بالأرقام..تحقيق يكشف كيف أبادت الحرب الإسرائيلية عائلات بأكملها في غزة    المياه الوطنية تجري 4100 فحص مخبري يومياً خلال موسم الحج    القادسية يشارك في بطولة MADCUP الإسبانية    فيلم "ولاد رزق 3" يحطم الأرقام القياسية في السينما المصرية بأكثر من 18 مليون جنيه في يوم واحد    خادم الحرمين الشريفين يتكفل بنفقات الهدي ل 3322 حاجاً وحاجة من برنامج الضيوف    «الناتو» يبحث نشر أسلحة نووية جاهزة للإطلاق    هيئة الاتصالات: وصول مكالمات الحجاج إلى 44.8 مليون مكالمة في مكة والمشاعر خلال يوم العيد    51.8 درجة حرارة المنطقة المركزية بالمسجد الحرام    تراجع أسعار النفط والذهب    عروض الدرعية تجذب الزوار بالعيد    "الأونروا": الأعمال القتالية مستمرة في غزة رغم إعلان الجيش الإسرائيلي    "الصحة" للحجاج: تجنبوا الجمرات حتى ال4 عصراً    إنقاذ حياة حاجة عراقية من جلطة دماغية    عيد الأضحى بمخيمات ضيوف الملك ملتقى للثقافات والأعراق والألوان الدولية    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الدفاع المدني المكلف وقائد قوات أمن المنشآت    الرئيس المصري يُغادر جدة بعد أدائه مناسك الحج    نائب أمير مكة يستقبل وزير الحج ووزير النقل والخدمات اللوجستية وقائد قوات أمن الحج    «الصحة»: 2764 حالة إجهاد حراري بين الحجاج أول أيام العيد.. تجنبوا الخروج وقت الذروة    تفادياً لانضمام سموتريتش وبن غفير.. نتنياهو يحل مجلس الحرب    بيئة القصيم : 8 الاف اضحية تستقبلها المسالخ أول أيام عيد الأضحى    "إنذر أصفر"ارتفاع درجة الحرارة الى 47-48 في المشاعر المقدسة    انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    نائب أمير مكة يطّلع على الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن وجاهزية خطط أيام التشريق    الحكومة الهندية تدرس خفض الضرائب لزيادة الطلب    رونالدو "ماكينة" الأرقام القياسية يتطلع إلى المزيد في ألمانيا    «الأرصاد»: «49 درجة مئوية» الحرارة العظمى المتوقعة في منى ومكة.. اليوم    مصرع 5 أشخاص في حادث تصادم قطارين في الهند    كاليفورنيا ..حرائق تلتهم الغابات وتتسبب بعمليات إجلاء    الاحتلال الإسرائيلي يحرق صالة المسافرين بمعبر رفح البري    1 من كل 7 بالغين مهدد بالابتزاز الجنسي    رئيس "سبل" يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الأضحى    الشؤون الإسلامية تعايد ضيوف خادم الحرمين الشريفين بعيد الأضحى المبارك    الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للبحر الأحمر يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    عبدالعزيز بن سعود يلتقي منسوبي الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية    أمير جازان يستقبل المهنئين بعيد الأضحى المبارك    قتل تمساح ابتلع امرأة !    وليّ العهد يستعرض مع شارل ميشيل القضايا الإقليمية    «السراب» يجمع يسرا اللوزي وخالد النبوي    مصادر «عكاظ»: هتان يحدد مصيره «الاحترافي» عقب رحلة أمريكا    «الإحصاء»: التضخم يواصل استقراره.. وصعود طفيف للأسعار    في أمنٍ واطمئنان.. الحجاج يستقرون في منى    استثمار منصات التواصل في تجديد الخطاب والرد على شُبُهاتِ أهل الإلحاد    «الداخلية» للحجاج: تقيّدوا بالمواعيد والمسارات والاتجاهات المحددة    40 نيابة لمباشرة القضايا في الحج    محافظ الطائف يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    1 من 6 مصابون به.. هذه المشكلات وراء العقم في العالم    5 فوائد صحية لماء البامية للرجال    العيد.. فرصة للتجديد!    ردة الفعل تجاه مستيقظي العقل    نستثمر في مستقبل المملكة والعالم    تين هاج: إدارة مانشستر يونايتد أبلغتني بالاستمرار مدربا للفريق    العيال لم تكبر !    في فمي ماء !    عاتق البلادي يحصي آثار أم القرى    الأمير خالد الفيصل يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بحلول عيد الأضحى المبارك    أمير منطقة تبوك يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في انتظار "يقين العطش" آخر اجزاء الثلاثية . ادوار الخراط : للكاتب نص واحد وشخصية واحدة والكتابة وليدة الوحشة التي تؤدي الى الحب
نشر في الحياة يوم 09 - 08 - 1993

ادوار الخراط محل اجماع في ريادة الكتابة الجديدة في مصر، قصاص وروائي، لكن نصوصه تحتمل تصنيفات عدة، لغناها وانفتاحها على انفاس شعرية واجتماعية وتاريخية ونفسية.
