في عام 1980، بينما كنت أنتج فيلماً وثائقياً عن الصراع العربي - الاسرائيلي من منظور الأطفال، وجدت نفسي في أحد المخيمات الفلسطينية قرب العاصمة الأردنية عمّان. وطلب مني مدير المدرسة في ذلك المخيم ان أتحدث الى طلابه. بعد ان تحدثت اليهم عن البرنامج الوثائقي بدأت في توجيه، الأسئلة اليهم. سألتهم: أي دولة يوجد فيها أكبر عدد من المسلمين في العالم؟ قالت احدى الفتيات: المملكة العربية السعودية. وقال أحد الأولاد: مصر. عندئذ عنّ على خاطري ان أطلب من مدير المدرسة ان يظهر معرفته أمامهم ولكنني خشيت ان أحرجه اذا ما أخطأ في الاجابة هو الآخر. وقلت لهم ان أكبر دولة اسلامية هي اندونيسيا. وسألني أحد الأولاد: هل تقصد الهند؟ قلت: لا، فالهند تأتي في المرتبة الثانية بينما تأتي باكستان في المرتبة الثالثة. ترى ماذا ستكون النتيجة لو أنك سألت ألف شخص في الشرق الأوسط مثلاً من أين جاء الجمل أصلاً؟ هل سيعرف أي منهم الجواب؟ فقبل أسبوعين فقط لم أكن أعرف ان عائلة حيوان الجمل أصلها أميركي، اذ ان الأبحاث العلمية تبين ان معظم الجمال القديمة كانت تهيم على وجهها في البرية في السهول الوسطى من أميركا الشمالية قبل حوالى أربعين مليون سنة. ومع نهاية العصر الجليدي الأخير أي قبل حوالى 12 ألف سنة لم يبق منها أي شيء. وكان الجمل المألوف ذو السنام الواحد أو الجمل ذو السنامين قبل تدجينه يتجول قبل ذلك العصر في ما يعرف اليوم بألاسكا وسيبيريا حين كانتا متصلتين معاً وعبر السهوب الروسية حتى المنطقة المعروفة اليوم باسم كازاخستان وتركمانستان حيث ازدهر هناك. اذاً هل واصل البعض منها التوجه جنوباً الى الشرق الأوسط والخليج والمغرب العربي؟ يقول بعض العلماء انه مثلما نشأ بعض الأجناس البشرية أصلاً في آسيا وافريقيا فان سلالة ثانية مختلفة من الجمل نشأت في المنطقة المعروفة الآن باسم العالم العربي. العودة الى الأصل لكن احدى سلالات عائلة الجمل، اللاّما، اتجهت جنوباً بدلاً من الاتجاه غرباً قبل حوالى ثلاثة ملايين سنة هرباً من الزحف الجليدي وازدهرت في أميركا الجنوبية حيث استطاع السكان تدجينها قبل حوالى خمسة آلاف سنة، لا سيما في جبال الأنديز. وأصبح حيوان اللاما، وهو أصغر أنواع الجمال، مثل نظرائه في غرب آسيا وأميركا الشمالية يستخدم لحمل الأثقال ولجز الصوف للسجاد أو الملابس أو للحمه وجلده. بدأ حيوان اللاما يعود اليوم الى أميركا الشمالية بعدما وصل عدد الحيوانات التي استوردتها من أميركا الجنوبية الى حوالى خمسين ألفاً. ويتراوح ارتفاع اللاما بين 170 و185 سنتيمتراً. أما المهمة الأساسية له فهي حراسة الأغنام والأبقار لأن استخدامه لهذا الغرض أرخص كثيراً من توظيف الرعاة أو استخدام الكلاب ولأنه أكثر فعالية في اداء هذه المهمة، هذا طبعاً اضافة الى فوائده الأخرى مثل استخدام صوفه في صناعة السجاد. ودورة حياة اللاما معروفة. اذ ان الأنثى تحمل وليدها لمدة ثلاثمئة وخمسين يوماً. وبعد الولادة بأسبوعين تكون جاهزة للمعاشرة ثانية ما يعني ان أنثى اللاما تلد مرة كل عام وفي الموعد نفسه تقريباً. وفي هذا ما يعني أيضاً ان في وسع الراغب في شراء اللاما ان يحدد الوقت الذي يريد الشراء فيه. وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر سوق مزدهرة لاستخدام اللاما في حراسة الأغنام في دول عدة وفي مقدمتها ألمانيا واستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا واليابان. كما يقول أحد مربي اللاما في ولاية فرجينيا وهو ستيف دبيكوسكي انه يبيع الحيوان الى كندا والأرجنتين وجزر الهند الغربية. اذن أين يمكن لحيوان اللاما ان يعيش ويزدهر؟ تقول الدكتورة دونا ماثيوس وهي جراحة في طبّ الحيوان تربي اللاما في ولاية فرجينيا: "أينما تستطيع الماشية والماعز ان تعيش يستطيع حيوان اللاما العيش أيضاً. والمناطق الجبلية التي يكون الطقس فيها معتدلاً أو مائلاً الى البرودة في الليل مثل المغرب والجزائر وبعض مناطق الجزيرة العربية واليابان ملائمة لتربية الحيوان لأن درجة حرارة جسمه أثناء النهار ربما تصل الى 43 درجة مئوية ولكنه بحاجة الى طقس بارد في الليل لكي تبرد حرارة جسمه. ولهذا نجد ان مربي اللاما في فرجينيا يؤمنون لها الحظائر المزودة أحياناً بمراوح التبريد الكهربائية". وغالباً ما ترعى ناقة اللاما وليدها لمدة عام ثم تهجره بعد ذلك لتعتني بالوليد الجديد. ولكي يتجنب الوليد المضاعفات السلبية التي تنجم عن تخلي والدته عنه فجأة يلجأ مربو اللاما في الولاياتالمتحدة الى الفصل بينه وبينها بسياج بعد فترة ستة أشهر لكي يبدأ التعود على العناية بنفسه في مرحلة مبكرة مع استمرار عناية الأم عبر الحاجز الى ان يصل الوليد الجديد. ويبلغ وزن اللاما عند الولادة ما بين 11 و12كيلوغراما ويستمر في النمو الى ان يصل وزنه في مرحلة النضوج الى ما بين 120 و160 كيلوغراماً أو أكثر في بعض الحالات. ومن حسن حظ مربي اللاما ان الأنثى تضع وليدها دائماً في النهار على عكس الكثير من الحيوانات الداجنة الأخرى. وتنتج الأنثى عادة ما بين 18 و20 وليداً. ومع ان الأنثى تصل مرحلة النضج بعد عامين أو أقل فان الذكر ينضج بعد ثلاث سنوات. أما ثمن الذكر الذي يعاشر الأنثى من أجل تحسين السلالات فيصل الى ثمانين ألف دولار. ومع ان هذا الثمن قد يبدو مرتفعاً فانه يمكن ان يعود على صاحبه بمئتي ألف دولار في العام. حيوانات نظيفة وأنيقة واذا كانت الكلاب التي تستخدم في حراسة قطعان الماشية تحتاج الى مختلف أنواع الطعام الخاصة كاللحوم فان اللاما يتغذى على العشب نفسه الذي تتغذى عليه الماشية التي يحرسها. كذلك يستخدم المربّون الأميركيون التبن وأنواع الحبوب الرخيصة في إطعامها. ولا يحتاج اللاما الى الكثير من الماء كما ان في وسعه البقاء من دون ماء لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، ما يعني انه يمكن التخلص من فضلاته بسهولة. وهو حيوان نظيف وأنيق يلتزم بأماكن معينة للراحة أو الجماع أو التخلص من الفضلات. وقد علّمت بعض العائلات الأميركية التي اشترت اللاما كحيوان داجن أليف، هذا الحيوان على استخدام صناديق النفاية نفسها التي تستخدمها العائلة. ومن الطريف ان هذه الحيوانات تعتاد على مواعيد تناول وجباتها وتلتزم بها دائماً ولا يمكن ان تطلب الطعام في أي وقت آخر. واللاما له أضراس علوية وسفلية وراء الفك. أما في مقدمة الفم فله أسنان حادة على الفك السفلي. وللذكر خمسة أنياب ماضية في مقدمة الفم كوسيلة للدفاع. وشفة اللاما مشقوقة مثل الجمل. ومع ان اللاما تأكل كمية من الطعام مثل الماشية فانها تعطي من اللحوم أكثر منها بنسبة أربعين في المئة. وحيث يلزم فدان للبقرة أو لخمس نعاج تحتاج كل خمسة جمال لاما فداناً واحداً. وحيوان اللاما أقوى عادة من الكلاب أو الخيول وهي المنافسة الرئيسية لها في مجال عملها. وتقول الدكتورة دونا ماثيوس "يمكن ان تصاب حيوانات اللاما بالعدوى نفسها مثل الماشية والأغنام، كما انها تتعرض للطفيليات