تبدأ غداً أعمال القمة العربية التاسعة عشرة في الرياض، يميزها شعور ترقب على امتداد الوطن العربي، أملاً بأن تعبَّر القرارات المتوقعة من الزعماء ولو عن الحد الأدنى من طموحات الوحدة العضوية والسياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية... لتكريس التعاون المشترك في هذه المجالات الاستراتيجية. وصباح أمس، بدأ وزراء خارجية الدول العربية اجتماعهم التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في قصر المؤتمرات في الرياض، حيث ترأس وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وفد المملكة العربية السعودية رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، واستهل الجلسة الافتتاحية للاجتماع وزير الخارجية السوداني رئيس الدورة السابقة الدكتور لام أكول بتقرير عن إنجازات الدورة الثامنة عشرة. وأشار إلى أن السودان تولى رئاسة القمة العربية الثامنة عشرة خلال عام واجهت فيه الأمة العربية الكثير من التحديات والأحداث، استهدفت أمنها واستقرارها في فلسطين ولبنان والصومال ودارفور. وأكد وزير الخارجية السوداني في كلمته على أهمية البحث العلمي وتنفيذ قرار قمة الخرطوم حول دعم وتطوير البحث العلمي والتكنولوجي في الدول العربية. وأعلن عن تبرع السودان بقطعة أرض وسط الخرطوم لإنشاء اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، وقطعة أرض أخرى لسكن العاملين، إضافة الى عشرة أفدنة لبناء مراكز البحث العلمي المتخصصة، ومبلغ 150 ألف دولار سنوياً ولمدة خمس سنوات لتسيير أعمال الاتحاد. بعد ذلك، تسلم الأمير سعود الفيصل رئاسة الدورة الحالية للمجلس الوزاري. وقال ضمن كلمته:"هناك جملة من الثوابت التي دأبت المملكة على مراعاتها والتمسك بها، والسير بموجبها في ما يتعلق بالتعاطي مع الشؤون والهموم العربية... فأول ما ستحرص عليه المملكة وهي تستضيف قادة ورؤساء الدول العربية هو أن تخرج هذه القمة بصوت عربي واحد إزاء القضايا المصيرية، خاصة القضية الفلسطينية ...". وأضاف:"يشكل موضوع العراق بكل تعقيداته وانعكاساته المحتملة والخطيرة على دول الجوار وسائر المنطقة تحدياً خطيراً، يواجه قادتنا الساعين إلى موقف جماعي يؤكد وحدة واستقلال وسيادة العراق، والنأي به عن التدخلات الخارجية، والتوجه الجاد من اجل تحقيق مصالحة وطنية حقيقية يتمتع في ظلالها كافة أطياف الشعب العراقي بالمساواة والحقوق المشروعة". وعلى الساحة اللبنانية"فإننا نرى في انعقاد القمة العربية فرصة مهمة لحث الفرقاء اللبنانيين على تغليب مصلحة بلادهم ووطنهم على كل اعتبار آخر، ونشيد بجهود الجامعة العربية لتحقيق الوفاق الوطني اللبناني الذي بدونه يصعب تجاوز المشاكل والعقد القائمة". وفي ما يتعلق بمشكلة دارفور والوضع في الصومال قال الفيصل:"فإن التعامل معهما سيتم في ضوء ما أسفرت عنه جهود الجامعة العربية، وما توصلت إليه اللجان المنبثقة عنها من توصيات في هذا الشأن"... وحول المسألة النووية قال:"فإن القمة ستكون مدعوة للتأكيد على ضرورة الوصول إلى حل سياسي للملف النووي الإيراني، مع الأخذ بالاعتبار هدف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية على نحو لا يقبل الاستثناءات، والحفاظ على حقوق كافة الدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووي في الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية، وبموجب الاشتراطات الدولية المعروفة". ورأى الفيصل في كلمته"أن من أهم ما ستبحثه القمة هو مسألة النهوض بمفهوم الأمن العربي المشترك، على النحو الذي يجعل هذا المفهوم أكثر شمولية واتساعاً، بحيث يستوعب ليس فقط البعد العسكري، وإنما جملة التحديات الأمنية والاقتصادية والثقافية والحضارية التي تواجه أمتنا العربية، وتستدعي منا استعداداً وتأهيلاً خاصاً". وكان للثقافة نصيب، فبحسب وزير الخارجية السعودي:"بالنظر للعلاقة الثابتة بين ثقافة الشعوب وشخصيتها وهويتها وما يشهده الوضع الثقافي العربي من تحديات واختراقات