خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية    أمير منطقة القصيم يستقبل وزير الاستثمار    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    تشغيل 4 رحلات أسبوعياً للخطوط الجوية البريطانية من هيثرو إلى جدة    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    مندوب فلسطين يرحب بمبادرة البحرين بعقد مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير السجون بالمنطقة    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    ارتفاع النفط واستقرار الذهب    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    من أعلام جازان .. الشيخ عيسى بن رديف بن منصور شماخي    "الحج" تختبر خطط التفويج بفرضية ثانية    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفايد يتهم القصر ... والذين فرحوا بمقتل العاشقين . نظرية "المؤامرة" في موت ديانا ودودي تشق طريقها
نشر في الحياة يوم 23 - 02 - 1998

"أنا مؤمن من كل قلبي بنسبة 9.99 في المئة ان الاصطدام الذي أودى بحياة عماد الفايد والأميرة ديانا لم يكن حادثاً عادياً … الجميع يريدون ان يلقى باللوم على السائق. يناسب الجميع ان يقولوا ان السبب كان السائق المخمور … وكل ما قيل عن ان دودي كان يحث السائق على الاسراع كلام فارغ، فهو لم يكن يحب قيادة السيارة وكان ناضجاً. أنا مقتنع تماماً انه كان من الممكن انقاذ ديانا ودودي … كانت هناك مؤامرة، ولن أهدأ حتى اكتشف ما الذي حصل بالضبط … أعرف ان هناك أشخاصاً لم يرغبوا بوجود دودي وديانا معاً".
بهذه الاتهامات الخطيرة، وغيرها، خرج أخيراً محمد الفايد، البليونير المصري صاحب محلات "هارودز" اللندنية الشهيرة عن صمته، وتحدث في مقابلة مع صحيفة "ذا ميرور"، للمرة الأولى، عن مصرع ابنه عماد دودي 42 عاماً والأميرة ديانا 36 عاماً في باريس في 31 آب اغسطس الماضي، وعن الفترة التي تلت الحادث وما حفلت به من تفاصيل "رهيبة"، محاولاً ان يقوض الرواية "الرسمية" عن مقتل ديانا ودودي.
والوالد المفجوع بابنه البكر، تحمس لوضع النقاط على الحروف بعدما سئم "الكلام الفارغ" الذي تردد عن الحادثة في الأشهر السابقة، فبالنسبة اليه "آن الأوان للكشف عن الحقيقة". وإذا امتنع، بطبيعة الأمر، عن تسمية "الأشخاص" المسؤولين عن الحادث، فهو يلفت الى ان خصمه اللدود "تايني رولاند لن يتوانى عن القيام بكل ما في وسعه لتدميري"، مشيراً الى ان "المؤسسة البريطانية يسعدها ان تحاول السخرية مني، واعتقد بأن كثيرين من أعضائها فرحوا بمقتل ديانا ودودي".
والكلام عن المؤسسة البريطانية لا يبقى عاماً يتسم بالغموض، بل يدخل حيز الوضوح عندما يسمي الفايد الأشياء بأسمائها في ثورة الغضب الممزوج بألم شديد يراه في وجهه رئيس تحرير "ذا ميرور" وينحي بكثير من اللوم على رموز هذه المؤسسة: العائلة المالكة. فهؤلاء قطعوا علاقتهم به تماماً منذ 31 آب اغسطس الماضي، وحرموه فجأة من رعاية "عرض الخيول الملكية" التي رعاها على امتداد 16 عاماً وكلفته حوالى نصف مليون جنيه سنوياً، فغمره أحساس بالخيبة والخذلان دفعه الى الاعتراف "أنا منزعج، وأشعر اني جُرحت، وتم استغلالي. كان من دواعي سعادتهم ان يظهروا معي … وأن يأخذوا أموالي … اما الآن فبعضهم لا يريد التعاطي معي أبداً … جريمتي الوحيدة اني والد الرجل الذي أحبته الأميرة ديانا وأرادت ان تتزوجه".