هذا الكاتب الذي قوبل بالرفض في عمله الاول "حيطان عالية"، طلب البعض في الخمسينات ارساله الى مستشفى الامراض العقلية، وهو اليوم حاضر ومؤثر منذ السبعينات في مصر وفي العالم العربي ايضاً.
والحوار الآتي مع ادوار الخراط يتناول شكل الكتابة لديه، ولغة القصة ومكوّناتها الحضارية وبعض اشكالات العلاقة الثقافية بين مصر والعالم العربي.
شكل الكتابة عندك، توقف عنده الكثيرون. "الكتابة عبر النوعية"، والتسمية في حاجة الى ايضاح.
- بطبيعة الحال، وكما يحدث معي دائماً، احاول ان استخلص المصطلح - حتى ولو كان غير مألوف - من الظاهرة وليس العكس. ولا احاول ان اقصد او اقحم المصطلح على الابداع الفني.
كتاباتي الاولى في مجموعة "حيطان عالية"، يرجع بعضها الى الاربعينات وكتب الشق الاكبر منها في 1955 بالتحديد. وقد لاحظت، بعد فترة من الزمن، وجود مظهرين على الاقل، يخرجان عن المتواضع عليه في كتابة القصة القصيرة، بمعنى ان هناك خروجاً على مصطلح القصة المحبوكة، التي لها مقدمة ولحظة كشف الى آخر هذا حسب الوصفة الموباسانية نسبة الى الكاتب الفرنسي غي دو موباسان والتشيخوفية نسبة الى الكاتب الروسي انطون تشيخوف التي برع في صنعها يوسف ادريس وكوكبة اخرى من كتاب القصة القصيرة.
اقول انني لاحظت، في احيان معينة، لبساً طويلاً عند لحظة من اللحظات، لبساً يوقف مسار القصة، ويغوص في محاولة لسبر عمق او بعد معين من ابعاد الموقف او الشخصية او المشهد. وهو يبدو اقرب الى تقنية الرواية، وليس مما يتسق تقليدياً مع تقنية القصة القصيرة. ثم ان هناك نوعاً من الشطح الشعري او الشاعري او الغنائي، بحيث تكون رواية الشعر آسرة واقوى من ان تقاوم، بل العكس فهي تسهم، في تصوري، في اضفاء نوع جديد على مجريات القصة القصيرة.
والشعر أو الشاعرية، للمناسبة، كلمة ابتذلت كثيراً واطلقت كثيراً على اشياء لا تتعلق بها، او على كتابات لا علاقة لها بالشعرية. وانا ادعو الباحثين والنقاد والكتاب الى امعان النظر قليلاً في استخدام كلمة الشاعرية الآن فهي اوشكت ان تستهلك او تفقد معناها.
الغنائية، اذن، او الشاعرية او النفس الشاعري المحلي ايضاً، لم يكن مما يتفق مع مصطلحات القصة القصيرة التي تعتمد السرعة والخطف والايجاز والتركيز وما الى ذلك من مقولات كانت سائدة في فترتي الاربعينات والخمسينات. اضف الى ذلك امتزاج، بل حتى انصهار، الواقعي المحدد الملموس بكل تفاصيله الدقيقة مع الفانتازي والخيالي والحلمي والبعد النفسي والداخلي، انصهاراً لا يتأتى عن تجاوز عنصرين، او عن ادخال الخيال والفانتازية في مجرى السرد القصصي، بل يتأتى عن تمازج وتداغم هذين العنصرين، حيث يصبح عنصر الحلم اكثر واقعية من الواقع، اذا كان ثمة مجال لافعل التفضيل هنا.
في حقيقة الامر، نحن نعطي لعنصر الفانتازيا والحلم المكانة نفسها، تماماً، التي تعطى لما نسميه الواقع، بإعتبار ان الواقع - في تصوري انا - شيء شديد التعقيد، شديد الغنى، شديد الثراء، ولا ينحصر في المصطلح الذي درجنا على استعماله للاشارة الى مجرد رصد الظواهر او الوقائع الاجتماعية او اليومية.
هذه الملاحظة التي تنبهت اليها بعد كتابة مجموعتي القصصية الثانية "ساعات الكبرياء"، هي التي افضت الى تأمل هذه الظاهرة ومحاولة فهمها ورصدها وتحليلها، تحت اطار ما اسميه "الكتابة عبر النوعية"، اي الكتابة التي تتمثل منجزات اجناس ادبية او انواع قولية اخرى، وتستوعبها، ولا تضعها داخل اطار معين، بل تتجاوز هذا الاطار الى ما يمكن ان نسميه جنساً ادبياً اخر. ليس هذا فقط بل يمكن تلمس آثار او دخول عناصر من الفنون الاخرى: الفنون التشكيلية الرسم والتصوير والنحت وفنون الموسيقى، اهمية الجرس واللحن والتناغم بمعناه الدقيق وليس بالمعنى المجازي. كل ذلك يدخل - لاحظت انه يدخل - ويزداد دوره اهمية كتابة بعد كتابة في اعمالي وفي اعمال قلة من الكتاب الآخرين. هذا ما افضى بي الى استخدام هذا المعنى او التعبير او المصطلح، حيث يمكن ان نقول ان التواشج والتداخل والتداغم، وهذه الاجناس والانواع والعناصر والتأثيرات من الفنون القولية وغير القولية، هي التي تؤدي في النهاية الى هذا النوع او الجنس او النتاج او الكتابة الجديدة التي اسميها "الكتابة غير النوعية".
