يقول الخالق العظيم"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"- الآية، ويجب علينا - حالياً - أن ننظر أيضاً إلى الإبل كيف قتلت، فالموت الكبير للإبل في بيئتها الصحراوية التي اصطفتها عبر ملايين السنين بهذه الصفة المفاجئة والفاجعة لابد له أن يوحي بقدر كبير وعميق من الرمزية عن موت الصحراء نفسها بكل من فيها وما عليها... الصحراء نفسها لا تقتل الإبل، فالبيئة الصحراوية لا تتعايش أصلاً بمفاهيم الحقب والأزمنة الطويلة إلا مع الإبل والنخيل، وماعدا ذلك فهو حشو غير صحراوي وإضافات بشرية. المسؤول عما أسميه الموت الكبير للإبل هو الإنسان، ولقد قتلت الإبل بأعداد كبيرة بفعل فاعل، ولابد من العثور على المستفيدين القتلة لكي نحمي ما تبقى في صحرائنا من الموت التجاري المبرمج، لا نريد هذه المرة ولا نقبل أن نسمع في نهاية التحقيق جملة"قضاء وقدر"ثم ينجو الفاعلون بفعلتهم ويستمر السير في طريق الموت، كثير ما تنسب المصائب عندنا إلى القضاء والقدر، ولكن مجمل الاستعمالات لا يتعدى عملية التستر على جرائم لا يراد الكشف عن فاعليها، تماماً مثلما تستعمل كلمة الحق كثيراً ويكون المراد بها هو الباطل. الموت هذه المرة كبير بكل المقاييس، ويتطاول في معناه إلى رمز أساسي من رموز الحياة القليلة والصامدة في رحم هذه البيئة الصحراوية الجافة والشحيحة، صحراؤنا هذه بمواصفاتها الحياتية المحاصرة بين الكثبان والجلاميد تفاجئ العقل المفكر بحيازتها على رمزيْ حياة في منتهى الضخامة والطول والسمو، هما النخلة والجمل، وما عدا النخلة والجمل في هذه الصحراء يكون متواضعاً في سماته الظاهرية وخصائصه الداخلية، فلا هو يانع الاخضرار في القيظ اللاهب، ولا هو شديد الكرم في تنوع ووفرة الثمار عندما تشح المياه، ولا هو ضخم الجثة قوي الاحتمال في الترحال الطويل، ولا هو صبور على العطش من طلوع قمر جديد إلى بزوغ قمر وليد. إن لله في خلقه شؤوناً حين جعل الصحراء الشحيحة تصطفي الإبل الضخمة في بيئة لا تستطيع الجرابيع والضبان العيش فيها إلا تحت الأرض، وتنبت النخلة على حواف رمال متعالية متطاولة لا يورق فيها إلا حوليات تتحول إلى هشيم تذروه الرياح مع أول دورة قحط قادمة لا ريب فيها... من الممكن للغزل في النخيل والإبل أن يطول إلى ما لا نهاية، ولا تثريب في ذلك، فالعربي في جزيرة العرب له والدان لا حدود لحنانهما وكرمهما، فنحن قوم أمهم النخلة وأبوهم الجمل، لكن الموت الكبير للإبل ليس مناسبة قابلة للغزل بقدر ما هو مناسبة للتفجع وللتحريض على البحث العقلاني الدءوب عن المسؤول والمستفيد من الموت. المجالس الليلية صارت تقتات على وساوس التكهنات والاتهامات المبطنة بعد أن أخفقت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية في الكشف عن منهجية واضحة للبحث عن الأسباب الحقيقية، إن الأحاديث في مجملها تدور حول المحاور الآتية: 1- محور الأعلاف والنخائل الحاملة للسموم، من الذي سممها ومن أي مصدر أتت، من أي منافذ دخلت، من تسلمها وباعها ومن وزعها حتى وصلت إلى المواطن المسكين الذي حياته كلها إبل في إبل وكل رزقه من بهائم الأنعام. 2- محور تجارة اللحوم المستوردة بأنواعها وتجارة الدواجن، على رغم أنها على الأرجح لا ناقة لها ولا جمل لا في مضارب ولا في مصائب الإبل، لكن الناس تقول إن الخوف من أن تكون لحوم الإبل النافقة أو التي تم ذبحها وهي في الرمق الأخير قد تصل إلى الأسواق من ضمن تجارة الفطائس التي تنشر أخبارها الصحف المحلية بشكل متكرر، وأن هذا الخوف ربما يوجه الناس نحو اللحوم المستوردة والدواجن ما يحقق لتجارتها فوائد كبيرة من حيث لم تحتسب. 3- محور التنافس الداخلي بين تجارة الإبل المحلية وتجارة الإبل المستوردة ومن له مصلحة في إضعاف الثروة الحيوانية الوطنية وانهيارها أمام الأسواق الخارجية. 4- وغير ذلك محاور كثيرة من التكهنات والهواجس التي لا يجوز الخوض فيها قبل كشف الحقيقة. الناس تلوك الكثير من الكلام والأمور وصلت إلى حد التوجس من مؤامرة كبيرة تتشعب خيوطها العنكبوتية بين إغراق البلاد بالمخدرات، عبر قطع الأرزاق في انهيار سوق الأسهم، والآن جاء دور الثروة الحيوانية، وربما تكون النخيل والتمور على القائمة غداً، لن يقطع الشكوك ويجبر الخواطر ويبدد المخاوف سوى تحقيق علمي منهجي دقيق يكشف بالاسم والمكان والزمان عن أسباب الموت الكبير للإبل. * كاتب سعودي