وبينما يعبر عن امتنانه للملكة التي عرفها عن كثب ولمس ذكاءها ولطافتها وكتبت له اثر مقتل ابنه رسالة تعزية "رقيقة للغاية من القلب، تدل على فهم عميق"، يأخذ على زوجها الأمير فيليب، دوق ادنبره الذى رعى الفايد عدداً من نشاطاته وجوائزه، انه لم يتصل به بعد الحادثة.
ويبدو ان ولي عهد الملكة اليزابيث من قماشة مختلفة عن أمه، فمع ان ولديه الأميرين وليام وهاري أمضيا الصيف الماضي، مع امهما ديانا، في ضيافة الفايد في سانت تروبيز "واحدة من أسعد الأجازات في حياتهما، لم يستطع أبوهما الأمير تشارلز ان يقنع نفسه بالكتابة لي مهزياً. وهذا أمر مخزٍ". ولا تسلم عائلة الأميرة الراحلة من غضبه، بل يخص أخوها ايرل سبنسر بالنصيب الأكبر من الانتقاد واللوم لأنه لم يرد على رسالة تعزية بعثها الفايد مع أحد مساعديه الذي سلمها باليد الى شقيق الأميرة ديانا في قصره في آلثورب "لكنه لا يريد ان يعرفني، ربما لأنه يدرك اني أعرف انه لم يكن قريباً من ديانا".
ويبدو انه كان فعلاً في موقع يؤهله لمعرفة من هم أصدقاء الأميرة الراحلة، ومن هم خصومها، إذ كان صديقاً لأبيها الذي أوصاه خيراً بأولاده. وقد عامل ديانا كابنة كان يصغي اليها ويسدي النصح لها. والعلاقة الوطيدة شهدت تطوراً مفاجئاً في الصيف الماضي، حين قضت معه وعائلته في جنوب فرنسا اسبوعين من الضحك المتواصل والمتعة التي أشاعتها الأميرة بخفة دمها وانسجامها مع أولاده، خصوصاً ابنه الأطرش. وهناك أيضاً تعرفت على دودي، الذي رأته في مناسبات قليلة في الماضي. ولم يطل الأمر بعماد بعد انتهاء الاجازة حتى "هاتفني شخصياً ليقول انه خطبها … وسألني إذا كانا يستطيعان اتخاذ فيلا دوق وندسور في باريس منزلاً لهما، فقلت، بالطبع، لأني نادراً ما استعملها، وهي لكما". ويؤكد الفايد ان العشيقين اتصلا بمهندس ديكور ايطالي وكلفاه اعداد أثاث جديد للفيلا. ولما كان الفايد يعلم جيداً ان كثيرين سيشككون في صدق روايته عن خطبة الراحلين، يؤكد ان دودي انتقى خاتم خطبة للأميرة مصنوعاً من الذهب والماس والزمرد "دفعت ثمنه 150 ألف جنيه بنفسي" لذلك فهو يعرف الحقيقة التي ينكرها بعضهم لأن "المؤسسة لا تريد التفكير بأنهما كانا خطيبين، فذلك يشكل اساءة لها المؤسسة".
وقبل ان تنتهي "ذا ميرور" من نشر المقابلة المليئة بالالغام، سارع معظم الصحف البريطانية، خصوصاً الشعبية، الى شن هجوم شديد على الفايد. وعلى رغم تفاوت القسوة بين معلق وآخر، كاد الجميع يتفقون مع مصادر في الشرطة الفرنسية نُقل عنها تأكيدها ان محاكمة الفايد للأحداث تفتقر الى الدقة، ربما لأنه لا يزال تحت تأثير الفاجعة التي تجعله عاجزاً عن النظر الى الأمور بمنطق مجرد من العاطفة.