استفزاز القارئ
هل نستطيع القول اننا هنا امام نوع خاص من الكتابة، وامام نسيج ابداعي مفرد؟
- لا شك انها كتابة خاصة وتحتاج الى قدر من الامانة مع النفس، والمقدرة على تجاوز الحدود الآمنة الموضوعة سلفاً، وكذلك المقدرة على المخاطرة وعلى الوثب في الظلام حتى ولو دقت عنق الكاتب، لكن، بالتأكيد، ان وجود عناصر كالشعر وعناصر روائية وتشكيلية في العمل الادبي ليس بالشيء الجديد او غير المسبوق. الجديد هنا ليس فقط الوعي بذلك وتأمله وتحليله، بل سيادة هذا التواشج والتداخل بين الانواع، استيعابه وتجاوزه وليس فقط مجرد التأثر بأنواع اخرى.
المسبوق والقائم والمكرس، حتى وان كان قليلاً وغير مألوف، هو وجود تأثيرات شعرية وتشكيلية في الفنون القولية، لكن انصهار هذه المقومات والمكونات في نتاج يتمثلها، او يضمها تماماً بحيث تتحول الى شيء آخر، هو ربما الجديد في هذه الكتابة.
أبقيت مخلصاً لهذه الرؤية عبر كتاباتك المختلفة وحتى الآن؟
- عمداً او عن غير عمد، وجدت نفسي مسوقاً الى هذا النوع من الكتابة بحيث وضعت على كتاب مثل "رامة والتنين" عبارة "رواية" بينما يرى بعض الباحثين من اصحاب البصيرة النافذة ان الكتاب قصيدة او رواية شعرية هو و"الزمن الآخر"، فكأن العناوين التي اضعها على كتبي هي دعوة لاستفزاز القارئ والناقد والباحث ليتأمل في ماهية نوع الرواية، القصة القصيرة، النص. في "ترابها زعفران" كان العنوان "نصوص اسكندرانية"، كما لو انها لا تنتمي الى نوع القصة او الرواية التقليدية، وان كان هناك - في تصوري - في ما اكتبه سيادة وسطوة للعملية السردية، وهذا ما يفرق بين القصة والرواية وبين الشعر الصريح والمسرح الخالص، لانه يوجد ما اسميته "سطوة السرد".
ماذا تعني بسطوة السرد؟
- السرد لا يتضمن بالضرورة او على الاطلاق وجود حكاية واحداث او وقائع يأخذ بعضها برقاب بعض. ولكن من الممكن ان يكون السرد متضمناً وقائماً في مجرد عملية الوصف، وصف مشهد خارجي او نفسي بقوة اللغة وبتركيبة السياق. ومن تدفق او تلبس عناصر الوصف يتكون نوع من الحكاية المضمرة في طبقة مستترة من طبقات الحساسية، لكن السردية لا بد ان تكون موجودة، وليس كما يحدث في قصيدة الصراحة، نوع من الشعر فقط، ما هو الشعر؟ هذا سؤال ارجو الا تطرحه عليّ، لانني لا اعرف بماذا اجيب. ولا اظن احداً يحسن الاجابة عليه…
انها مهمة البحث عن ماهية الاجناس الادبية؟
- كما قلت، جاء البحث تالياً للكتابة، او جاء كتأمل للظاهرة بعد ان اضحت حقيقة ملموسة ووجوداً فعلياً، ولم يكن سابقاً عليها ولا مهمة مرصودة منذ البداية. وانت تلاحظ ان هناك نوعاً من التطور، حتى في كتابتي انا نفسها. في بعض قصص "حيطان عالية" هناك بذور جنينية لهذا النوع، وهناك تحقق اكثر في البعض الآخر، ثم تطور وازدهار بالمعنى الوصفي البحثي وليس بالمعنى القيمي، بمعنى التفتح بعيداً عن اي حكم اجمالي على هذه الظاهرة ورسوخها، وذهابها الى شوط بعد شوط في مسار هذا البحث الابداعي اساساً، والنقدي بعد ذلك.
