«إيكونوميكس»: 5.5% نمو اقتصاد السعودية «غير النفطي»    ميزانية إنفاق توسعي رغم العجز    مشروع "بلدي" لأنسنة طريق الشفا الدائري بالطائف ورفع كفاءته    الأخدود لخدمة نفسه والهلال    16 ألف موظف يتأهبون لاستقبال الحجاج بمطار "المؤسس"    احتجاجات داخل الاتحاد الأوروبي ضد العدوان الإسرائيلي على غزة    لبنان: العين على «جلسة المليار اليورو»    قوات سعودية تشارك في"إيفيس 2024″ بتركيا    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس مجلس إدارة شركة العثيم    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا بتشكيل الحكومة    15 سنة سجناً لمواطن روّج وحاز «أمفيتامين» المخدر    35 موهبة سعودية تتأهب للمنافسة على "آيسف 2024"    «المؤتمر الدولي للقادة الدينيين» يستهل أعماله بوقفة تضامنية مع شهداء غزَّة    "الداخلية" تنفذ مبادرة طريق مكة ب 7 دول    وزير الشؤون الإسلامية يدشّن مشاريع ب 212 مليون ريال في جازان    أمير المدينة يرعى حفل تخريج طلاب الجامعة الإسلامية    المناهج في المملكة تأتي مواكبة للمعايير العالمية    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    «حِمى» أصداء في سماء المملكة    «إثراء» يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عاماً عبر «متحف حكاية المهرجان»    وغاب البدر    طلاب «مصنع الكوميديا» يبدؤون المرحلة التعليمية    مشوار هلالي مشرف    القادسية يعود لمكانه بين الكبار بعد ثلاثة مواسم    «أسترازينيكا» تسحب لقاح كورونا لقلة الطلب    احذروا الاحتراق الوظيفي!    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة برئاسته    البدء في تنفيذ 12 مشروعاً مائياً وبيئياً بقيمة 1.5 مليار بالمنطقة الشرقية    المملكة تستضيف المؤتمر الدولي لمستقبل الطيران    9 مهام للهيئة السعودية للمياه    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    «سلمان للإغاثة» ينفذ 3 مشاريع طبية تطوعية في محافظة عدن    سعود بن مشعل يكرم متميزي مبادرة منافس    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    ساعة HUAWEI WATCH FIT 3 أصبحت متوفّرة الآن للطلب المسبق    القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر بالمنطقة الشرقية    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    مركز التحكيم التجاري الخليجي يطلق مبادرة "الأسبوع الخليجي الدولي للتحكيم والقانون"    فيصل بن نواف يدشّن حساب جمعية "رحمة" الأسرية على منصة X    «الشورى» يسأل «الأرصاد»: هل تتحمل البنى التحتية الهاطل المطري ؟    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    اختتام دور المجموعات للدوري السعودي الممتاز لكرة قدم الصالات في "الخبر"    بدر الحروف    مؤتمر الحماية المدنية يناقش إدارة الحشود    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    انتهاك الإنسانية    وزير الخارجية ونظيره الأردني يبحثان هاتفياً التطورات الأخيرة في قطاع غزة ومدينة رفح الفلسطينية    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة السوداني    الأول بارك يحتضن مواجهة الأخضر أمام الأردن    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحدث الى "الوسط" عن مشواره من "الامبراطور" الى "عفاريت الاسفلت": محمود حميدة : دوري الأخير هدم للحاجز الفاصل بين تقدمنا في الفن ورجعيتنا في الحياة
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 1996

منذ عشر سنوات كانت بداياته متواضعة، ثم جريئة وصاخبة في فيلم "فارس المدينة" لمحمد خان. ومنذ ذلك الحين ومحمود حميدة بات علامة فارقة في بعض اجمل ما يحقق في القاهرة من افلام، يسره ان يلعب ادواراً اولى شرط ان تكون ذات منطق، ولا يغضبه ان يكون الرجل الثاني، شرط ان يكون ذلك لهدف محدد. مثّل حتى اليوم مع كبار المخرجين من محمد خان الى عاطف الطيب، ومن يوسف شاهين الى خيري بشارة الى علي بدرخان، ولم يرهبه ان يقف في مواجهة نجوم شباك من امثال ناديا الجندي، نبيلة عبيد أو احمد زكي. يكاد اليوم ان يكون الأكثر حضوراً في الساحة السينمائية المصرية، ويفاجئك بتواضعه وثقافته العريضة، وبشغفه بالسينما وبالثقافة والفلسفة والشعر. محمود حميدة، اليوم، حالة استثنائية وسط عالم نجوم يكرر بعضه بعضاً، وليس ما يشغل باله سوى الشباك وتدفق الجمهور. في القاهرة التقت "الوسط" محمود حميدة في وقت كان اداؤه المتميز للدور الأول - المركب والقاسي في "عفاريت الاسفلت" لنحت الانظار وبات يعد بانعطافة اساسية في مسار هذا الفنان، الذي على رغم انه مثل ثلاث دزينات من الافلام حتى اليوم، لم يتردد من ان يصرح ل "الوسط" بأن الافلام التي يحسبها محطات اساسية في حياته، لا تتجاوز ربع ما مثله خلال عقد السنين الذي هو، اليوم، عمره السينمائي.
