أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    قمة عادية.. في ظرف استثنائي    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    الاتحاد في مأزق الخليج.. نقاط الأمان تشعل مواجهة الوحدة والرائد    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    صفُّ الواهمين    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    أمير تبوك: ليالي الحصاد والتخرج من أسعد الليالي التي أحضرها لتخريج أبنائي وبناتي    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    71 فناناً وفنانة في معرض «كروما» بجدة    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأمن المجتمعي    معاً لمستقبل عظيم !    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    بوتين يصل إلى الصين في زيارة «دولة» تستمر يومين    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    دعوة عربية لمجلس الأمن باتخاد إجراءات سريعة توقف العدوان الإسرائيلي    شتلات شارع الفن    خارطة طريق سعودية - أميركية للتعاون في مجال الطاقة    السعودية مثال يُقتدى    في قمة مواجهات الجولة 32 من «روشن».. ديربي الرياض بروفة نارية لنهائي كأس الملك    توثيق من نوع آخر    خطوة جادة نحو رؤية وزارة الرياضة    القيادة تهنئ رئيس الباراغواي ورئيس وزراء سنغافورة    «حلبة النار»… النزال الأهم في تاريخ الملاكمة    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    باكوبن والدقيل يزفون المهندس محمد    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    وزير الاستثمار: الاقتصاد السعودي الأسرع نموا وجاذبية    طريق الأمير محمد بن سلمان.. أهم مسار لتنقل الحجاج    خادم الحرمين الشريفين يصدر عددا من الأوامر الملكية    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    السفير الإيراني يزور «الرياض»    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    5 منافذ في الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج    «الداخلية» تطلق ختماً خاصاً للمستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في سباق للمجد.. الجمعة    «نافس».. منافع لا تحصى لقياس الأداء التعليمي    نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    جامعة الأميرة نورة تُنظِّم مؤتمر لترجمة الهُوية السعودية عبر اللُّغات والثقافات الأخرى    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الحسن عبدالله يس عضو مجلس الرئاسة السوداني السابق تحدث ل"الوسط" : هذه أسباب خلافي مع الميرغني والهندي وقصتي مع حكومة البشير
نشر في الحياة يوم 20 - 07 - 1998

بلغ القطب الاتحادي السوداني محمد الحسن عبد الله يس ذروة نشاطه السياسي حين اختير واحداً من الأعضاء الخمسة الذين كلفوا تسيير مجلس رئاسة الدولة إبان العهد الديموقراطي الذي سبق انقلاب الفريق عمر البشير في حزيران يونيو 1989. وأثار ردود فعل واسعة حين تقدم باستقالته من الرئاسة، وبسبب "الحرد" التي شهدته علاقته بقيادة حزبه الذي يرأسه السيد محمد عثمان الميرغني زعيم طائفة "الختمية". وقد نأي بنفسه عن العمل الحزبي حتى ظن كثيرون أنه اعتزله. وبقي مقلاً في أحاديثه الى الصحافة، إنما نشطاً في علاقاته الاجتماعية مع قادة حزبه وبقية زعماء الفصائل السودانية الذين تقيم غالبيتهم - مثله - في القاهرة.
ويمثل محمد الحسن يس ظاهرة في القيادة الاتحادية المنادية بوحدة وادي النيل. فهو "متمرد"، ولكن ليس هناك من يعتبره منشقاً. وهو على خلاف مع رئيس الحزب السيد الميرغني، ومع أمينه العام الشريف زين العابدين الهندي. وتشاء الأقدار أن تتزامن عطلتهم الصيفية التي يقضونها في لندن. وهو هنا ل "الوسط" يتحدث بصراحة عن علاقته بالميرغني والهندي، ورأيه في الصادق المهدي، و"المشكلة" داخل الحزب الاتحادي الديموقراطي.
بعد استقالتك المثيرة للجدل من مجلس رئاسة الدولة كلفت برئاسة "التجمع الوطني الديموقراطي" في الخارج... ومنذ سنوات تواريت ...
- غادرت السودان في 13 تموز يوليو 1989. ولم أكن حريصاً على المغادرة إلا لأنه لم تكن هناك قيادات لتسيير العمل السياسي في الخارج. وقد اجتهدت مع الاستاذ فاروق أبو عيسى الامين العام لاتحاد المحامين العرب في تكوين التجمع في الخارج وتوليت رئاسته. واتفقنا على تأكيد استقلال قرارنا حتى لا نرهن قضية السودان بيد قوة أجنبية. وتم خلال رئاستي للتجمع التفاوض مع العقيد جون قرنق حتى ضُمت الحركة الشعبية لتحرير السودان الى التجمع. صحيح أنه طلب ادخال تعديلات في الميثاق لتسمح له بممارسة خيار العمل المسلح. وظل مندوب الجيش الشعبي يعمل معنا في التجمع سنوات من دون أن تطالب قيادته الشماليين بقبول حق تقرير مصير الجنوب.