هل الكتابة عبر النوعية تنتمي لما بعد الحداثة؟
- "ما بعد الحداثة" مصطلح تختلف فيه الآراء، وهو يتضمن منجزات الحداثة كلها، كما يتضمن نوعاً من التراكم والتجاور والتعدد في انواع الكتابات بما فيها العودة الى صياغات وانماط وانساق في الكتابة سبق اكتشافها، بل سبق استنفادها. ما بعد الحداثة هو المصطلح الذي يمكن ان يشتمل على "الكتابة عبر النوعية" كما يشتمل على غيرها. الحداثة بمعانيها ومفاهيمها المختلفة لم تنقض، لم تمت، ليست "موضة" عابرة، كما ان كل الرؤى والانساق ليست "موضاً"، بل تدخل في التراث الواعي او غير الواعي للفنان الذي يكتب بعدها. حتى الكلاسيكية لا تشذ عن ذلك بما تتضمن من معاني التوازن والعقلانية والرومانسية، وكذلك المذاهب التحديثية والحداثية كلها من سريالية، وغيرها. كل هذا له صدقيته وفعاليته المستمرة، والخطأ ربما يقع في مجرد السير على دروب مطروقة وتقليدها بشكل آلي او اعادة انتاج او استنساخ ما قد تم وتحقق في الماضي.
العتمة وصرير الأسنان
من منظورك، هل هذه هي الكتابات الجديرة بالتقدير؟
- كل الكتابات جديرة باستثارتي شخصياً. لماذا؟ لان الكتابة التقليدية التي تنتمي الى ما اسميه الحساسية التقليدية، لها احترامها، ولها دورها، وادت دوراً وارست قواعد لما يأتي بعدها. ما ليس جديراً بالتقدير هو مجرد اعادة الانتاج واستنساخ ما سبق ان تم. هل يمكن ان نتصور اليوم فناناً يرسم مثل ليوناردو دافنشي او ينحت مثل مايكل انجلو؟ يهيأ لي ايضاً ان نجيب محفوظ وصل الى غاية ما يمكن ان يؤديه فنه، بغض النظر عن اي حكم تقييمي على هذا الفن.
كتابة القصة، كما كانت شائعة في الاربعينات، ليست ممكنة الآن. وتقليد قصة اميركا اللاتينية غاضت عنه مياه المغامرة الشخصية. المسألة ليست مسألة تقدير واحترام، انها مسألة القيمة الكامنة او الآنية الموجودة في العمل الفني نفسه. انا ارى انه لا بد من استكشاف هذه الانواع الآن، ليس لمجرد الولع بالمغامرة والاستكشاف، ولا لمجرد الشغف بالجدة بل، ببساطة شديدة جداً، لان مادة الفن الخام - اذا صح هذا التعبير - لا حصر لها ولا نهاية، وهي متجددة باستمرار وجديرة بأن تستكشف انحاؤها غير المحدودة.
لا يمكن ان نكرر الطرق على المادة ثم طرقها مرات عدة، ونترك كل هذه الساحات او الآفاق غير مسبورة وغير مستكشفة. من هنا تأتي دورة واثارة الكتابات الجديدة، ليس لمجرد الشكلية او الشكلانية لانه ليس هناك في حقيقة الامر شكل منفصل عن مضمونه - اذا صح التعبير - او عن مادته، وليست هناك صياغة الا ومرتبطة برؤيتها الخاصة وكلاهما يتفاعل مع الآخر ويؤثر ويكوّن.
بين 1959 و1972 توقفت عن الكتابة، وهذا يجعل الامور تلتبس على دارسي ادبك، حين يحاولون تصنيفك او تحديد انتمائك من زاوية "المجايلة"…
- تعبير "المجايلة" لا اوافق عليه ولا يقنعني بأي معنى من المعاني، لان هناك خواطر ادبية وليست هناك اجيال ادبية، هناك ظواهر او حركات او نقلات ادبية وفنية… الخ. لكن المبدعين لا يتعاقبون كما العقود، بحيث يأتي كتاب الستينات بعد كتاب الخمسينات. ليست هناك فواصل او حواجز بين جيل وآخر، وانما هناك تدفق لظاهرة ادبية او مد وصعود لها او جزر وانحسار.
كيف ترى فترة التوقف تلك، من موقعك الراهن؟
- كانت فترة غريبة الى حد ما. عوامل عديدة حالت دون كتابتي، خلال عقد الستينات، اكثر من كتاب واحد هو "ساعات الكبرياء" الذي كتبته على دفعات وصدرت قصصه على امتداد 13 سنة او اكثر. وهو يضم حوالي خمس او ست قصص، اعتبرها من اعز ما كتبت واقربه الى نفسي.
ثم جاء كتاب "حيطان عالية" الذي اعتبره كثير من النقاد والباحثين علامة وتطوراً ومغامرة… الخ، ثارت ضجة نقدية بالتأييد والهجوم، لان بعض الكتاب في ندوة نجيب محفوظ التي كانت تعقد في كازينو اوبرا، رأى ان مكان كاتب هذه القصص هو مستشفى المجانين. صدرت المجموعة في فترة صعود ما سمي بموجة الواقعية النقدية والاشتراكية والناصرية وسيطرتها وتضخمها. وليس "الواقعية" كما يساء تأويل كلامي بما فيها من جدوى قليلة وغناء كثير، فالواقع عندي هو اهم من الواقعية كمذهب فني. حصل نوع من الصمت العميق والتجاهل التام للكتاب فلم يبع الا نسخا قليلة جداً مع كل الضجة التي اثارها والتي انحسرت او توقفت بالسكتة القلبية فجأة.