لنبدأ بالسؤال التقليدي، كيف وصلت الى السينما؟
- حكايتي مع التمثيل حكاية طويلة. منذ كنت في سن الطفولة، اعتدت في المدرسة ان اجمع اصحابي ونقدم معاً مسرحية، اي شيء، كما قد يفعل ألوف الاطفال. كنا نأتي بأصحابنا الآخرين للتفرج علينا. كان يمكن لذلك ان ينتهي مع انتهاء الطفولة، لكن حب التمثيل عشش في داخلي. وبما انني من مواليد القاهرة وارستقراطي المنشأ من ناحية امي، وفلاح من ناحية ابي، قيض لي باكراً ان أعيش المجتمعين وأبدأ برصد أحوال الناس ولقد اعطاني هذا رغبة دائمة في المعرفة وفي القراءة. في الجامعة تفتحت عيناي كلياً على المسرح، ثم دخلت معهد الفنون المسرحية والتهمت التهاماً كتاب التمثيل الوحيد الذي كان متوافراً في العربية في ذلك الحين، كتاب ستانسلافسكي. بعده تعرفت على بقية المناهج، وخصوصاً حين عملت كراقص محترف مع استاذ كان درس لدى مارتا غراهام. وبالتوازي مع ذلك كله اخذت اتدرب وحدي ثم توجهت الى الولايات المتحدة لتطوير لغتي واسلوبي، ثم عدت من هناك. في الجامعة درست 11 سنة، منها 7 سنوات هندسة فشلت عند نهايتها فالتحقت بكلية التجارة. خلال ذلك الوقت كله كان المسرح هوايتي وشغلي الشاغل. ومع هذا لم ابق في المعهد المسرحي سوى ثلاثة أشهر تركت بعدها، وربما لأني كنت أشعر انني متجاوز للمنهج الذي يدرس. وفجأة توقف كل شيء، قلت سأعتزل. تزوجت وتوظفت وقررت ان اتحول الى متفرج للسينما والمسرح ريثما اؤسس مدرسة للتمثيل، نعم اقسم لك انني رغبت حقاً في تأسيس مدرسة. ورحت اترجم الدروس والمحاضرات. وكنت أشعر أن لا أحد من ممثلينا لديه تكتيك يضيف الى موهبته، باستثناء سعاد حسني التي كان لديها ما يكفيها من تكنيك جاءها عن طريق خبرتها وذكائها ومجموعة المبدعين الكبار المحيطين بها. كنت أريد من مدرستي الا تستقبل سوى المحترفين لتعزيز مواهبهم. أول صديق لي عرضت عليه المشروع شتمني. فصرفت النظر عن ذلك. وظللت معتزلاً الى ان جاءني صديق لي مهتم بالمسرح وعرض علي ان امثل دوراً في مسرحية تجريبية لبيترفايس هي "مار/ساد". قبلت وعملت تجربة ناجحة في المسرح الحديث. وذات يوم كان من بين الحضور مخرج تلفزيوني متميز هو احمد خضر، فقابلني وطلب مني ان امثل دوراً في مسلسل يعده. سخرت منه قائلاً: فوت عليّ بكرة. لكنه لم يغضب بل أصر على موقفه و"تنازلت" في النهاية ورضيت فكان له الفضل في اخراجي من اعتزالي" وفي جعلي أقابل جمهوراً حقيقياً.
