يبدو ان السينما الاميركية تمارس تأثيراً بالغاً على الاشخاص مهما كانوا لامعين. فعدا سطوتها التجارية على المستوى العالمي، استطاعت هذه الآلة النافذة ان تهيمن على خيال الملايين ممن ترعرعوا في ظل صورها المدهشة. ولعل المواجهة التي وقعت اخيراً في مهرجان "كان" السينمائي بين اثنين من كبار محترفي صناعة الافلام، يدل على هذا التأثير وعلى مدى تعجرف هوليوود وتعاليها عن كل من لا ينتمي اليها. وبدأت وقائع الحدث مع هبوط السينمائي البوسني امير كوستوريكا في مطار مدينة نيس في جنوبفرنسا بقصد الانتقال منها الى "كان" بواسطة عربات مخصصة لنقل المدعوين الى المهرجان. وفي المطار وقعت عين كوستوريكا، الذي حاز مرتين السعفة الذهبية اكبر جوائز هذا المهرجان، على فرانسيس كوبولا عملاق هوليوود وصاحب افلام "الربان" و"دراكولا" و"القيامة الآن"، فيما كان ينتظر ايضاً سيارة تنقله الى الفندق في "كان". تقدم كوستوريكا من كوبولا كما لو كان صبياً تأثر برؤية بطله الخيالي المفضل وهمس اليه بكثير من الخجل "طاب صباحك، انا امير كوستوريكا وأود التعبير عن اعجابي الشديد باعمالك السينمائية التي شاهدتها كلها مرات ومرات". ورد المخرج الهوليوودي من دون ان يتحرك او يبتسم او حتى ينظر الى كوستوريكا "اشكرك... وماذا تعمل أنت؟". ازداد اضطراب البوسني عندما سمع السؤال. ويبدو انه لم يفهم اذا كان الهوليوودي المعروف بتجواله حول العالم لحضور المهرجانات السينمائية الكبيرة والذي ترأس لجنة تحكيم "كان" في 1996 يمزح معه أم يتكلم بجدية، فقال بمنتهى الأدب "أنا مخرج سينمائي بوسني وأعتبرك من الاشخاص الذين أثاروا فيّ رغبة الدخول الى عالم الفن السابع وممارسة مهنة الاخراج". غير ان كوبولا ظل يتعامل مع محدثه ببرودة بالغة وسأله عما اذا كانت هذه أول زيارة له الى مهرجان "كان" مما فاقم خيبة الأمل التي بدأ البوسني يشعر بها تجاه "زميله" الهوليوودي. إلا انه حافظ على هدوئه وقال "فزت مرتين بجائزة السعفة الذهبية. الأولى كوفئت بها على فيلم "أبي في رحلة عمل" ونلت الثانية منذ عامين عن فيلمي "اندر غراوند" وبالتالي أنا أعرف "كان" ومهرجانها جيداً يا سيدي". هنا أحس كوبولا بالحرج وبدأ يبحث بعينيه عمن يخلصه من هذا المعجب الحشري ويقوده الى سيارته. لكن كوستوريكا لم يتركه وشأنه بل اقترح ان يرسل اليه اشرطة فيديو تتضمن اعماله كلها حتى تساعده على اكتشاف الفن السينمائي البوسني. هز كوبولا رأسه من دون ان يفتح فمه او يعطي عنوانه للمخرج البوسني فابتعد الأخير متسائلاً كيف يمكن لمثل هذا السينمائي الفذ ألا يكون سمع عنه أو عن افلامه ولماذا عامله بمثل هذه الطريقة التي تتنافى مع أبسط قواعد اللباقة! والرد على السؤال بسيط جداً، فأهل هوليوود لا يهتمون بشيء أو بأحد الا اذا كان ينتمي الى عالمهم أو على الأقل الى عالم "الدولار".