وجدت نفسي طبعاً في العتمة الخارجية وصرير الاسنان - بالتعبير الانكليزي - لكن لم افقد ابداً، للحظة واحدة، الثقة والايمان او اليقين بالكتابة، ففي هذا النوع من الكتابة فترات يأس وفترات وحشة وغربة… واتضح انني كنت غير محق في تقديري، لان الكتاب كان يأخذ مساراً تحتياً - اذا صح التعبير - او هامشيا لكن مؤثراً، وان الشبان كانوا يتناقلونه ويتداولونه على غير علم مني، وكان يصوغ حساسية جديدة، او يسهم على الاقل في صياغة حساسية جديدة.
السبب الثاني هو انني انشغلت بنوع من الكتابة النقدية والترجمة بشكل غزير جداً في تلك الفترة ساهمت في البرنامج الثقافي في الاذاعة المصرية، وفي عشرات من النشاطات المختلفة: احاديث مع النقاد، ترجمات لمسرحيات، مناقشات، الخ. وترجمت روايات ومسرحيات من دون توقف. ربما كان هذا نوعاً من التعويض، او نوعاً من الايمان بدور معين للمثقف الذي لا يمكن، حتى لو تم تجاهل ابداعه، ان ينعزل عن الحياة الثقافية بشكل عام.
اما السبب الثالث لصمتي الطويل، وهو الاهم، فلم انتبه له الا في ما بعد، ويبدو انني لا اتنبه للاشياء الا متأخراً! ففي تلك الفترة 90 في المئة من مثقفي مصر ومبدعيها الحقيقيين، كانوا في السجون. وكنت على علم بالاجواء المخيمة على المعتقلات من مهانة وتعذيب، كان كل ما يجري مغلفاً بجو من الارهاب. وهذا ليس هجوماً على الناصرية لانني مقدر تماماً انجازاتها العظيمة، واحباطاتها العظيمة، وتحقيقاتها العظيمة وفشلها المدوي. لكن هذا هو الواقع. اصدقاء كثيرون ومعارف لي في السجن، وبالتالي احساس لا واع مني بأنهم مغلولو اليد ومصفدون عن الكتابة، وقد قصفت اقلامهم، فتصرفت كما لو ان شعوراً بالذنب اقترن لدي بفعل الكتابة. هكذا راح احتراف الكتابة يبدو لي، بصورة لا شعورية، كأنه ناجم عن قلة حياء.
كان هذا خطأ ايضاً، فداخل المعتقلات اعطى البعض افضل ما لديه: الفريد فرج كتب احسن كتاباته في السجن. كان هذا هو الحس، حس من الاختناق غير واضح الاسباب، ونوع من الثقل الجاثم على الروح، هذا ما كان يغل يدي، وكنت اتجاوز هذا الاحساس بين وقت واخر، بالنشاط الشديد من ناحية، وبالكتابة. كتبت خلال تلك الفترة كتابات قليلة، لكن قصص "ساعات الكبرياء" يرى الكثيرون، وانا معهم، انها كثيفة، ربما كانت اكثف واكثر احتشاداً مما يسهل تلقيه، ولن اقول مما ينبغي لان ما ينبغي تم في تصوري مع كل اوجه القصور وانا اعرفها اكثر من اي شخص اخر.
كما لو كان الفنان في داخلي يرىد ان يحشد في اضيق حد، اكبر كمية من الاحاسيس. لهذا لم يلق الكتاب حظاً كبيراً ولا استثار حفاوة النقد، مع انه اخذ جائزة الدولة في القصة القصيرة. بعد ذلك تنبه الناس ثم جاءت "رامة والتنين" وتحققت فيها كل الاشياء: الكتابة عبر النوعية والشعرية واختراق النص…
مستويات اللهجة المصرية
استغرقت كتابة "رامة والتنين" عشر سنوات، ولم تكن سنوات توقف كسابقتها. لماذا؟ هذا يدفعنا الى السؤال عن اجراءات الكتابة عندك؟
- الكتابة كما افهمها وامارسها، معايشة متصلة. لكن فعل الكتابة بالمعنى الحرفي يقع في فترة قصيرة جداً وبضغط شديد جداً وارهاق يكاد يكون مدمراً. العملية الابداعية عندي تمر في فترة احتشاد وتخمر واستعداد وتأمل طويل، ثم تنقطع فجأة بغير سبب فأدخل في فترة كتابة جادة. وقد اكتب في اليوم الواحد 18 ساعة متواصلة، وبالتالي فمعظم رواياتي الكبيرة كتبت في فترات قليلة، لكن مخاضي بها استغرق سنوات وسنوات. بعد "رامة والتنين" تدفقت الكتابة كما لو ان حاجزاً سقط، فولد طوفان ارجو ان يستمر في زخمه وخصوبته وعرامته الى ما لا نهاية…
قضية العامية في نصك، او اللغة المتعددة المستويات التي قد تصل الى تعبيرات خاصة، هل حسمتها مبكراً ولم تعد اليها ثانية؟
- اكتب بلغة متعددة المستويات والطبقات هذا صحيح. لكنها ليست اللهجة المصرية بطبقاتها المختلفة: لغة المثقفين، لغة اوساط الناس، لغة التجار، لغة اهل الصعيد، لغة الاسكندرية، لغة الريف… كل هذا استخدمه، وايضاً العربية. لا احب كلمة "استخدم" لان اللغة ليست مما يستخدم بل هي مما يعاش. وعندي ان اللغة هي كائن يسكن المرء فيتوله بعشقها. الحسم المبكر ظهر في كتاباتي الاولى، حتى الصياغة الاولى في قصص "حيطان عالية" فيها العامية وفصحى تستقي من التراث العريق الجاهلي والاموي والعباسي والتراث الديني ايضاً كما تستقي من المستويات المتعددة للغة العربية.