ونسبت صحف بريطانية الى أحد المقربين من القاضي الفرنسي ايرفيه ستيفان المكلف التحقيق في الحادث، قوله: "كان الحادث مأسوياً، ولمن يكن مؤامرة. فالعمل المضني الذي يقوم به 100 محقق فرنسي لم يتمخض عن اكتشاف أي معلومات تدل الى وجود مؤامرة".
اما الشق المتعلق بالمؤسسة والأميرة وأهلها في مقابلة الفايد، فأثار ردود فعل أشد عنفاً. فقد نفت صديقتان مقربتان من ديانا انها كانت على وشك الاعلان عن خطوبتها من عماد الفايد. وأصدر شقيقها بياناً جاء فيه "كل ما نطلبه، نحن أفراد عائلتها، هو احترام ذكرى ديانا، وابقاء التأملات المثيرة في شأن الحادث بعيدة عن ميدان التداول العام". وذكرت صحف ان بعض أفراد عائلة ديانا أبدوا دهشتهم من اتهامات الفايد وعدم قدرتهم على فهم أهدافه الحقيقية. ونقل عن سير روبرت فيلوز، السكرتير الشخصي للملكة وزوج جين شقيقة الأميرة الراحلة، قوله ان اتهامات الفايد "مثيرة للاشمئزاز".
لكن كثيرين اعادوا التذكير بما قالته ديانا لصحافيين لاحقوها في سانت تروبيز العام الماضي عندما وعدتهم بمفاجأة وشيكة، ورجحوا يومها ان تكون "المفاجأة" اعلان خطوبتها من عماد.
ووصلت موجة الانتقاد والاستنكار ذروتها حين هاجم أبرز الزعماء السياسيين البريطانيين، ولو في شكل مبطن، من لا يقيمون وزناً لمشاعر الأميرين وليام وهاري ويواصلون تأكيد ان أمهما لقيت مصرعها نتيجة لمؤامرة. وفيما كان زعيم المحافظين وليام هيغ أشد صراحة في توجيه أصابع الاتهام الى الفايد، ركز طوني بلير وجون ميجور ومارغريت ثاتشر وبادي أشدوان على "الصناعة الرثة" التي تحاول استغلال صورة ديانا وقصة موتها.
شكوك وألغاز
إلا ان رجل الأعمال المصري لا يحتكر نظرية "المؤامرة"، فهذه رددها كثيرون، وعزوها لأسباب شتى. ومعروف ان العقيد معمر القذافي والكاتب المصري أنيس منصور وغيرهما اتهموا أجهزة الأمن البريطانية بالتخطيط للحادث بهدف التخلص من دودي وديانا لئلا يصبح عم الأمير وليام - ملك بريطانيا في المستقبل - مسلماً. لكن الغموض الذي لا يزال يلف التحقيق وعدم ظهور أي نتيجة عن تفاصيل وملابسات الحادث، فتحا الباب أمام التفسيرات والاشاعات. وقال المحقق المعروف جون ستوكر، نائب قائد شرطة مانشستر سابقاً: "ان ما عرفته عن التحقيق الفرنسي في هذا الحادث يترك في رأسي شكوكاً على درجة من الخطورة". ويتساءل مؤلفا كتاب عن الحادث سيصدر قريباً، عن سبب التأخر في اسعاف ديانا، ولماذا تقرر نقلها الى مستشفى بعيد استغرقت الرحلة اليه ما يزيد عن ساعة ونصف الساعة، علماً ان هناك أربع مستشفيات أقرب منه الى مكان الحادث؟ وتبقى حكاية البحث المستمر عن حل للغز السيارة البيضاء التي عُثر على آثار طلائها فوق سيارة المرسيدس التي استقلتها الأميرة ودودوي. ولا يستبعد كثيرون ان تكون السيارة البيضاء تسببت في الحادث عندما انعطفت بسرعة أمام سيارة المرسيدس فحاول السائق هنري بول تفاديها غير انه فقد السيطرة عليها، فارتطمت سيارته بالجدار الاسمنتي وكان ما كان.