مثلما غادرت مجلس الرئاسة غاضباً، خرجت من رئاسة التجمع...
- مطلع العام 1993، كنت رئيساً للتجمع، والتقينا في القاهرة في منزل محمد توفيق أحمد وزير الخارجية والاعلام السابق، فقلت للإخوة إن التجمع بنظري أدى دوره بعدما نجح في فضح النظام وانتهاكات حقوق الانسان وقضية ضياع الديموقراطية. دعونا نترك خمسة قادة كبار في الخارج ليواصلوا المهمة الاعلامية التي ينبغي أن يقوم بها التجمع في المنفى، ونستأجر عدداً من الطائرات لنعود الى البلاد، مصطحبين معنا الصحافيين والمراسلين الاجانب ليشهدوا العالم على أننا عائدون لنعارض ونفرض التغيير سلماً ومقاومة من الداخل. رفضوا رأيي. التجمع مهمته انتهت عملياً. نحن الاتحاديين لم نحمل سلاحاً مطلقاً. وما أنفق على معسكرات قوات المعارضة كان يمكن أن يحدث التغيير المنشود لو أنفق على حاجات أهل الداخل.
يعتقد أنك نأيت عن المعارضة لأنك على اتصال مع نظام الخرطوم وثمة صفقة تُرتّب لاعلان عودتك الى السودان...
- حكاية الاتصالات هذه ليست جديدة. في 1990 قابلني في القاهرة الدكتور حسين ابوصالح وزير الخارجية السابق والدكتور نافع علي نافع رئيس جهاز الامن العام، وقد التقيتهما مع زميلي الدكتور أحمد السيد حمد. طلبا مني العودة الى البلاد. فقلت لهما إنني مستعد للعودة شرط أن يجتمع بي البشير فور وصولي ويعلن أمامي عودة التعددية الحزبية. رد عليّ الدكتور ابوصالح بأنه لا يملك تفويضاً لهذا. فقلت له عندما تحصل عليه عد إليّ. وإذا بعث النظام أي رسول فسأستقبله غير عابئ بردود الفعل. ليس لدي ما اتفاوض عليه من تحت المائدة.
لكن الحكومة السودانية أعلنت رسمياً أنها أعادت الى ملكيتك منزلك الذي صادرته في الخرطوم. ألا يكفي ذلك مؤشراً على ترضية تسبق صفقة؟
- أي صفقة؟ لقد أصدر النظام قراراً جاء فيه أنه تقررت إعادة الممتلكات المصادرة الخاصة بي وبالسيد أحمد الميرغني رئيس الدولة السابق ومحمد سر الختم الميرغني والدكتور أحمد السيد حمد. والحقيقة أنهم أعادوا لي منزلي لكنهم تركوه خاوياً على عروشه! تصور حتى النوافذ نزعوها، والاثاثات ومراوح الغرف! وقد عرضت علينا الحكومة تعويضاً لاصلاح منازلنا المنهوبة. أنا شخصياً رفضته.
خلافات جوهرية
الآراء التي تنسب اليك منذ بضع سنوات تختلف بشكل واضح عن السياسات المعلنة للحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يحمل اسمه الحالي منذ نجاحك في اعلان توحيد جناحيه، بعد انشقاق مرير، في دارك في الخرطوم في 1967 ...
- اين هو الحزب؟ الآن قررنا - مع مجموعة من أبنائه المخلصين - أن نعيده الى الوجود. مع خالص احترامي وتقديري للسيد محمد عثمان الميرغني زعيماً للختمية، إلا اننا غير متفقين سياسياً. بقيت ساكتاً طوال السنوات الخمس الماضية، والصمت مدة أطول سيكون جريمة لا أريد أن أتحمل وزرها.