هذا الحسم اضفى على كتابتك نوعاً من المعايشة للواقع او من النبرة "الواقعية".
- طبعاً، انا شديد الكره لمعالجة قضية اللغة بشكل منفصل. لكن، في النقد او في الكلام الفطري، نفعل هذا مضطرين لان اللغة لا تنفصل عن مادتها ابداً. المادة تملي اللغة، واللغة تكوّن المادة، وكلاهما في عملية تفاعل ديناميكي مستمر ومتصل ولا يمكن الفصل بينهما للحظة ولا لطرفة عين.
لكي يكون الناس في نصوصك كما يتحدثون في الحياة؟
- لا. لا اهتم بپ"محاكاة" الواقع، بل اسعى الى استكناه نبضه الغني، ونقل الايقاع الحي لما اتحدث عنه. فالواقع غني متعدد، بما في ذلك الواقع اللغوي. والمسألة ليست محاكاة فوتوغرافية طبعاً، انما محاولة للادراك والتواصل، نابعة عن الوحشة التي تؤدي الى الحب.
بالنسبة لنصوصك فإن عامية القرن التاسع عشر غير عامية العشرينات من هذا القرن وغير عامية الثمانينات. والمقصود من سؤالي انك تغترف من اللغة الحاضرة وتضعها في نصوصك، هل يجعلك هذا الامر تقلق على نصوصك، ليس بمعنى الاندثار، ولكن بمعنى الغربة عن اجيال قادمة؟
- هذا انشغال خارج عن الفن، وهو قائم بشكل لا واع ولكن ليس له اهمية. مع ذلك فإن وقوع هذه اللغة، كما لو انها تأتي من غير اختيار، كما لو انها تأتي من فطرة ثانية، بمستوياتها المختلفة وبتعدد انغامها، وبتعدد السلم الموسيقي فيها، وبتعدد الهرمونيات. هذا نوع من البوليفونية، اذا صح التعبير في اللغة. هذا ما يحدث عندي. استخدم او تأتي لي او ابعث كلمات لم تجر على الالسنة منذ احقاب، في اللغة الفصحى. ووقوع الكلمات العامية في سياق معين، خارج نطاق التاريخية البحتة، يكسبها وجوداً مستقلاً، فتتخطى زمنيتها او تاريخيتها.
فكرة وجود قراء آخرين لهذه النصوص العربية غير مصريين ألا تشغلك؟
- هذا موجود في كل الآداب، وليس منه خطورة في المحلية الاميركية: الجنوب، الشمال، نيويورك، اليهود في نيويورك وهكذا… يستخدمون تعبيرات ان لم تكن تعرفها فعليك ان تسأل او ترجع لقواميسها. في غالب الامر يستطيع الفنان ان يستنفذ المحليات الشديدة من اطارها المحلي ويضعها في اطار مفهوم.
المثقف المحبط
نلاحظ في نصوصك علاقة شديدة بالنصين الفرعوني والقبطي؟
- هي علاقة المرء بذاته. واسمح لي بأن اتحفظ لان لي علاقة وثيقة جداً بالنص الاسلامي والعربي، وذلك في المحل الاول، لانها الثقافة السائدة. لكن النص الفرعوني مثلاً هو النص الذي يأتي بالثقافة والدربة، من خارج المستوى المتوارث عبر اللاوعي الجماعي. اذا تعثر المرء تقول له امه: "اسم الله عليك وعلى اختك" وان لم تكن له اخت. كانت تقولها امي، وتحيرني، هي القرين، هي "كا" الفرعوني، وهو متوارث حتى الآن. وقس على ذلك مئات وآلاف المفردات والمأثورات التي لا يعرفها المرء الا بالدربة والثقافة والبحث، ولكنها من مكونات الذات. وهذا يحدث في النص القبطي، ربما اكثر قرباً واكثر وثوقاً لان الثقافة الفرعية او التحتية القبطية هي ثقافة الطفل والصبي عندما يتكون، بالاضافة الى ثقافته العربية الاسلامية السائدة في المجتمع كله، والتي يتمثلها ويتشربها، كواقعة مسلم بها.