لكن السيارة "الجانية"، التي وجد المحققون بقايا من زجاج مصباحها الخلفي مما يعزز الشكوك بأنها "متورطة" في الحادث، موضع شكوك متناقضة. فبينما يسود اعتقاد بأنها من طراز "فيات - اونو"، سلّم سائحان استراليان السلطات الفرنسية شريط فيديو صوراه أمام مدخل فندق "ريتز" الباريسي لحظة مغادرة الأميرة ودودي في رحلتهما التي انتهت بعد دقائق بالفاجعة، وتبدو فيه بوضوح سيارة بيضاء صغيرة من نوع ستيروين. ولم يُسفر بحث المحققين الذين كلفهما الفايد التفتيش عن السيارة الغامضة، حتى الآن عن نتيجة حاسمة. ومع انهم عثروا على سيارة تفي بالمواصفات المطلوبة، خصوصاً ان صاحبها مصور دأب على ملاحقة المشاهير، فإن الشرطة الفرنسية سرعان ما برأت المتهم الذي قدم أدلة قاطعة على وجوده هو وسيارته بعيداً عن باريس وقت الحادث.
وإذا كانت التحقيقات لم تنته بعد، وقد يطول الوقت قبل حل ألغاز الحادث، فماذا عن انعكاساتها التي يأتي تصعيد الفايد "معركته" البريطانية في مقدمها؟ وهل يترنح بفعل ضراوة الهجوم الذي يتعرض له خصوصاً ان فاجعته تجعله أقل قدرة على المقاومة التي برع في أساليبها منذ سنوات؟
تبدو الاشارات متناقضة الى درجة كبيرة، مما يجعل التكهن بمستقبل الفايد ومصالحه البريطانية صعباً. فهو من جهة، منهمك في "مواجهة" الاعلام البريطاني، ومقاومة خصومه الذين حاربوه بشراسة منذ اشترى محلات هارودز وشركة "هاوس اوف فريزر" في العام 1985. وبعد سنتين من حصوله على هارودز، الذي لم يغفره له تايني رولاند حتى الآن، خضع الفايد لتحقيق شامل أجرته وزارة التجارة والصناعة عن أملاكه وأصولها…، وجاءت النتيجة ادانة صريحة لمحمد الفايد وأخويه علي وصلاح لأنهم قدموا للوزير ولمكتب "التجارة العادلة" معلومات غير صحيحة "عن أصولهم، وثرواتهم، ومصالحهم التجارية، ومصادرها". وأعربت الوزارة عن شكها في أن الاخوة فايد حصلوا على ثمن "هارودز" و"هاوس اوف فريزر" من سلطان بروناي.
"هدايا" للوزراء
اتهامات كثيرة تحيط بسيرة محمد الفايد وشقيقيه، بينما الثلاثة يعملون بجد وينتقلون من نجاح الى نجاح، حتى ارتفعت قيمة متجرهم الشهير إلى ما يزيد عن 3 مليارات دولار. وعندما لم تمنح حكومة مارغريت ثاتشر جواز سفر بريطاني لمحمد الفايد ذكّرها بأنه استجاب لطلبها حين التمست مساعدته وأنفق مبالغ كبيرة لتعزيز قيمة الجنيه في مقابل الدولار. ولم تكن حكومة جون ميجور أكثر تجاوباً، إذ رفض وزير الداخلية السابق مايكل هاوارد منح محمد الفايد وشقيقه علي جوازي سفر بريطانيين. ولم تُجدِ محاولاته، وتبرعه بمبالغ كبيرة لحزب المحافظين، ودفعه "اكراميات" سخية لوزراء وأعضاء محافظين في مجلس العموم. وعندما فقد أمله بالحصول على جواز السفر، انتقم من حزب المحافظين انتقاماً أليماً، إذ أثار فضيحة "المغلفات الصفراء المحشوة بأوراق نقدية من فئة 10 جنيهات" التي كثيراً ما قدمها "هدية" لنواب محافظين أشهرهم الوزير السابق نيل هاملتون، الذي استضافه الفايد ايضاً في فندق "ريتز" الباريسي مرتين. والفضيحة التي لم تنتهِ ذيولها بعد، ساهمت في شكل مباشر في خسارة حزب المحافظين الانتخابات بفارق كبير.