ماذا كان اسم المسلسل؟
- "حارة الشرفاء". وكان ذلك في العام 87. هذا المسلسل حقق يومها بعض النجاح، وشاهده عدد من السينمائيين الذين كان من بينهم من لفت نظره، فرشحت للعب الدور الثاني، الى جانب احمد زكي في فيلم "الامبراطور" من اخراج طارق العريان.
اذن لم يكن محمد خان من اكتشفك سينمائياً؟
- محمد خان لم يكن يعرفني ولم يكن رأى اي عمل لي قبل ان يتعاقد معي لبطولة "فارس المدينة". كان ذلك، من قبله، مغامرة استثنائية. لقد مثلت ثمانية أفلام قبل "فارس المدينة" لكن أياً منهم لم يعرض في ذلك الحين. "الامبراطور" كان أول ادواري. ومن ساعتها احببت السينما، وقررت ان اكرس لها كل حياتي.
لست نسخة جديدة من رشدي اباظة
قبل ذلك ألم تكن تحبها؟
- طبعاً... طبعاً كنت احبها.
من كان مثلك الأعلى بين الممثلين؟
- أيام الصبا، كانت احلام النجومية تراودني فأتخيل نفسي مكان فريد شوقي أو محمود المليجي أو رشدي اباظة او، حتى، كمال الشناوي. بعد ذلك تأتي رغبة التشبه بمحمود ياسين. غير ان هذا لا يمنعني من ان أعجب دائماً بأمين الريحاني وزينات صدقي وزكي رستم وصلاح منصور وعبدالغني قمر وشفيق نور الدين. لقد احببتهم جميعاً، وأخذت من كل واحد منهم حسب قدرتي. في جميع الاحوال، منذ سنوات المراهقة وأنا أعيش السينما كأنها حياة حقيقية فيختلط لديّ مقعدي في الصالة، بديكور الفيلم الذي أشاهده.
الذين شاهدوا "الامبراطور" في ذلك الحين شبهوك برشدي اباظة: النظرات نفسها، حركة الاصابع، وربما الادوار نفسها... هل كان ذلك متعمداً؟
- أبداً... حتى ولو رأى البعض انه صحيح. ومثل هذا الأمر يتناقض على اي حال مع الاسلوب الذي اعتمده في تناولي للشخصية.
ما هو هذا الاسلوب؟ كيف تشتغل على الشخصية؟
- في حدود السيناريو، لا اخرج عن حرفيته قيد انملة. السيناريو ابداع منفصل ليس من حقي التدخل فيه. واعتبره قائماً في ذاته حتى ولو كان مأخوذاً عن نص أدبي. لو كان مقتبساً عن رواية لا اعود الى الرواية ابداً اكتفي بأن يكون السيناريو مرجعي الوحيد. كل المادة الفيزيائية المتخيلة آتي بها من السيناريو، وكذلك الحال مع العناصر النفسية للشخصية. وفي الوقت نفسه اركز كثيراً حتى استحضر الشخصية من المكونات التي كنت تخيلتها.
حين تقرأ السيناريو، هل يخطر في بالك تصور طريقة لعب ممثل آخر له؟
- ابداً... على الاطلاق. حتى لو لاحظت ان ملامح الشخصية تشبه ملامح ممثل يشغل ذاكرتي، استبعد ذلك الخاطر كلياً.
هذا واضح في "فارس المدينة" لكنه ليس واضحاً في كافة افلامك الأخرى ومنها "الامبراطور" مثلاً...
- ليس لديّ اي تعليق على حكمك هذا. لسبب بسيط وهو انني غير قادر على الحكم على اداء فني صدر عني. نقد الذات صعب جداً، لأن الدور جزء من ذاتي. اخاف دائماً ان يغلبني الهوى حين اشاهد نفسي على الشاشة فأصرخ: يا سلام يا واد. افضل دائماً ان أرى الأمور بحيادية ثم انساها من اجل العمل الآخر.
قلت لي انك تفضل ان تتبع السيناريو وتطيع المخرج كلياً. ترى الا تفضل في بعض الاحيان ان يعطيك المخرج حرية كاملة لتفسير شخصيتك؟
- لا. انا أحب ان يوجهني المخرج على الدوام. فالفيلم فيلمه والمسؤولية مسؤوليته. لكن هذا لا يمنعني من مناقشته وان ضمن حدود.
معنى هذا انك تثق بكل المخرجين الذين تعمل معهم بالمقدار نفسه. تثق بمحمد خان مثلما تثق بأي مخرج آخر.