انها اذاً علاقة المرء بذاته وبمجتمعه، لان مجتمعنا ربما كان يتفرد - نحن نقول ذلك كمصريين - بغنى الطبقات الجيولوجية والاجتماعية الثقافية فيه. وانه لا يصح ان نتجاهل طبقة جيولوجية من هذه الطبقات لان معنى هذا، ببساطة، افقار الذات. نحن احياناً نفعل فعل الورثة السفهاء الذين يسرقون او يشتتون ثروتهم ندما نتجاهل حقبة كاملة مثل البيزنطية او اليونانية الرومانية من تاريخنا وثقافتنا، فنحن نقترف جرماً في حق انفسنا. ليس معنى هذا نفياً للطبقات الاخرى او للمعاصرة بكل ما تحمله من قيم سلوكية وحياتية، انها فكرة التنوع داخل الوحدة.
نلاحظ ان شخصية "مفتش الاثار" موجودة في رواياتك، خصوصاً في "رامة والتنين" و"الزمن الآخر" فما دلالة هذه الشخصية؟
- يقال ان الشخصيات في اعمالي دائماً مثقفة ومحبطة، وفي هذا قدر من الصحة وقدر من الخطأ. لان في اعمالي انواعاً شتى من الشخوص، طبعاً، الكاتب ليس مطالباً بقاموس او موسوعة تجمع كل شخصيات الحياة، وحتى الكتاب الذين تأسست مقدرتهم وموهبتهم على هذا النوع تولستوي وشكسبير مثلاً حتى هؤلاء كانت شخصياتهم انعكاسات لشخصية الكاتب بالضرورة.
القول ان شخصياتي تتركز حول المثقف المحبط الفاشل، فيه قدر من التزمت النقدي يكون عمى نقدياً. لان التأمل البسيط غير المنحاز وغير المقيد بأفكار مسبقة، سرعان ما يكشف عن شخصيات متنوعة، قد تكون هامشية هذا صحيح، اذ ليس عندي ابطال في كتاباتي على اية حال…
لكن هناك نماذج وثيقة الصلة بالكاتب، هي التي يراها، ويعرفها جيداً ويكتب عنها…
- وأقول أكثر، ان كل الكتاب هكذا، الكتاب يكتبون نصا واحدا وشخصية واحدة، وقد يبدو هذا الحكم النقدي محل شطط وايغال وقسوة، لكنه ليس واحدا جامدا، انما متعدد الأوجه والنواحي ومختلف المستويات…
وشخصية "مفتش الآثار"؟
- تجده في "رامة والتنين" و"الزمن الاخر" وربما في الجزء الباقي الذي لم يكتب من الثلاثية "يقين العطش" ولكن له دلالة فنية. هو اثري ومرمم آثار. لماذا؟ قد يكون المعنى انه يسعى الى تجميع التراث الفرعوني واحيائه، وكذلك التراث القبطي والاسلامي والتراث المعاصر، بمعنى ان ترميم الآثار هو اعادة الحياة الى ما يبدو مجرد مخلفات متحفية، وهو اكتشاف نبض الحياة المتدفق في هذه النصب التي تبدو جامدة او رخامية. هذا تجده في الشخصية، شخصية ميخائيل، وشخصية رامة فكلاهما يشتغلان بالآثار، وكل منهما له زاوية ووجهة نظر واختلافات اساسية واتفاقات اساسية.
لكن المسعى الروائي يقول ايضاً من ضمن ما يقول ان الاسطورة والتاريخ والتراث لا زمنية، تتحدى ايضا حاجز الماضي. ليست مخلفات أثرية بل هي مقومات وعناصر حية بكل ما لكلمة الحياة من معنى.
هذه الكتابة الروائية جهد شخصي من ادوار الخراط، مواز لجهود أخرى تحاول الاستعانة بتراث الكتابة الاسلامية والمملوكية، هذا النوع من الكتابات كان متزامناً مع كتابتك.
- اسهام سيد عويس في هذا المجال اسهام عظيم، وحسه بالوحدة الثقافية لتاريخنا وحاضرنا، حسّ عميق جدا ومرهف وعلمي وقائم على بصيرة دقيقة جدا وأدلة سوسيولوجية محكمة الاسانيد. لكن هناك جهودا اخرى كثيرة في هذا المجال، خصوصا الجهود العلمية والتاريخية.
وفي الرواية هناك كتاب يستلهمون التراث، ولكن هناك اختلافا، ومن اوجه الاختلاف ان الكاتب يستخدم التاريخ مثل الفريد فرج وجمال الغيطاني كوسيلة فنية لاسقاط الواقع ومشكلاته على المادة التاريخية، اما لأسباب تاريخية معينة واما لظروف الاملاء الفني نفسه. وهناك حق يستخدمه كوسيط فني لصياغة خطاب او التعبير عن رؤية عبدالرحمن الشرقاوي… اما عندي فالامر يختلف اذ ليس التراث مجرد وسيط، انما هو عامل فعال وماثل الآن. هذا هو الفرق بين شتى طرق استلهام التراث في الفن. التراث عندي ليس لمجرد اسقاط واقع عليه، وانما هو مادة وحي. بهذا المعنى هو ليس تراثا، والاسطورة ليس في وضع التجاوز انما نحن نعيشها، او ان العمل الفني يحياها.