ما اسباب خلافك معه؟
- في طريقة ادارته للحزب. مولانا لقب السيد الميرغني يجنح الى العمل الفردي، وأنا متمسك بالعمل الجماعي. وقد بقي اختلافنا هذا زمناً، وبمرور الزمن ظهرت اختلافات أخرى جوهرية. تشمل موقفينا من العلمانية ومنح السودان كله حق تقرير المصير. وأعتقد بأن تلك الفترة شهدت مزايدة سياسية وتنافساً بين الميرغني ومبارك عبد الله المهدي حزب الامة على خطب ود العقيد جون قرنق بأسرع ما يمكن. وقد بادر مولانا بالموافقة على منح السودان كله وليس الجنوب وحده حق تقرير المصير، وهذا أضرّ بقضية السودان كثيراً. ولم يعد هناك اقليم سوداني مستثنى من حق تقرير المصير سوى الخرطوم والاقليم الشمالي.
هل يفهم من هذا أن الخلاف بدأ قبل انقلاب البشير وتفاقم أثناء فترة العمل في تجمع المعارضة في الخارج؟
- نعم. الحقيقة أن الخلاف بيننا بدأ في 1985 وكان الحزب ممزقاً بين مولانا والشريف زين العابدين الهندي. كنت أزور القاهرة سراً قبل سقوط نظام الرئيس جعفر نميري، وذلك بعد قيامي بزيارة للندن أجريت خلالها بمشاركة مندوبين عن حزب الامة والحزب الشيوعي مفاوضات سرية مع ممثلي حركة العقيد قرنق. اتصل بي مولانا من الخرطوم ليبلغني بأنه يريد مقابلتي بوجه عاجل في القاهرة، فذهبت الى هناك، وتحدثنا عن موقفي داخل الحزب. فأبلغني بأن المكتب السياسي للحزب قرر تعييني أميناً عاماً. فرفضت لأني كنت أعتقد بأن الحزب منقسم، ولا بد من توحيده أولاً. وعدت الى الخرطوم وبذلت مساعي جديدة توجت بتكليف زين العابدين الهندي بتولي الامانة العامة. وجاءت الفترة من 1986 الى 1987 وهي أسوأ فترة شهدها الحزب، لأن عضوية مكتبه السياسي قفزت من 30 الى 130 عضواً. وجاءت الفترة من 1986 الى 1989 لتكون أسوأ فترة يشهدها السودان منذ استقلاله. اذ كان الأداء الوزاري لحزبنا وبقية أحزاب البلاد سيئاً للغاية. ووزراء حزبنا كانوا ضعافاً. ولم يكن الحزب موجوداً، لأنه لا وجود لحزب من دون تنظيم.
لكنك على رغم ذلك عينت ضمن الطاقم الخماسي للرئاسة الجماعية... ولم تلبث أن استقلت ...
- قضيت في مجلس الرئاسة عاماً من 1986 الى 1987. بعدما طفح الكيل رفعت مذكرة الى المكتب السياسي عن طريق الميرغني والهندي، وطلبت منهما الدعوة الى عقد اجتماع للمكتب لنناقش أداء الحزب على الصعيدين الوزاري والحزبي. أمهلتهما 15 يوماً مهدداً بالاستقالة من عضوية المكتب السياسي ومجلس رأس الدولة. جاءني الشريف الهندي طالباً أن أمدد مهلتي اسبوعاً إضافياً، فأجبته الى ما يريد. بعد مضي الاسبوع سألته ماذا فعل؟ فقال لي إنه حاول أن يجمع أعضاء المكتب السياسي في حديقة السيد علي الميرغني في الخرطوم، لكن القائمين عليها تلقوا تعليمات بإطفاء الانوار وإغلاق أبوابها العمومية. لم تكن استقالة عضو مجلس الرئاسة بحاجة الى موافقة البرلمان، فقدمتها حسب اللوائح الى رئيس البرلمان، وانسحبت. هناك أسباب كثيرة وأمثلة أكثر على عدم وجود تنظيم داخل الحزب مما قد لا يتسع المجال لذكره.
وفي الخارج كيف تفاقمت تلك الخلافات؟
- بدأ خلافنا يكبر والهوة بيننا تزيد منذ العام 1992. كنت في لندن يومها حيث رئستُ المؤتمر العام للتجمع الوطني الديموقراطي الذي أمثل الحزب الاتحادي في قيادته. وأثناء عكوفنا على الاتفاق على الملامح العامة لمشروع الدستور الذي نروم تطبيقه خلال فترة انتقالية تعقب اسقاط الحكومة الحالية، تمسكت بأن تكون الشريعة الاسلامية ضمن مصادر التشريع في الفترة الديموقراطية المنظورة. وكان الرأي الآخر تفادي الجدل الذي يثيره النص داخل التجمع من خلال ابدال عبارة الشريعة بإرداة الشعب السوداني. والحقيقة أنا أرى أن أي نص دستوري غير واضح في شأن الهوية الدينية للدولة يعني أن هذا الدستور علماني. وأنا ضد العلمانية. كذلك أنا ضد العمل المسلح لأنه لن يأتي بشيء. ولو صرفت المبالغ التي انفقت على المقاتلين في الخارج على ناس الداخل لكانوا أسقطوا النظام.
