شاءت الظروف أن أكون في الملحقية الثقافية السعودية بأميركا العام الماضي، فينالنا شيء من الفوضى الإلكترونية المصاحبة لعملية الالتحاق ببرنامج خادم الحرمين الشريفين نتيجة تحديث النظام الورقي بنظام آلي جديد، أضف إليه بعض القصور الذي لم أتردد في الإشارة إليه في هذه المساحة، ولأن من نصيبي أن أشهد الفرق بنفسي هذه السنة، فحدث أن كنت في الملحقية الثقافية بواشنطن لهذا العام أيضاً، وأستطيع القول إن الاختلاف بين الأمس واليوم كان - للأمانة - شاسعاً، وأقصد به التغيير نحو الأفضل، وتلحظه في تحري التنظيم منذ بوابة دخول الملحقية إلى البوابة الإلكترونية لإدخال المعلومات والمستندات المطلوبة في الداخل، ما يبعث على الأمل والفخر، فإن ضبطتنا اللحظة لا نزال نتكلم عن الأمس، فمعناه أننا لم ننجز بعد ما يفوق ويتعدى ما حققناه بهذا الأمس، ولكن - وكما يبدو - فقد تجاوزنا التقصير القديم، وانتقلنا بمنتجنا السعودي إلى خطوات أبعد وأجدد، وهي ليست بالمسألة السهلة بسبب تشابك أطراف برنامج الابتعاث، وتداخل عناصر العملية التعليمية والإدارية والمالية ببعضها البعض، ومع ذلك فالتقويم وصرف الجهد والوقت لإظهار النتائج المحققة، من أهم أدوات التطوير عادة. وبالمناسبة، من يعمل - وبخاصة في المجال التعليمي - ليس كالمطلع من بعيد، لحجم ما يصادف المسؤول في موقعه على مدار اليوم من صعوبات وتحديات عالقة فيحاول تفكيكها وتسويتها، فإن حُلت، وإلاّ نسي الناس ما سوِّي أمره وتذكروا ما يزال في الانتظار، وهي ثقافة محبطة بأية حال، فمن حق الاجتهاد التشجيع أولاً، ثم التنويه إن لزم التنويه ثانياً، فلا مجال لغموض ومجاملات تكون على حساب آلاف خرجت للتعلّم، ولكن لا مجال كذلك لتضخيم النقد. حين يتزايد عدد المبتعثين والمبتعثات من 7500 طالب وطالبة في عام 2007 إلى 85 ألفاً لعامنا هذا، فنحن بصدد ارتفاع يصل إلى أكثر من 77 ألف نسمة بكل ما يتطلبه انتقالهم التعليمي والإنساني من الوطن، وتوزيعهم بملفاتهم على الجامعات الأميركية بمختلف الولايات وبمختلف القوانين، ولا عجب إن ثبت بالقياس أن ملحقيتنا الثقافية بأميركا هي الأكبر على مستوى العالم بامتدادها الجغرافي والعددي، ولك أن تتصور الكادر الكبير الذي يدير هذا الصرح الكبير. ولنستعرض بشكل سريع وغير منصف للشرح والاستفاضة بعضاً من أرقام تشعر معها بالأمان بحق، فماذا بعد 10 أطباء مبتعثين في عام 2007 إلى أن وصل الطموح إلى 1500 طبيب وطبيبة في مجال الطب البشري في عام 2012؟ ماذا عن 600 غيرهم في طب الأسنان؟ و400 في الصيدلة؟ و400 في التمريض؟ وأكثر من 157 اتفاقاً مع كليات طب أميركية لاستيعاب طلبتنا؟ ماذا عن 200 نادٍ طلابي سعودي، بعد أن كانت منذ خمس سنوات مضت لا تزيد على 21 نادياً فقط؟ ماذا عن التحاق أبنائنا وبناتنا بأعرق الجامعات وأصعبها قبولاً كجامعة «هارفارد»، ليبدعوا في تخصصاتهم الصعبة كالعلوم الوراثية والعصبية، غير علم إدارة الكوارث الذي تفتقر إلى تعلُّمه جميع الدول العربية بلا استثناء. ولأنه لا مجال للإلمام بكل شيء ولا بالتوسّع في برنامج، كالتميّز وبراءات الاختراع التي سُجل منها إلى اليوم 12 براءة اختراع غير 200 براءة قدّمها أصحابها وينتظرون تسجيلها بعد الفحص والتمحيص، ولأن الكتابة غير رؤية العين والمشي في أقسام العلوم الطبية بالملحقية وأروقة العلوم الأخرى، بالشعور الذي ينتابك بالهاجس الذي يسري، إن لم يكن هذا المكان يمثل البيئة التي يمكن أن تخرِّج لنا المتعلِّم المنتج، البيئة القادرة على خلق أنظمة وإيجاد خدمات تستجيب للاحتياجات ولحل المشكلات، فعن أية بيئة ترانا ننشد؟ لذا تجدني لم آتِ على ذكر ما دون الإيجابيات، لأنك في حضرة الإنجاز تخجل أن تصغر بنظرتك فيتربع الناقص في بؤرتها وهو محدود وغير مرئي على الكامل، وهو واضح ومُفرح لكل محب، وكما قالها الملحق الثقافي بواشنطن الدكتور محمد العيسى، هو بالفعل مشروع عبقري لرجل عبقري، أدام الله علينا عبقرية ملكنا، وأمد في برنامج ابتعاثه لما بعد المرحلة العاشرة. [email protected]