بالنسبة لأدباء السبعينات وعلاقتك بهم، وتبنيك لعدد منهم، هل تحققت رؤيتك ام أصبت بخيبة أمل؟
- اتحفظ قليلا على كلمة "التبني" لأنني لا اعتبر نفسي أباً، وانما صديق ومشوق لمعرفة الجديد وتلمس المغامرات ولا تهمني في قليل او كثير كفاءة الصنعة. والمقدرة المهنية في العمل الفني، انما الذي يستثيرني ويوقظ الفضول والتطلع عندي هو تتبع المغامرة والأساليب الجديدة هذا ما يدعوني للاهتمام بكتاب السبعينات.
ومن بين عشرة كتاب تناولتهم بالنقد سنة 2197 لأول مرة، في كتابي "مختارات في القصة القصيرة في السبعينات"، لم يتخلف سوى واحد فقط عن الركب. وهم يشغلون الآن الصدارة، بعدما كانوا شبه مجهولين: ابراهيم عبدالمجيد، جار النبي الحلو، سحر توفيق، عبده جبير، محسن يونس، محمد المخرنجي، محمد عوض عبدالعال، محمود الورداني، موسى سلطان، نبيل نعوم جرجي، يوسف أبو رية. احد عشر كاتبا، كل واحد منهم له صورته، مغامرته، وليس هناك من يعيد استنساخ النماذج الرائدة، بما فيهم أنا لا أحد منهم يكتب مثلي، ولا احب من يكتب على النحو الذي أكتب به، واذا لمست في أحد الكتاب الشبان هذا النوع من التأثر، يكون الحاحي الاول ان يجالده ويصارعه ويتخلص منه، لا ان يقتل الأب، ولكن أن يجالده.
حديث الاربعاء
العلاقة بينك وبين الادباء منتظمة، وهي علاقة قراءة وبحث عن المغامرة والقاء الضوء عليها اذا امكن، هي الان تتركز في جلسة اسبوعية في بيتك كل يوم اربعاء.
- هذه الجلسة تتم منذ ثلاث عشرة سنة وهي تقليد بسيط: نناقش الانتاج، واحيانا يأتي عدد كبير وأحيانا اثنان او ثلاثة فقط، يقرأون لي كتاباتهم او أقرأ عليهم نتاجي، وفي الغالب اسمع نصوصهم. وهو لقاء بعيد عن مقهى زهرة البستان، والحرص على هذه الجلسة متبادل بيني وبين ادباء، فأنا لا أغلق الباب دون احد، الاربعاء بعد الظهر لا أغلق الباب دون احد، لكن لا ادعو احداً، وحصل نوع من ثبات التقليد بمرور السنوات.
نظرة العرب الى الادب المصري، وهي القضية التي يحاول البعض اثارتها، أود ان اعرف رأيك فيها، خصوصاً ان لك علاقات عديدة مع أدباء عرب، كما ان معظم اعمالك طبع في العالم العربي.
- هي قضية مغلوطة ومفتعلة الى حد كبير، قضية الحملات الصحافية، مجرد اثارة واستسهال. الادباء العرب يحترمون الأدباء المصريين والثقافة المصرية احتراماً عميقا. ليس فقط يحترمونها، بل يكادون يتكونون من لبانها، رضعوا لبانها وتكونوا منها. ليس هذا معناه ان هناك احتقارا للثقافة المصرية او اقتصاراً عليها. فظهور مراكز ثقافية عربية جديدة أمر يستحق الترحيب والحفاوة من دون ادنى شك، لأنه يزيد في التنوع داخل وحدة الثقافة العربية. فلكل من مقوماتها خصائصه وسماته ونكهته ومذاقه الخاص الذي يجب ان يحتفظ به ايضاً، بما في ذلك الثقافة المصرية التي هي بحكم الواقع ثقافة سائدة، وغالبة بحكم التاريخ والتراث والعوامل الجيوسياسية والسكانية والثقافية طبعاً.
وهذه الحقيقة لا تعني التهوين او التقليل من شأن انجازات الثقافات العربية المختلفة، سواء التي كانت تسمى محيطية او هامشية الخليج والمغرب، او مركزية. اعتقد انه يوجد الآن قدر من الندية بين الثقافة المصرية والمراكز الجديدة، مع اختلاف طبيعي وضروري يعود الى الظروف التاريخية نفسها وهي تفسر ثقل الثقافة المصرية هذه قضية مفتعلة غير حقيقية، الجميع ينكرها مباشرة.
قلت انك تكتب الجزء الأخير من "الثلاثية" الآن؟
- نعم، كان الجزء الأول "رامة والتنين" ثم "الزمن الآخر"، وأكتب الان "يقين العطش"، الجزء الثالث وربما الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.