على الضفة الأخرى من الخليج تنتظر الدول العربية الانتخابات الرئاسية الإيرانية لمعرفة انعكاساتها على علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية، وعلى الأمن في المنطقة، خصوصاً أن هذه العلاقات شهدت تقلبات، حتى قبل سقوط نظام الشاه. "الوسط" التقت الدكتور حسن حمدان العلكيم، استاذ القانون الدولي ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الإمارات وسألته عن الانتخابات الإيرانية وانعكاساتها على المنطقة. ما هي الخلفيات التاريخية للنظام السياسي في إيران وتأثيرها في انتخابات الرئاسة الإيرانية؟ - ساهمت الأخطار الخارجية والتحولات الداخلية في تشكيل التاريخ السياسي لإيران التي شهدت تحولات في مصادر الحظر والضغوط الخارجية واستمرار الصراع بين الملكية والاصلاحيين والنزاع بين الحداثة والتقليدية داخل المجتمع الإيراني. ومنذ نجاح الثورة في عام 1979، مرت الدولة الإيرانية بمرحلتين اصطلح على تسميتهما بالجمهورية الأولى والجمهورية الثانية. اتسمت الجمهورية الأولى بالتزام أكثر بمبادئ الثورة وتصفية المعارضة الداخلية، وهيمنة المتشددين على السلطة، ووجود الشخصية المهيمنة وضعف القدرات العسكرية وتدهور الوضع الاقتصادي نتيجة لانهيار أسعار النفط، وضعف قدرة إيران الانتاجية، والحرب مع العراق، وسياسة خارجية راديكالية تقوم على فلسفة تصدير الثورة، ودعم الجماعات المتطرفة، وعلاقات متوترة مع دول الخليج وعداء للغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة. أما الجمهورية الثانية فقد اتسمت بانتهاء الحرب العراقية - الإيرانية وغياب الشخصية المهيمنة بوفاة الإمام الخميني وإجراء الاصلاحات الدستورية التي تمثلت في تعزيز صلاحيات الرئيس وإلغاء منصب رئيس الوزراء والتقليل من أهمية مبدأ ولاية الفقيه باختيار علي خامئني خليفة للخميني على الرغم من عدم حوزته على الرتبة الفقهية آية الله العظمى حتى العام 1993، وبناء القوة العسكرية وتحسن الوضع الاقتصادي نتيجة لتحسن أسعار النفط، واصلاح المنشآت النفطية التي تضررت بواسطة الحرب وانتهاج سياسة خارجية أكثر اعتدالاً على الصعيد الاقليمي والعلاقات مع الدول الأوروبية مع رغبة أكثر في الانفتاح على العالم لتشجيع الاستثمار والحصول على التقنية والتخلي عن دعم حركات التطرف وعن الدعوة لتصدير الثورة، ولعبت دوراً أكثر ايجابية في التوسط لاطلاق عدد من الرهائن الغربيين الذين احتجزهم حزب الله في لبنان. الاثنية وتعدد المذاهب ما هي طبيعة التحديات التي يواجهها المجتمع الإيراني داخلياً وخارجياً وانعكاساتها على الانتخابات الرئاسية؟ - يواجه النظام السياسي الإيراني منذ انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية عدداً من التحديات الداخلية تتمثل في الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي وإعادة البناء، أما على الصعيد الخارجي فتشكل العلاقات المتوترة مع الولاياتالمتحدة أحد أهم هذه التحديات. ويعاني المجتمع الإيراني إضافة إلى الانقسامات السياسية من المعضلة الاثنية والانقسامات المذهبية، إذ يتكون من أعراق متعددة إضافة إلى الفرس 51 في المئة والعرب واحد في المئة والآذريين 20 في المئة والأكراد 9 في المئة