- طبعاً... طبعاً... المخرج هو قائد العمل. هو صاحب الرؤية الكاملة والشاملة. لو حاولت سحب بعض عناصر القيادة منه سوف يفقد العمل كثيراً من وحدته وسلاسته.
يوم غامر محمد خان وراهن عليّ
كان "فارس المدينة" اول فيلم تقوم ببطولته المطلقة. كيف حدث هذا... وكيف أقدم محمد خان على التجربة؟
- لم أكن اعرف محمد خان في ذلك الحين، وهو لم يكن يعرف عني شيئاً. وكان من المفروض ان يقوم احمد زكي بالدور بل انه وقع العقد فعلاً. لكن زكي اختلف مع محمد خان ورفض العمل في الفيلم. حاول الكثيرون ان يصالحوهما لكن مشروع المصالحة فشل. وكنت أنا أتابع كل ذلك من دون ان يخطر على بالي ان الدور سيصل اليّ. صحيح انني كنت شاهدت كل افلام محمد خان واعجبت بها وبه. ولكن ابداً لم يخطر في بالي انه سيجعل مني بطل فيلمه الجديد. الاقتراح الغريب جاء، اذن، من كاتب السيناريو فايز غالي، فراقت الفكرة بعض الشيء لمحمد خان الذي اجتمعت به فقال لي بكل صراحة: لقد عرضت الفيلم امس على محمود عبدالعزيز لأنني بحاجة الى نجم شباك. لو وافق سيقوم هو بالدور، وان رفضت ستلعبه أنت. ورفض محمود الفيلم، فناداني محمد خان بعد اسبوع واتفقنا. كان اعطاني السيناريو قبل ذلك لكني لم اقرأه. حين وقعنا العقد قرأته فدهشت به. اما بالنسبة الى محمد خان فانه ادارني في الفيلم وهو يشعرني في كل لحظة انه لا يثق فيّ...
هل كنت تدرك عند ذلك ان الفيلم هو، بشكل من الاشكال استمرار ل "الحريف" فيلم محمد خان القديم.
- لا... لم اكن ادرك ذلك. على العموم انا في افلام محمد خان، قلما اهتم بالشخصيات المتحركة وبحياتها. ما يهمني في الدرجة الأولى هو المكان. فالمكان هو العنصر الأساسي في سينما محمد خان. حين فهمت هذا متأخراً بعض الشيء، بدأت احس بأن محمد خان هو الذي علمني فن السينما حقاً. عندما شاهدت "فارس المدينة" ادركت انه اكبر فيلم في حياتي وانه "مدرستي السينمائية الحقيقية...
الادوار الثانوية
كم فيلماً مثلت خلال رحلتك، القصيرة زمنياً 10 سنوات، من "الامبراطور" الى "عفاريت الاسفلت"...؟
- 36 أو 37 فيلماً...
طيب... في بعضها قمت بأدوار بطولة، وفي بعضها الآخر بأدوار ثانية، ما الذي دعاك الى ان تلعب، غالباً امام احمد زكي دور البطولة الثانية...
- في "الرجل الثالث" اخيراً، قبلت لأني كنت لاحظت ان ليس هناك تعاون حقيقي بين الفنانين. كنت ادرك ان ثمة شخصاً يجب ان يكون هو الرقم واحد وليس بالضرورة ان يكون انا. كنت واثقاً ان الشكل الانتاجي الجماعي الجديد سوف يستفز اناساً اخيراً، لأنه بات من غير المعقول ان يمثل كل واحد فيلما، في وقت ينهار الانتاج كمياً على الأقل عندنا. وكان هناك سبب آخر وهو ان علي بدرخان لم يحقق اي فيلم منذ 4 سنوات. فالى من سيظل منتظراً من ينتج له "اخناتون"... ترى هل هناك ضرر في تحقيقه لفيلم خفيف ريثما يتحقق حلمه الاخناتوني؟ كل مخرج يجب ان تكون لديه في مسيرته افلام خفيفة. خذ "مستر كاراتيه" لمحمد خان مثلاً. انه فيلم خفيف، لكنه سيبدو لنا كعلامة ان نحن نظرنا اليه جيداً...
