اذا كنت ممن يعانون الحرص البالغ على صحتهم دونما داع، فإنك من ضحايا "المراق". ذلك الوسواس المرضي الذي لا بد من التعامل معه بجدية لأنه اشارة واضحة الى الاضطراب العاطفي الانفعالي الذي يتطلب مساعدة الاخصائيين للكشف عن الأسباب الحقيقية التي تكمن وراءه وطريقة التعامل معها على أمل علاجها. وتلعب الخلفية العائلية المتشددة في الامور الصحية دوراً أساسياً في التأثير على الاطفال ودفعهم الى حافة المراق. كما ان تعرض احد الوالدين او الجدين لأمراض مستعصية او وفاة الأقارب في مراحل مبكرة من العمر، تؤثر عميقاً في مراحل نمو الاطفال فتراهم يكبرون وفي قلوبهم خوف ورهبة من المرض او الموت. وهذا يشكل عاملاً مهماً في بروز الوسواس المرضي. وهنالك عامل سطحي آخر يتلخص في الاهتمام الزائد باللياقة البدنية اذ يكرس الانسان وقتاً طويلاً لممارسة الألعاب الرياضية. وكلنا يعلم ان هنالك حدوداً للطاقة البشرية وللوقت الذي يمكننا صرفه في حدود قدراتنا الجسدية. يصاحب المراق عدد من الامراض النفسانية الاخرى وفي طليعتها حالات القلق التي يخيل للانسان خلالها ان شيئاً قد حدث او سيحدث. ويؤدي ذلك الاحساس بدوره الى التأثير على وظائف الجسم فيزداد خفقان القلب وسرعة التنفس وتصبب العرق، خصوصاً في الكفين وتحت الأبطين. ويصاب البعض بفقدان الشهية للطعام، بينما تزداد عند البعض الآخر بشكل كبير. وقد يصاب المريض بالامساك او القبض او الاسهال، او يحدث خلل في نظام النوم فينتابه القلق والأرق. اما عند النساء فقد يؤدي القلق الى اضطرابات في الدورة الشهرية وحسن انتظامها. ومن المؤسف ان مرضى المراق يركّزون على الاعراض التي يتسبب القلق بها ويظنون ان مصدرها قد يكون مرضاً خطيراً يخشونه، كالسرطان او مرض القلب. وتعتبر حالات الاكتئاب من العوامل المساهمة ايضاً خصوصاً تلك التي تظهر اثر وقوع احداث أليمة مزعجة تصيب المريض نفسه او احد اقاربه وأحبابه. وكذلك حالات انتهاء العلاقات الحميمة التي تؤثر على وظائف الجسد فتصيبها بالاضطراب بشكل مفاجئ، وتستمر على ذلك الحال لفترة طويلة يزداد معها الشعور بالقلق والكآبة. اما في حالات الكآبة الشديدة فإن المريض يبدأ بتصور الأوهام، كاحتمال اصابته بمرض السرطان لدرجة بالغة تصبح فيها الأوهام وكأنها امر واقع وحدث صادق بالنسبة الى المريض، فيقتنع بأنه مصاب فعلاً بمرض السرطان ولا يمكن لأحد اقناعه بعكس ذلك. ومن العوامل الاخرى المصاحبة للمراق ايضاً حالات الوسواس والهوس او الهستيريا. اما الوسواس فقد يكون مصدره محيط الأسرة او ربما كان متوارثاً تتولد للانسان خلاله افكار ثابتة بأن هنالك خلل قد اصاب الجسد، فيأخذ باجترار تلك الأفكار وتنتج عن ذلك طقوس ترتبط بالأرقام كلمس مقبض الباب ست مرات قبل فتحه، او غسل اليدين ثلاث مرات كلما صافح المريض انساناً آخر. وقد جسّد هذه الطقوس فيلم سينمائي اسمه As good as it gets حيث يلتزم بطل الفيلم بأرقام معينة اثناء فتح الباب او الدخول الى الشقة او غسل اليدين او اثناء المشي والمصافحة والجلوس وما الى ذلك. وفي حالات اخرى يصاب الانسان بوسواس مرض معين له علاقة بشعور دفين بالذنب مرتبط بأحداث ماضية. وقد تكون حالات الهيستيريا او الهوس متوارثة تظهر بوضوح عندما يتعرض المريض للضغوط الاجتماعية او الصحية، فينتابه شعور مبالغ فيه بأنه فقد السيطرة على الامور، وان اي مرض او علة او اعراض بسيطة تصيبه ستشكل خطراً على صحته وربما هددت حياته. ويظهر المراق ايضاً في بعض حالات الاضطراب النفسي، كالفصام العقلي والكآبة الممسوسة، فيتصور المريض اشياء غريبة تدعو الى السخرية، كوجود المئات من الحشرات الزاحفة فوق جسدة الذي يتآكله العفن والآخذ في التورم تارة والتقلص تارة اخرى. وقد يؤدي الاهتمام الزائد في وظائف الجسم واعضائه الى مراجعة قاسية للضمير وتحليل ذاتي مؤلم يقود المريض الى الانطواء والعزلة التامة عن كل الأنشطة الخارجية. كما ينشأ لدى بعض المصابين بأمراض نفسانية، ممن يتعرضون لحوادث مؤلمة، اعتقاد ثابت بأن آلامهم واصاباتهم قد تتسبب لهم بعجز دائم او اعاقة مستديمة على الرغم من شفائهم التام منها. اعراض المراق اذن كثيرة قد تأتي مفردة او مجتمعة، ولكنها في اغلبها تدور حول خلل ما في الجسم. من هنا كان لا بد للأطباء والاخصائيين من معاملة مرضى المراق معاملة خاصة لا يختلط فيها الخيال بالواقع، وكان لزاماً عليهم التحلي بالصبر والتأكد مما اذا كانت الاعراض التي يشكو منها المريض حقيقية فيقوم بعلاجها، او نفسانية تستوجب معاملة خاصة تحت اشراف ذوي الخبرة في هذا المجال. ومعالجة مرضى المراق صعبة للغاية نظراً الى القناعة التامة لدى المرضى بأنهم يعانون من امراض خطيرة، ربما كانت خبيثة، وان الطبيب المعالج يحاول اخفاء الحقيقة عنهم. كما انهم لا يقبلون اية تطمينات ولا تنفع معهم المهدئات او الأقراص المضادة للكآبة. ولا بد احياناً من قبول حالات المراق المستعصية كواقع على المرضى وأقاربهم واصدقائهم وحتى اطبائهم. فمع مرور الزمن قد تتغير الأوضاع المعيشية للمريض وتتحسن اموره النفسية بشكل يخفف من وطأة الوسواس المرضي ويفرج الكرب. تجدر الاشارة الى ان مرض المراق لا يقتل احداً، ولكن عندما تكون حالات الكآبة عميقة جداً يتحسن اخذ الاحتياطات لتفادي احتمال اقدام المريض على الانتحار.