تشتد الضغوط على رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في الداخل والخارج بسبب ارتفاع شعبيته من جهة وحزمه في معالجة المشكلة الشيشانية من جهة اخرى. وكانت لوحة الانتخابات الرئاسية لعام 2000، في تصورات وسائل الاعلام الروسية، قبل شهرين كالآتي: بريماكوف - زوغانوف - لوجكوف - يافلينسكي - جيرينوفسكي. وهي اليوم: بوتين - زوغانوف - بريماكوف. علماً بأن رئيس الوزراء يتقدم الجميع شوطاً بعيداً، فيما يتخلف بريماكوف ثلثي المسافة التي كانت له سابقاً. أما حليفه محافظ موسكو يوري لوجكوف فقد تراجع في استطلاع الرأي العام لدرجة أسقطته من القائمة. ومهما كانت صحة هذه التوقعات فإن معركة ضارية تجري في روسيا الآن عشية الانتخابات البرلمانية 19/12/1999 التي هي بروفة تجريبية للانتخابات الرئاسية. واذ تتصاعد حملة التشهير بزعيمي حركة "الوطن الأم - كل روسيا" بريماكوف ولوجكوف كون حركتهما هي المرشحة للفوز بعدد كبير من مقاعد البرلمان الجديد، تأتي شعبية بوتين المذهلة رغم عدم اشتراكه في الانتخابات البرلمانية لتصب الزيت في أتون الصراع. وكالعادة تشغل الاشاعات المرتبة الثانية بعد "وثائق" التشهير، وربما الأولى بين الوسائل المستخدمة في اللعبة القذرة. وتقول احدى الاشاعات نشرتها أمهات الصحف الروسية مثل "الازفستيا" - 400 ألف نسخة ان يلتسن قطع اجازته بعد قصف العاصمة الشيشانية غروزني بالصواريخ الباليستية وانفجار الموقف في معبر اللاجئين على الحدود الشيشانية - الانغوشية، حيث أرسل وزير الطوارئ سرغي شويغو الى هناك لتدارك الأمر، وتأسيساً على ذلك سيطيح يلتسن رئيس وزرائه بوتين لمغالاته في "إبادة الارهابيين" مع القرى التي يتواجدون فيها والأهالي الذين يتخذونهم درعاً واقياً من القصف الروسي، ويعين بدلاً عنه السيد شويغو منقذ الأهالي العزل من الويلات. وقد كذب وزير الطوارئ هذه الاشاعة. وعلى الصعيد الخارجي صمد بوتين حتى الآن امام الضغوط الغربية ولم يأخذ بنصيحة الرئيس بيل كلينتون، في قمة أوسلو، للتفاوض مع الجانب الشيشاني. وكلما تعالت الدعوات من العواصم الأوروبية لوقف الحرب في الشيشان كلما ازداد استحسان المجتمع الروسي لتدابير بوتين الجريئة. وفي المقابل يزداد قلق السياسيين الروس الطامحين الى تسنم منصب رئيس الجمهورية. وفي هذا السياق تأتي الاشاعة الصارخة الثانية التي تتحدث عن خطة وضعت في موسكو لإطاحة بوتين ونسبت الى محللين سياسيين من مؤيدي بريماكوف انهم يتصورون ان الفرصة الوحيدة لتسلم الأخير مقاليد الحكم هي عزل الرجل الثاني في الدولة الروسية حالياً، وهو أمر لا يقوى عليه إلا الرجل الأول سيد الكرملين بوريس يلتسن. ويلتسن من جهته لا يرغب في إجراء كهذا، لا سيما ان "العائلة" لا ترغب فيه ايضاً، في الوقت الراهن على الأقل. ولا يبقى أمام واضعي الخطة سوى التأثير على يلتسن من خارج البلاد، لا سيما ان واشنطن متخوفة من نجاحات بوتين في السيطرة على الشيشان، مما يعزز مواقف روسيا كثيراً ليس في القوقاز وحده بل وعلى الصعيد العالمي أيضاً. وكانت الضغوط الغربية على روسيا لحملها على خوض "حرب مهذبة" في الشيشان قد بدأت منذ فترة ترافقها محاولات في الداخل لوقف العمليات الحربية والجلوس الى طاولة المفاوضات. وبهذا المعنى تتوافق المصالح التكتيكية الانتخابية لخصوم الكرملين في الداخل وبخاصة ائتلاف بريماكوف - لوجكوف مع المصالح الاستراتيجية لخصوم روسيا الغربيين. وادعت جريدة "نيز افيسمايا" الصادرة في موسكو انها تلقت معلومات سرية حول لقاءات، سرية ايضاً، جرت مع الاميركيين وتقرر فيها ان تطرح الدول الغربية التي ستشارك في قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في اسطنبول 18 - 19 الشهر الجاري مطلباً شديد اللهجة على يلتسن يتلخص في وقف الحرب في الشيشان أو إقالة بوتين فوراً، ويرى واضعو الخطة، كما تقول الجريدة، ان بريماكوف لا بد ان يحظى بالتفضيل عند الغرب كونه أكثر اتزاناً واعتدالاً وأقل شراسة من بوتين. وان الغرب لا بد ان ينذر روسيا في القريب العاجل: فإما المفاوضات مع الزعماء الشيشانيين وإما العودة الى عهود الحرب الباردة. ويتوقع المحللون الموالون لبريماكوف ان النخبة السياسية الروسية غير مهيأة للحرب الباردة أو العودة الى الستار الحديدي ولذا ستوافق على التضحية برئيس الوزراء الحالي بوتين وقبول بريماكوف الذي يرضي جميع الأطراف. ولهذا الغرض، على ما يبدو، توجه كبار منظري كتلة "بريماكوف - لوجكوف" ايغور مالاشينكو وسرغي ياستر جيمبسكي الى البلدان الأوروبية، وفياتشيسلاف نيكونوف وسرغي كاراغانوف الى الولاياتالمتحدة. وفي برنامج الأخيرين لقاء مع وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ونائبها ستراوب تالبوت وغيرهما من المسؤولين عن رسم السياسة الاميركية تجاه روسيا. وهدف الزيارة، كما تقول بعض المصادر، استمالة الاميركيين لتأييد بريماكوف في الانتخابات الرئاسية العام 2000 والمساعدة عملياً في تحقيق الخطوة الأولى في هذا الطريق وهي إطاحة بوتين. والمعروف ان الغرب لم يكن يميل يوماً الى بريماكوف، فهو في اعتقاده زعيم سوفياتي مخضرم، لكن الغرب لا يخشاه ولا يخافه، لاعتداله ولينه، خلافاً لبوتين الذي لا يأتمنه لتشدده ومغالاته. ثم ان بريماكوف في السبعين، ويمكن التعامل معه على أية حال، فيما لا يزال بوتين شاباً متعنتاً لا يفرط باستقلاليته.