بعد انتهاء المؤتمر التقينا في القاهرة - مولانا وأنا. اختلفنا أكثر، خصوصاً على طريقة إدارته للحزب. وباعتقادي أن العمل الخارجي عمل مساعد فحسب للعمل الداخلي، وأهل الداخل هم الأكثر شقاء وعذاباً وضياعاً. نحن مرتاحون من شبح السجون والاعتقالات، لكن مواطني الداخل هم الذين يكتوون. ورسالتي اليهم أن يتحدوا من دون اعتبار لمواقف شتاتنا في الخارج. الخارج لن يعمل شيئاً. العمل الحقيقي في الداخل. هم وحدهم أحرار يحددون ما يريدون .حصل ذلك كله عام 1993. ومنذ ذلك الوقت ابتعدت عن الحزب.
قيادات حديثة العهد
لكن انتقاداتك الحالية للحزب وقيادته بقيت فترة طويلة. عودتك للحديث عنها ألا يمكن أن تفسر بأنها انشقاق جديد بعد ابتعاد الهندي عن الميرغني؟
- منذ بداية الخلاف لم أشأ أن أتزعم انقساماً لئلا أعطي النظام وقوداً ضد معارضيه، وأنا منهم. وحدثت اتصالات عدة بيني وبين مولانا السيد الميرغني الذي يحظي باحترامي الكامل زعيماً للختمية. وعرض عليّ منصب النائب الاول لرئيس الحزب. رفضت العرض لأني لا أعتد بقرارات المؤتمرات التي يعقدها الحزب في الخارج. ولم يستجب مولانا لطلباتي. والنتيجة أن هناك مكتباً سياسياً يدير الحزب حالياً يتكون من قيادات حديثة عهد بالحزب.
وهل بقيت الامور على حالها منذ 1993؟
- كتبنا - زملائي محمد سر الختم الميرغني وأمين عكاشة ومحمد توفيق أحمد وعلي أبوسن وانا وقيادات أخرى - مذكرة الى قيادة الحزب نطالب فيها بقيادة جماعية للحزب لتدرس ما آل اليه وتقرر في شأن مستقبله. أردفناها مذكرة ثانية، وثالثة أرسلناها قبل ستة أشهر ولم يصلنا رد علي أي منها حتى الآن.
ماذا تريدون؟
- نريد قيام مؤسسة حزبية سليمة وإشاعة الديموقراطية داخل الحزب والاستماع الى الرأي الآخر واستعادة شعبية الحزب وتنظيم شعب العمال والمزارعين والشباب والطلبة والمرأة. هذه القوى هي التي تضطلع بعبء إسقاط الحكومات وقد أهملها حزبنا عشر سنوات ولم يسأل عنها. لقد اعتمدنا خلال العهد الديموقراطي السابق على كبار التجار والعمد والمشائخ وزعماء الطرق الصوفية. هؤلاء - مع احترامي وتقديري لهم - يقفون معك في ساعات الرخاء وليس في أوقات الشدة. وهذا يحتم توسيع ماعون الحزب بطريقة ديموقراطية لاستقطاب مزيد من المؤيدين.
أنت على صلة وطيدة مع زين العابدين الهندي. هل يعقل أنك لم تتدخل لمحاولة التقريب بينه وبين الميرغني؟
- حاولت مراراً على مدى السنوات الثماني الماضية أن أوفق بين الرجلين لأني أريد للحزب أن يكون موحداً. الخلاف بينهما استفحل أثناء اقامتهما في القاهرة. وقد قدم زين الهندي مذكرة الى مولانا. والحق أن الهندي لم يتقدم باستقالته من منصب الامين العام كما يقول خصومه. ولكن المذكرة حوت كلاماً كثيراً غامضاً.