لكن شتان بين حكومة منتخبة، وبين المؤسسة البريطانية كلها، وإذا استطاع الفايد "ازاحة" الأولى فإن الثانية قادرة على تدمير من يتجرأ على تهديد أركانها. ولا يملك المرء وهو يتابع تفاصيل اتهامات الفايد الأخيرة، إلا ان يتخيل صورة مقاتل دفعه يأسه الى خوض معركته الأخيرة. ويلح هذا الشعور بأن الفايد يلعب ورقته الأخيرة، بسبب موقفه من آل سبنسر.
لم تكن الأميرة على وفاق مع أخيها الذي رفض السماح لها باستخدام جزء من قصر الثورب مع ولديها خلال الصيف، واختلفت مع أمها بسبب مقابلة منحتها الأخيرة لمجلة "هالو"، وكادت تقطع صلتها نهائياً باختها جين احتجاجاً على موقف صهرها المعادي لها خلال عملية طلاقها من الأمير تشارلز. غير ان هذا كله لا يكفي لجعل الأميرة الراحلة أقرب الى الفايد من أهلها، او يجعله أحق بها منهم. والأدهى انه يطلب من الشعب البريطاني ان يكون الحكم، باعتباره عرض موقفه في سياق مقابلة باللغة الانكليزية.
ومع ذلك فالحديث عن سقوط محمد الفايد ليس مطروحاً الآن، لأن الخيبة والفاجعة لا تكفيان وحدهما لهزيمة رجل متمرس من قماشته. ومن جهة أخرى، لا يقف وحده في الميدان، إذ انه على رأس امبراطورية تجارية يساعده على ادارتها شقيقاه وأفراد عائلته الذين قال مرة انهم كثيرون بما يكفي للبقاء في "هارودز" خلال قرن كامل مهما اشتدت شراسة اعدائهم.
وعلى رغم ان ثورته الأخيرة تعود الى أسباب جديدة بالغة الأهمية، يبدو غضبه الحالي في جوهره استمراراً للسخط الذي انتابه منذ سنوات. فمع انه ناقم حالياً من المؤسسة البريطانية لاستخفافها بحزنه، فتجاهلهم له لا يعني فقط تحميله مسؤولية مقتل "أميرة القلوب" الشابة، بل أيضاً عدم قبوله عضواً في "ناديهم"، وهنا تكمن مأساته القديمة - الجديدة.
هكذا كانت مصيبة الفايد مناسبة لتسليط الضوء من جديد على الحقيقة المرة: لن تسعفه أمواله ولا صلاته بالعائلة المالكة ولا محاولاته الحثيثة لاقناع أعضاء المؤسسة البريطانية بأنه واحد منهم! ومن سوء الحظ، ان وزير الداخلية جاك سترو ينظر حالياً في طلب جديد قدمه الفايد للحصول على جواز سفر بريطاني.
ومع ان مصر تبدو بعيدة عن "معارك" الفايد، فهي قريبة للغاية، وربما كانت رغبته الملحة في ان يتبوأ مكانة اجتماعية مهمة في بريطانيا هي في أحد وجوهها نوع من الانتقام والتعويض عن حالة عاشتها عائلته في مصر. فعلى رغم ان آل الفايد كانوا في حالة مادية لا بأس بها، يغلب الظن انهم عوملوا كفلاحين بلدي لم يكن يُسمح لهم قبل الحرب العالمية الثانية مثلاً دخول "نادي الجزيرة الرياضي" مهما دفعوا لقاء ذلك!
