمون بكل شيء غريب عليهم، ويكون صادراً من خلفية ثقافية معينة، حتى في اللباس». بدأ بكاميرا «الجوال» وانتهى بتجهيز استوديو منزلي لا تقتصر إنتاج عبد الرحمن العمار، في الأفلام الوثائقية على الجمال، فلقد أنتج عدداً من الأفلام والمقاطع، التي يعتقد أن بإمكانها «مساعدة الآخرين من خلالها، إذ قمت بإنتاج أفلام عدة، جميعها باللغة الإنكليزية، ومنها تعليم اللغة الإنكليزية بأساليب تعليمية حديثة». وأضاف «إمكاناتي ضعيفة جداً، فلقد كانت بداياتي عبارة عن تصوير الأفلام بجهاز الجوال، إلا ان تطورت تدريجياً، وقمت بشراء كاميرا مختصة، وجهزت استوديو بسيطاً في منزلي». ويتمنى ان تكون هناك «جهات رسمية أو أهلية تدعمني في هذا المشوار الذي لا يخلو من أهداف وطنية».