زين العابدين الهندي شخصية شديدة العفة والتجرد، وهو زاهد في المناصب والحقائب. لكن نهجه في العمل السياسي يختلف عن نهج الآخرين. وقد حاولت التوفيق بينه وبين الميرغني بطلب من الاخير في 1989 قبل وقوع انقلاب البشير ولم أوفق. وفي 1991 التقينا في منزل فاروق أبو عيسى في القاهرة وكان معنا الدكتور أحمد السيد حمد. لكننا لم ننجح في تحقيق الوفاق المنشود. لكن الود بيننا باق. واعتقد أنه لا ضرورة لتوجيه اتهامات للهندي بسبب موقفه الحالي من النظام، لأن كل ما يوجههه اليه من أسميهم أطفال السياسة غير مبني على أساس. فهو لا يبغى حكماً ولا مالاً ولا جاهاً. لكن يبقى أن نقول له أخطأت وأخطأت حين قبلت منصب نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ولكن الى اي مدى يحق للهندي أن يبقى على خلاف مع الميرغني الى درجة تفتيت وحدة الحزب وشق صفوفه؟
- نحن نقر بأن صديقنا الهندي "قرفان"، وله خلافات مع السيد الميرغني، لكن الاسلوب الذي ينتهجه لن يأتي بعلاج لمشاكل الحزب. ولو تقدم بمبادرة حقيقية وجادة لاصلاح الحزب لغفر له كثيرون اتصالاته مع النظام. كل المعارضين - عدا الشيوعيين - اتصل بهم النظام. لكن المؤتمر الوطني الذي قبل الهندي منصب نائب رئيسه ليس هو الحزب الاتحادي الديموقراطي.
هل يقتصر الامر على الهندي وحده؟ أليست ثمة أصوات أخرى في الداخل والخارج تغرد خارج سرب التيار الرئيسي للحزب؟
- حين أتأمل وضع حزبنا حالياً، أرى ما لا يقل عن أربعة أحزاب أو تيارات قوية في الداخل، وعلى الاقل هناك حزبان اتحاديان في الخارج أو ربما ثلاثة. وأؤكد أننا إذا توصلنا الى اتفاق مع السيد الميرغني في شأن بناء مؤسسة حزبية ديموقراطية فإن توحيد الحزب في الداخل قد لا يستغرق معنا أكثر من يومين. ومن الاشياء المهمة في عملية الاصلاح أن نتوصل الى آلية جديدة لتمويل الحزب من أعضائه، خصوصاً المغتربين. من مشكلات السياسة الحزبية السودانية أن الاحزاب الكبيرة تعتمد على قادتها في توفير التمويل.
نظام البشير يحكم البلاد منذ تسع سنوات. ألا ترى أن له أي ايجابيات على رغم موقفك المعارض؟
- لا يوجد شيء ايجابي لافت سوى أن هناك جدية ملحوظة في العمل التنفيذي في مختلف الوزارات. وهي جدية مختلفة عن أيامنا في الحكم.
كثر الحديث عن مبادرات صلح مع الخرطوم. هل هناك أمل بوفاق وطني؟
- إذا كان النظام جاداً في الدعوة الى الوفاق ومستعداً لاعادة التعددية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان فسيجد من يستجيب لدعواته. لكن إذا كان الأمر مجرد تمثيل فلن يجد معارضاً واحداً مستعداً لمسايرته.
هل صحيح أن الاتحاديين السودانيين يشعرون بالغيرة من تحسن العلاقات بين رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي ومصر؟
- تحسن تلك العلاقة خطوة ممتازة يمكن أن يفيد منها السودان في المستقبل. وقد لعب الصادق دوراً كبيراً في تغيير طبيعة العلاقات بين حزبه ومصر، مثلما لعبنا نحن في الحزب الاتحادي الديموقراطي دوراً كبيراً في إقناع القاهرة باستضافة مبارك عبد الله الفاضل بعد وقوع انقلاب البشير.
ماذا يريد السودانيون من مصر؟ ألا يزال شعاركم تحقيق الوحدة بين شطري الوادي؟
- أنا شخصياً مقتنع بأنه لا مصر بلا سودان ولا سودان من دون مصر. نحن بحاجة الى أسس جديدة تستوعب التطور المستقبلي في العلاقة بين دولتي الوادي، وعلى السودانيين أن يحترموا ما يقولونه في هذا الشأن، لأن حاجتهم الى مصر أكبر من حاجة المصريين الى السودان. وهذا التذبذب في المواقف وعدم احترام العهود زلزل قناعة كثيرين من المصريين في أبناء جنوب الوادي. الحقيقة أن البلدين لا يمكن فصم عرى العلاقة بينهما. ولعل السودانيين أدركوا بعد انقلاب البشير القيمة الحقيقية لمصر وللعلاقة معها من دون أن تشكو مصر أو تتبرم من الملايين الذين تدفقوا من الجنوب الى الشمال.
ألا تشعر بأنك كنت صريحاً أكثر مما يجب؟
- هل كنت تريدني أن أقول شيئاً غير الحقيقة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.