هل يمكنك ان تسمي لي 7 أو 8 محطات رئيسية في مسيرتك السينمائية حتى الآن؟
- بكل بساطة وطيبة خاطر. المحطة الأولى "الامبراطور" لمجرد انه أول فيلم مثلته. كانت خطوته تساوي 10 سنوات... لأنه جعلني اعشق فن السينما من خلال العمل مع احمد زكي. بعده هناك "فارس المدينة" هو الآخر يساوي 10 سنوات اخرى بفضل جدية محمد خان وحبه للسينما. ثم هناك "رغبة متوحشة" لخيري بشارة لأنه كان أول اطلالة حقيقية لي على الجمهور العريض، جمهور زميلتي فيه ناديا الجندي. وهناك "غرقانة" الذي كان خطوة فكرية جبارة في صحبة محمد خان الذي حول، هنا، نصاً عادياً الى بحث في الاسطورة. وهناك أيضاً "انذار بالطاعة" مع الراحل عاطف الطيب. في هذا الفيلم اكتملت خبرتي مع جيل الطيب وخان وبشارة. وابتدأت انظر الى هذه المجموعة عن قرب، تأملتهم ولاحظت تكوّنهم وتشتتهم وادركت انهم بالكاد يشكلون حركة متكاملة، التواصل بينهم ليس كاملاً. بعد اقفالي لدائرة ذلك الجيل كان فيلم "يوم حار جداً" مع محمد خان، فهو محطة انتاجية مهمة... حققناه لمجرد ان محمد خان كان يريد سد ديون "فارس المدينة" حنعمل ايه؟ فيلم يجتذب الجمهور العريض كلفته قليلة ومهمته سد الديون. كسبت في الفيلم خبرة فنية هائلة وعرفت، بفضل محمد خان، كيف سيكون شكلي حين ابلغ الخمسين من عمري. بعد ذلك كله كان "المهاجر" مع يوسف شاهين. قبل ذلك لم اكن اتوقع ان أتعامل معه، فأنا لم اكن حتى معجباً به. ولست ادري لماذا اختارني...
ربما لأنك تشبهه؟
- وربما كان هذا هو السبب الذي جعلني لا أرغب في العمل معه. المهم ان التفاهم بيننا صار سهلاً منذ لحظة بدء العمل. هذه المحطة من حياتي، هي محطة اساسية لأن عنوانها المؤسسة، العمل مع المؤسسة. فيوسف شاهين مؤسسة قائمة في ذاتها.
هل كنت خائفاً من العمل معه؟
- الحقيقة انه هو الذي كان خائفاً. هو الذي اخبرني بهذا وقال لي انه كان خائفاً مني على عمله. المهم قبل بدء العمل اجتمعنا وتحدثنا وأخبرني بأنه لن يدفع لي كثيراً. قبلت وقلت له لا اريد منك شيئاً، رفض قائلاً انه لا يحب ان يضحّي أحد من أجله. فقلت: انني اضحّي من اجل نفسي. والحقيقة انني تعلمت منه الكثير.
اسطورة الرصيد الجماهيري
بعد كل هذه السلسلة من الافلام كيف ترى علاقتك بجمهورك؟
- العلاقة مع الجمهور امر في غاية الصعوبة. انني أحضر ندوات كثيرة واتناقش مع جمهور كبير، فاكتشفت من يقول لي انه يفضلني في افلام مثل "عصر القوة" والى جانب ناديا الجندي، ومن يرى انه من الافضل لي الا انزل عن مستوى المهاجر" او "فارس المدينة". لو توقفت عند مطالب الجمهور سوف لن نبدع، ابداً. ترى هل بامكان احد ان يدعي انه يفهم ما يريده الجمهور حقاً؟ ثم مضى كلمة "رصيدي لدى الجمهور"؟ انها مجرد كلمة احصائية. انا حين اقف امام الكاميرا انسى الجمهور ورصيدي وكل الارصدة الباقية...
دورك في فيلم "يوم صار حدا" دور صعب، كبّرك عشر سنوات على الأقل. فيه وضعت نفسك في موضع الجلاد والضحية في الوقت نفسه. هو دور من الصعب على الممثل ان يقبله عادة...