الداخلية مثل الغزال. ولكنها نادراً ما تصاب بقرحة مثلاً اذا ما أفرطت في تناول الطعام. أما مشكلتها الأساسية فهي الاعياء الذي تشعر به نتيجة الحرارة الشديدة". "وخلال هذه السنة لم أعالج سوى عشرة من جمال اللاما بالمقارنة مع عشرات الخراف والأغنام والحيوانات المنزلية الأليفة الأخرى. أما مشكلة الاعياء الناجم عن ارتفاع درجة الحرارة فيمكن التغلب عليها بسهولة برش اللاما بالماء باستخدام الخراطيم أو الرشاشات". ويمكن تدريب اللاما على حراسة قطعان الماشية والأغنام خلال ساعات قليلة بينما تحتاج كلاب الحراسة الى أشهر عدة. كما ان معدل عمر كلب الحراسة في أميركا هو ثلاث سنوات فقط. ومع ان كلب الحراسة يستطيع مطاردة كلب بري أو اثنين فانه لا يستطيع مواجهة مجموعة من هذه الكلاب اذا ما هاجمت القطيع الذي يحرسه، بل وكثيراً ما يكون هو الضحية في هذه الحالة. أما اللاما فنادراً ما يقتل الكلاب البرية ولكنه يرهبها بحركاته ويضربها بحوافره الأمامية الى ان تهرب. وفي حالات نادرة يستخدم رجليه الخلفيتين ليركلها بعنف. تقول باربرة هولاند المؤلفة الأميركية التي تولي اللاما اهتماماً بالغاً: "هناك أنواع معينة من الكلاب البرية التي تجعل اللاما يتحول الى نمر حين تهاجم القطيع الذي يحرسه". غريزة حب الاستطلاع ومما يدلّل على قيمة الدور الذي يقوم به اللاما ان الحيوانات المفترسة قتلت من الخراف الأميركية في عام 1985 ما قيمته حوالى 69 مليون دولار. وبعد ذلك بعامين وصلت قيمة الخسارة الى 83 مليون دولار. أما الآن وبعد الشراع في استخدام اللاما في حراسة القطعان فقد انخفضت الخسارة الى أقل من ثلاثين مليون دولار في العام. ففي ولاية أيوا مثلاً كان معدل الخسارة التي يصاب بها مربي الماشية 26 خروفاً وحملاً في العام. أما الآن فقد انخفضت هذه الخسارة بفضل استخدام اللاما الى أربعة فقط. ومن الواضح ان هناك ألفة بين اللاما والماشية والأغنام التي ترى في اللاما حارساً يذود عنها ويقودها الى برّ الأمان حين تهب العواصف وتنهمر الأمطار. تقول الدكتورة ماثيوس: "ان اللاما يعشق العمل كما انه يشعر بسرور وارتياح لأي شيء يثير غريزة حب الاستطلاع لديه. فحيوان اللاما يفضل ان يتجول في ملعب للغولف مثلاً لكي يحاول تخمين ما يفعله كل شخص في الملعب على ان يطأطئ رأسه ويمضغ العشب. ويكاد يكون الانسان والماشية المخلوقات الوحيدة التي يقبلها اللاما مثلما يقبل أبناء جلدته". والواقع ان من يزور مزرعة لتربية اللاما يفاجأ بهدوئها وبغريزة حب الاستطلاع لديها. اذ ان الحيوان يقترب من الوافد حتى مسافة قريبة جداً ولكنه يرفض السماح بلمسه أو التربيت عليه. فاللاما حيوان ودود ولكنه في الوقت نفسه خجول. ومن الحقائق المعروفة ان الاسبان الذين حاولوا ركوب اللاما حين استعمروا أميركا الجنوبية صادفوا صعوبة كبيرة لأن الحيوان كان يدير رأسه نحو راكبه ويبصق في وجهه. لكن اللاما بشكل عام يستطيع ان يحمل ثلث وزنه بكل سهولة، وكأنه يحمل طفلاً على ظهره. وهو من أكثر الحيوانات تكيفاً وقدرة على التعلم. اذ يمكن تدريبه على ارتداء اللجام خلال دقائق. وحين يشعر الحيوان بالعطش أو برغبة في قضاء حاجة أو بعدم ارتياح من الحمل يبدأ في العويل أو الزمجرة. أما اذا غضب فإنه يشخر بصوت عالٍ أشبه بالنباح. وتقول الدكتورة ماثيوس ان هذا انذار لنا بأن الحيوان يهددنا بالبصاق". وكما هو الحال في الكلب فان أذني اللاما تنتصبان حين يغضب الى الوراء. ويستخدم اللاما الأنين