ومن جهة ثانية، تبقى مصر، فضلاً عن دول عربية واسلامية، مصدراً للتأيد والتعاطف اللذين يستطيع الفايد ان يعوّل عليهما. فهو في عيون الكثيرين، ضحية عربية مسلمة لظلم الغرب الذي لم يكتف بپ"قتل" ابنه البكر بل يواصل توجيه الاساءات اليه، ويمتنع عن معاملته المعاملة التي يستحقها. لكن هؤلاء الغيورين على الفايد قد لا يعرفون انه لم يتحمس لمساعدة ضحايا زلزال القاهرة او قانا مثلاً، او أي من الكوارث الطبيعية التي أصابت دولاً اسلامية، في حين ينفق الملايين على رعاية النشاطات الرياضية التي ينظمها أفراد العائلة المالكة. وإذا لم تحظ مستشفيات مصرية ببعض هداياه، فهو اشترى، مثلاً، جهازاً بستة ملايين جنيه لمستشفى "غريت اورموند ستريت" للأطفال في لندن، حيث عولج مرة ابنه الصغير.
أملاك الفايد ومصالحه التجارية
* محلات هارودز التي تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار.
* شركة "هاوس اوف فريزر" التي تملك فضلاً عن هارودز حوالي 100 متجر ضخم، بأسماء مختلفة، موزّعة على انحاء بريطانيا.
* قلعة بالنغتون في اسكتلندا، ومزرعة ضخمة في مقاطعة ساري القريبة من لندن، وبناية في شارع بارك لين الرئيسي في العاصمة البريطانية.
* وندسور هاوس في غابة بولونيا القريبة من باريس، حيث عاش دوق وندسور وزوجته الاميركية بعد تنازله عن العرش البريطاني وفاءً لها.
* فندق "ريتز" الباريسي الفخم، الذي تصل كلفة الاقامة في بعض اجنحته الى 7 آلاف جنيه في الليلة الواحدة.
* فيلا في سانت تروبيز، وعقارات في ولاية كونكتكت الاميركية، ودارة تطلّ على جبال الألب السويسرية، وقصر في ضاحية فيكتوريا في الاسكندرية.
* شركة الفايد للاستثمار، ويديرها شقيقه صلاح من جنيف.
* مكاتب سياحية وشركة للشحن البحري.
* مصالح جديدة وعلاقات تجارية اقامها في جنوب شرقي آسيا بعد الازمة الاخيرة التي دهمت المنطقة.
الفايد... ومصر
ولد الملياردير محمد الفايد في العام 1929 في حي رأس التين القديم في الاسكندرية وهو الابن الاكبر لعلي الفايد المدرّس الاول في احدى المدارس الابتدائية. ويقال ان والد محمد الفايد كان الى جانب وظيفته البسيطة من ذوي الاملاك وصاحب حقول قطن في مدينة كفر الشيخ ورثها عن عائلته، حتى عُرف في الاسكندرية في الثلاثينات كأحد اكبر تجار القطن. وكانت للعائلة ممتلكات تم تأميمها، ضمن القرارات الاشتراكية في 1961 من اهمها شركة "فاروس" لنقل الركاب والأثاث. اما شركة السياحة التي كان آل فايد اشتروها من صاحبها الفرنسي دي كاسترو فما زالت تعمل حتى الآن تحت اسم "فايد وشركاؤهم للسياحة خلفاء دي كاسترو للسياحة".
لم يستكمل محمد دراسته، اذ بدأ رحلة العمل مبكراً، وتعرّف في الخمسينات على سميرة خاشقجي وتزوجها في العام 1954، لكنه طلّقها بعيد ولادة ابنهما عماد.
وكان اول ظهور دولي لمحمد الفايد في العام 1964 في هايتي حيث أسس شركة لأعمال الموانئ برأس مال لم يتجاوز 100 ألف دولار.
لكن ثروته الحقيقية كوّنها في منطقة الخليج حيث شارك في صفقات نفطية وعقارية قيل انها درّت عليه بين 1970 و1975 اكثر من 50 مليون جنيه استرليني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.