- لعبت الشخصية بعدما كان محمد خان يريدني في الدور الثاني، دور الشاب غريب. قبل التصوير ب 5 أيام قال خان انه يفضل ان العب دور الزوج. كان العذاب فظيعاً. سألته كيف يريدني ان اكبر 10 سنوات في 5 أيام. ده جسدياً مش ممكن، لكنه أصر. اما أنا فقد اخذت البعد النفسي للشخصية من داخل ومشاعر محمد خان نفسه الذي بلغ الخمسين من عمره. بصراحة لم أكن أعرف ما الذي ستكون عليه النتيجة اما هو فكان يعرف كل شيء. هذا الكلام نفسه ينطبق على عملي معه في فيلم "غرقانة" ذلك العمل الفكري البحت...
دورك في "غرقانة" ناسبك، كما يبدو، لأنك انت في الأصل قارئ نهم... ماذا تقرأ هذه الأيام...
- الكتب الفكرية بشكل خاص. اقرأ لمؤلفين افضلهم من أمثال زكي نجيب محمود وحسن حنفي. وفي الوقت نفسه وضعت لنفسي مشروع قراءة فكرية ينقل من المغرب الى المشرق، وجمعت كتب محمد اركون والجابري وغيرهما. اضافة الى الفكر اقرأ الرواية، انا مهووس رواية، واعتقد ان الأدب الروائي هو الأدب الذي يعطي قارئه خبرات وحيوات انسانية متعددة. وأقرأ الشعر كثيراً. أقرأ فؤاد حداد كما أقرأ المتنبي والمعري وعبدالصبور والسياب وحجازي.
اذن، هذا كله، وخبراتك القرائية والفكرية اوصلتك، اخيراً، للعمل مع مخرج يصغرك في السن هو اسامة فوزي في فيلمه الأول "عفاريت الاسفلت"...
- احببت العمل في هذا الفيلم منذ اللحظة التي قرأت فيها السيناريو. لقد احسست انني اقرأ رواية، وانتقل من موقف الى موقف. بعد انتهائي من قراءته وقفت مذهولاً كيف كتب شخص مثل هذا العمل الرائع؟ انا منذ زمن بعيد تشغلني مسألة العلاقة بين الأدب الروائي والسينما وكنت اتساءل دائماً لماذا فشلت السينما حتى امام أعمال مثل "العجوز والبحر" و"موبي ديك" و"الحرب والسلام"، كان يغيظني دائماً ان السينما لم تصل ابداً الى مستوى الرواية. ومن هنا ما ان قرأت "عفاريت الاسفلت" حتى رغبت في العمل فيه والدفاع عنه. وحتى حين منعت الرقابة تحقيقه بسبب ورود كلمة "عفاريت" في اسمه خوفاً من الأزهر، واصلت الدفاع عنه، ورحت اساهم في البحث عن منتج له. في النهاية حققنا الفيلم. لم آخذ عليه فلوس، لكني كسبت فيه سينما تكفيني طوال حياتي...
الفيلم هو، بالنسبة اليّ فيلم علاقات: علاقتك مع أبيك مع اختك مع الفتاة التي تريد اصطيادك عريساً. ترى هل كنت تدرك انك توجه ادانة كبيرة لذكورية المجتمع العربي في المشهد الجميل حيث تعرض على فتاتك تزويج اختك لشقيقها؟
- بالتأكيد، بل اقول لك انني اعتبر هذا المشهد المعادل الموضوعي لحياتي ولكل تناقضات حياتي. انا كذكر عربي دائماً أمارس اموراً لست موافقاً عليها. وتجدني طول الوقت ممزقاً اقطع نفسي وسط تناقضاتي. انا في الحياة اعيش خلافات كبيرة مع ابي ومع مجتمعي بصدد قضايا التربية. أريد ان أكون معاصراً وحديثاً، ثم في لحظة أخرج عن كل قناعاتي وأمارس اقصى انواع السلطة والقمع. دون ان اكف لحظة عن ادعاء العقلانية. لقد مثلت المشهد الذي تتحدث عنه وأنا مدرك خطورته. هذا الفيلم سيظل، في جميع الاحوال، علامة في تاريخ السينما. وعلامة في تاريخي، حيث انه اتاني في وقت كنت ارغب ان افضح نفسي واخلاقياتي واخلاقيات المجتمع. جاءني في لحظة هدث مع الذات كان شعاري فيها سطري شعر لفؤاد حداد يقولان: الحاجز انهار ما بين القلب والقالب / لازم يكون الفن هوه اللي غالب. كنت أشعر ان هناك حاجزاً سميكاً بين دورنا التقدمي في الفن ودورنا الرجعي في الحياة، ويجب ان ينهار ذلك الحاجز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.