كوسيلة للانذار. اذ تقول الدكتورة ماثيوس انها باعت واحداً الى احد مربي الماشية في فرجينيا ليقوم بحراسة قطيعه. لكن المزارع اتصل بها ليشكو من ان اللاما لا يكف عن الأنين. وعندها قالت الدكتورة ماثيوس: "لربما كان السبب هو ان أحد الخراف يعاني من وضع أو يواجه مشكلة لا يستطيع اللاما حلها". وبعد التحري والتدقيق اتضح فعلاً ان حافر أحد الخراف كان مشدوداً الى سياج شائك وان أنين اللاما كان وسيلته للانذار بالخطر! أما حين تلهو حيوانات اللاما فهي تتصرف كالجمال تماماً وتقفز في الهواء وتتبطح مثلها. اللاما استثمار جيد الثمن الأدنى للأنثى هو حوالى 3500 دولار، لكن معدل ثمنها يصل الى 15 ألف دولار. أما الذكر فيمكن شراؤه بحوالى 700 دولار مع ان معدل ثمنه في العادة يصل الى حوالى 11 ألف دولار. لكن الذكور المستخدمة في التوليد والتناسل أغلى من ذلك كثيراً كما أسلفنا. كما ان الأنثى الحامل تباع بمبلغ يتراوح ما بين تسعة آلاف دولار وثمانية عشر ألف دولار. يضاف الى ذلك كلفة الرعي والطعام والادارة التي تصل الى حوالى ألف دولار في السنة، وأجور الطبيب البيطري التي تبلغ ما بين مئتي وستمئة دولار. علاوة على ذلك هناك تكاليف التأمين على الحياة التي تصل الى نسبة ثلاثة في المئة من قيمة اللاما كل سنة. في المقابل يجني مربي اللاما من الصوف ما يتراوح بين 60 دولاراً و600 دولار في العام تبعاً للنوعية. وبينما تكلف الأنثى مثلاً حوالى أربعة آلاف دولار اضافة الى تكاليف الرعاية والتربية وهي حوالى ألفين وخمسمئة دولار نجد انها تلد مولوداً كل سنة يمكن لصاحبه ان يبيعه اذا كان ذكراً بحوالى ألفين وخمسمئة دولار واذا كان أنثى بحوالى أربعة آلاف دولار. وفي هذا ما يعني ان الاستثمار في الأنثى أفضل كثيراً من الاستثمار في الذكر الا اذا كان يستخدم في التوليد والتهجين. ويباع صوف اللاما بسعر يتراوح ما بين دولار الى ثلاثة دولارات لكل عشرة غرامات. ومعدل ما يعطيه حيوان اللاما من الصوف في العام يتراوح بين 900 غرام و1800 غرام، تبعاً لعدد المرات التي يتم فيها جزّ صوفه. ولعل أفضل أنواع لاما الصوف هو "الباكاس" الذي يتم جزّ صوفه مرة واحدة في العام، لكنه ثمين جداً. اذ يقول كليف فريدركسون الذي يملك مزرعة فيها 75 لاما من صنف الباكاس في فرجينيا، انه يبيع صوفاً بقيمة 1500 دولار من كل حيوان في العام، مع ان تكاليف تربيته لا تتجاوز 700 دولار في السنة. كذلك يبيع فريدركسون كل زوج من صغار اللاما أي ذكراً وأنثى من عمر ستة الى ثمانية أشهر بحوالى ثلاثين ألف دولار. والكثيرون يستثمرون في حيوانات اللاما لمجرد التهجين والتوالد. وفي الولاياتالمتحدة تستخدمها دائرة المتنزهات الوطنية لحمل الأثقال في المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب على السيارات الوصول اليها. كما ان بعض المستشفيات الأميركية يستخدمها كأنيس للمرضى المتقدمين في السن نظراً لأنها ودودة وحلوة المعشر. أما في أميركا الجنوبية فهي تستخدم في حالات كثيرة من أجل لحومها. وتقول دائرة السجل الدولي لحيوان اللاما ان لديها سجلات بأصول أكثر من 71 ألف لاما في الولاياتالمتحدةوكندا وبريطانيا وعدد آخر من الدول بينها حوالى خمسة آلاف الباكاس و108 من نوع الغوناكاس وهو نوع بري يخضع لقوانين حماية البيئة. وهناك أيضاً اضافة الى هذه الحيوانات المسجلة مئات الآلاف من جمال اللاما التي تنتشر في أماكن أخرى من العالم لا سيما أميركا اللاتينية وألمانيا.