والتركمان 8 في المئة والبلوش واحد في المئة، أي أن نصف المجتمع تقريباً من أعراق مختلفة، ونتيجة لذلك يتحدث فقط 58 في المئة اللغة الفارسية، في حين يتحدث الآخرون التركية 25 في المئة والكردية 9 في المئة، إضافة إلى خمس لغات أخرى 7 في المئة. ويوجد عدد من الديانات تتمثل في المسيحية واليهودية والزرادشت والبهائية، وتتضاعف معضلة الاندماج الاجتماعي في حقيقة الانقسامات المذهبية، إذ تشكل نسبة السنَّة حوالى 10 في المئة من السكان وهم أكراد وعرب وبلوش وتركمان. هل يمكن اعطاء وصف اكثر دقة لطبيعة النظام في ايران ودوره في الانتخابات الرئاسية؟ - يجمع النظام الايراني سمات وخصائص خاصة به، إذ يتأرجح بين النظام المفتوح متمثلاً ذلك في الانتخابات والأخذ بنظام السلطات ومبدأ الرقابة والتوازن بين السلطات الثلاث، والنظام المغلق المتمثل في سيطرة تيار سياسي واحد ووضع قيود على المرشحين حيث يقوم مجلس الخبراء وزعيم الدولة ولاية الفقيه باستبعاد العناصر التي تتعارض آراؤها وافكارها مع فلسفة الدولة ولا يسمح بالتعددية الحزبية. نتيجة لذلك لا توجد معارضة سياسية منظّمة بعد نجاح الحكومة في القضاء على الاحزاب السياسية المعارضة كحزب "توده" الشيوعي ومنظمة "فدائيي خلق". اما المعارضة السياسية الوحيدة على الساحة فهي حركة "مجاهدين خلق" التي تتخذ من العراق مقراً لها، ولا تشكل تحدياً حقيقياً للحكومة القائمة، وبذلك ليست مرشحة لاستلام السلطة. تجدر الاشارة الى ان المعارضة في الخارج عموماً منقسمة وضعيفة في حين ان المعارضة الداخلية محدودة وتتمثل في الكتلة الوطنية حركة حرية ايران بقيادة الدكتور ابراهيم يزدي الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة مهدي بازركان وتضم عناصر تكنوقراطية، هدفها اصلاح الوضع السياسي القائم وليس تغييره، ومعارضة مجموعة من العلماء يقودها آية الله منتظري، وهو تحت الاقامة الجبرية، وتهدف كذلك الى اصلاح النظام وليس استبداله. وتشكّل القوات المسلحة المعارضة الاقوى والمرشحة لاستلام السلطة مع استبعاد احتمال قيامها بذلك على المدى القريب لاعتبارات منها الاجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة في عهد الجمهورية الاولى، اضافة الى الآثار المادية والمعنوية للحرب العراقية - الايرانية على قيادات وافراد القوات المسلحة، كما ان رجال الدين القائمين على النظام دائماً في حالة عدم ثقة بولاء القوات المسلحة للحكومة. وتعكس التحولات السياسية على الساحة الايرانية خلال السنوات الاخيرة التآكل في الاساس الايديولوجي للنظام، الامر الذي خلق ازمة شرعية لأن الناس سئموا حكم "الملالي" وبدأوا يتساءلون عن طبيعة النظام الحاكم، وتنعكس احباطات الشعب في تدني نسبة المشاركين في الانتخابات الرئاسية العام 1993 وهي الاقل منذ 1979. وما هي امكانات التحالف بين هذه الاطراف في الانتخابات الرئاسية؟ وما هو محور التحالف المرجح؟ - على رغم التعاون بين اليمين المحافظ والمعتدلين في مواجهة الراديكاليين فان هوة الخلاف بينهم عميقة، وقد عزا كثير من المحللين تدني النسبة التي فاز بها الرئيس رفسنجاني في انتخابات 1993 63 في المئة في مقابل 95 في المئة في الفترة الرئاسية الاولى الى دخول احمد توكلي ممثل اليمين المحافظ المنافسة. ونتيجة لنجاح رفسنجاني وخسارة توكلي سعى خامنئي الى تعويض الخسارة من خلال تأكيد دوره السياسي في ادارة شؤون الدولة على غير سابق عهده خلال الفترة الرئاسية الاولى لرفسنجاني. اذ تدخل خامنئي في تشكيل مجلس الوزراء ومنع رفسنجاني عزل القيادات المحافظة، وانتقد السياسة الاقتصادية للحكومة، ودعا الى اعطاء مزيد من الاهتمام بحاجات الشعب الاجتماعية. ودعا خامنئي في ظل التنافس بين القوى السياسية الحاكمة في ايران الناخبين الى الادلاء بأصواتهم في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لصالح اليمين المحافظ ضد من وصفهم بالليبيراليين الذين يعرفون بالبراغماتيين المقربين الى الرئيس رفسنجاني. ويسيطر اليمين المحافظ على 40 في المئة من مقاعد البرلمان ويحتل انصار رفسنجاني 30 في المئة والراديكاليون 15 في المئة وحصلت الاطراف الاخرى المستقلون على البقية الباقية. ويمثل فوز اليمين المحافظ في الانتخابات التشريعية للدورة الخامسة لمجلس الشورى مؤشراً مهماً الى انحسار نفوذ المعتدلين والراديكاليين في البرلمان. ازدواجية المواقف الى أي مدى يمكن لهذا التنوع على الساحة السياسية في ايران ان يفرز تعددية سياسية؟ وهل سيكون للقضايا الخارجية تأثير مباشر في مجريات الانتخابات؟ - تشكل الانقسامات السياسية وتعدد مراكز القوى وغياب الشخصية المهيمنة في "الجمهورية الثانية الأسباب الرئيسية وراء ازدواجية المواقف والسياسات الايرانية، وعلى رغم ان التنافس يعد ظاهرة صحية ربما ساعدت على استمرار النظام خلال الفترة الماضية، كما انها يمكن ان تفسح المجال في المستقبل أمام التعددية السياسية في حالة نضوجها من ناحية فإنها في الوقت نفسه اضعفت جهاز صنع القرار السياسي وأصابته بالشلل من الناحية الأخرى. كما ان القضايا الخارجية ليس لها أثر مباشرة في مجريات الانتخابات الرئاسية، وأن جلّ التركيز منصب على القضايا الداخلية، إذ يركز ناطق نوري على مواصلة عملية البناء والسعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء والسيطرة على التضخم وتعزيز دور المشاركة الشعبية، في حين يركز خاتمي على تعزيز القيم الاسلامية ونشر العدالة ومكافحة العنصرية وصيانة الحريات العامة وتحقيق الوفاق الوطني واحترام سيادة القانون ومواصلة البناء والتنمية والحفاظ على استقلال ايران ودعم الوحدة الاسلامية، وهو الوحيد الذي يتحدث عن تعزيز الوحدة الاسلامية الأمر الذي يوحي برغبته في تعزيز العلاقات مع الدول العربية والاسلامية، خصوصاً مع دول مجلس التعاون الخليجي. ما هي توقعاتكم في شأن علاقات ايران في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية مع دول الخليج الأخرى، خصوصاً بالنسبة الى قضية الجزر الاماراتية المحتلة؟ - لأن السياسة الخارجية الايرانية تعد نتاجاً لتسوية مصالح مختلفة لدوائر عدة وجماعات متنافسة، فإننا لا نتوقع تغيراً جوهرياً في سلوك ايران الخارجي، كما أن علاقاتها مع دول الجوار العربية لن تكون أفضل من المرحلة الراهنة من حكم رفسنجاني. اما قضية الجزر الاماراتية فستبقى إحدى نقاط الخلاف بين الجانبين التى ستنعكس سلباً على سير العلاقات الايرانية - الامارتية