يحتمل موقف دول منظومة مجلس التعاون الخليجي من الأزمة ِالسورية تفسيرات متعددة، وبخاصة لجهة اصطفاف هذه الدول في المقلب المعادي للنظام السوري وحرقها لكل مراكب العودة إلى موانئ التصالح.وتدرك دول مجلس التعاون أن موقفها يحمل في طياته نوعاً من المخاطرة، انطلاقاً من معرفتها لشبكة العلاقات المعقدة التي ينطوي في إطارها النظام السوري، والتي لا تقتصر على الدول والجهات المعلومة، بل تمتد أذرعها واستطالاها إلى داخل مكونات بعض مجتمعات الإقليم. غير أن الملاحظ أن الأزمة السورية جاءت في ظل ما يمكن أن يسمى «مرحلة النهوض الخليجي»، والتي عبرت عن نفسها من خلال سعي دول هذه المنظومة إلى إعادة تعريف دورها الإستراتيجي بما يتضمنه من إعادة تقويم للمكانة الجيوإستراتيجية في إطار البيئة الدولية المتغيرة، وما يتطلبه هذا الأمر من استعدادات وتجهيزات مواكبة. ومما لا شك فيه أن نواة هذه التوجهات كانت قد أسست لها جملة معطيات شهدتها البيئة الإستراتيجية لمنظومة دول مجلس التعاون، وقد وفر التحدي الإيراني الناهض الغطاء الشرعي والمحفز الأساسي لمثل هذا المتغير، حيث بدا الموقف الخليجي وكأنه استجابة للتحدي الوجودي الذي تفرضه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها قوة متطلعة لأن تتحول إلى إمبراطورية نفطية تتحكم بإنتاج النفط وطرق تصديره تحت خيمة سلاحها النووي، ما يتوافق مع خطوط حلم الإستراتيجية الإيرانية في اتجاه الخليج. وهناك تراخي القدرة الأميركية في المنطقة، وتراجع الاهتمام الإستراتيجي الأميركي بها، بسبب الضعف الذي أصاب بنية وهيكلية القوة الأميركية ولم يعد خافياً على العيان. ومن الطبيعي أن دول الخليج، وحتى تستطيع أن تصبح لاعباً مؤثراً في المنطقة، تحتاج، إضافة إلى تجهيز البنى والتشكيلات الإستراتيجية اللازمة، إلى توضيب المسرح الإستراتيجي المناسب لعملها بما يتضمنه ذلك من خلق فضاء واسع لتحركها ونفوذها. هنا تبدو سوريا مكسباً إستراتيجياً خليجياً مهماً ومؤثراً، لما تتيحه جغرافية هذا البلد من إطلالات مهمة على البر التركي وإشراف إستراتيجي على لبنان وتماسّ مع إسرائيل، فضلاً عن تشكيله نصف دائرة تطوق العراق وتتلامس معه في ثلثه السني، مما يشكل معادلاً موضوعياً صاداً ومانعاً للجيب الإيراني في العراق، ناهيك عن الأهمية الديموغرافية السورية حيث يزيد عدد السكان عن 24 مليون نسمة. ولا شك في أن بقاء نظام الأسد، في توجهاته الحالية تحت عنوان التحالف مع طهران، ومن هنا بات الموقف الخليجي واحداً من عناصر الأزمة السورية، وسيكون واحداً من ميكانيزمات حلها. * كاتب فلسطيني