يمكن أن تطال جوهر هويتنا، فقد أصبح لزاماً علينا أن نلتفت إلى البعد الثقافي وما يستوجبه من وقفة تأمل ومراجعة شاملة، بما يكفل التصدي لمشاكل التعليم والثقافة في عالمنا العربي، ويوضح معالم الطريق المؤدي لتشخيصها ومعالجتها". وقال شارحاً أجواء هذه الاهتمامات:"... على سبيل المثال وليس الحصر وعلى قاعدة الأهم قبل المهم". عقب ذلك، ألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة، أوضح فيها أن المجلس الوزاري توصل من خلال هذا الاجتماع إلى المرحلة النهائية للتحضير للقمة، والإعداد النهائي لمشاريع القرارات والتوصيات، ووضع اللمسات الأخيرة لجدول أعمال حافل بالمواضيع السياسية والاقتصادية والأمنية، تمهيداً لمناقشتها وإصدار القرارات الخاصة بها وتحديد المواقف العربية منها، وقال إن ثلاث قضايا أساسية ميزت الأعمال التحضيرية: مجال الأمن العربي، والطرح العربي الجماعي لإيجاد تسوية سلمية للنزاع العربي - الإسرائيلي، والمجال الاقتصادي والتنموي والاجتماعي، وكيفية النهوض بهذه القطاعات. وأفاد الأمين العام بأن أمام وزراء خارجية الدول العربية ثلاثة تقارير تتناول مختلف مجالات العمل العربي، من بينها تقرير خاص حول تطوير التعليم في الدول العربية. من جانبه، ألقى النائب الأول لوزير العلاقات الخارجية في كوبا الرئيس الحالي لمنظمة دول عدم الانحياز برونو رودريغنس كلمة، استعرض من ضمنها جهود دول المنظمة في دعم السلم العالمي وبخاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ومنها إدانة الأعمال التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية... وعبر عن إدانة كوبا لمظاهر الإساءة للإسلام وعدم التسامح الثقافي تجاه الشعوب العربية، مؤكداً أهمية الحوار والتضامن بين الأمم والحضارات والثقافات المتعددة في مضمونها. تشكيل مجلس الأمن والسلم العربي أعلن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أمس، أن مجلس الأمن والسلم العربي الذي أقر إنشائه في قمة الخرطوم العربية العام الماضي دخل حيز التنفيذ يوم أمس، بعد إيداع الجزائر أوراق التصديق على إنشائه لدى الجامعة العربية. وكان يفترض أن تصدق برلمانات سبع دول عربية على إنشاء مجلس الأمن والسلم العربي ليدخل حيز التنفيذ، وكانت المملكة أول الدول التي صدقت على إنشائه وبعدها صُدق من مصر وسورية والسودان والأردن وقطر وأخيراً الجزائر. وقال عمرو موسى في مؤتمره الصحافي أمس بعد انتهاء اجتماع وزراء خارجية الدول العربية التحضيري للقمة:"ابتداءاً من اليوم أمس دخل مجلس الأمن والسلم العربي حيز التنفيذ ليكون الآلية العربية لفض وتسوية المنازعات بين الدول العربية بالطرق السلمية، بهدف الحفاظ على الدول العربية"وأضاف:"هذا الجهاز يمكنه أن يشرف على تشكيل قوة حفظ السلام العربية، وتكون جاهزة للقيام بمهمات حفظ سلام توكل إليها في دول عربية في حال طلب منها ذلك". وتابع موسى:"إذا نشأت أزمة يكون المجلس وأجهزته في حال انعقاد دائم لحل المشكلة". وتم إقرار المجلس في قمة الخرطوم عام 2006، ليكون آلية عربية لفض وتسوية النزاعات بين الدول العربية بالطرق السلمية. زيباري وعمرو : ثقة كبيرة بدور السعودية أكد وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور زياد عمرو أن وزراء الخارجية العرب قرروا التمسك بالمبادرة العربية للسلام كما هي، واتفقوا على مقترح تقدم به لوضع آليات وإطار زمني للتحرك من أجل تفعيل المبادرة العربية. وقال:"هذه الآليات تقوم على إجراء حوارات متعددة مع أطراف دولية، منها الأمين العام للأمم المتحدة وأطراف"اللجنة الرباعية الدولية"وأعضاء مجلس الأمن الدولي، وكل الأطراف الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالجهود الرامية إلى إقامة السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط". وأضاف عمرو في تصريح عقب الجلسة التحضيرية المغلقة لوزراء خارجية الدول العربية لإعداد جدول أعمال القمة العربية في الرياض أمس:"أن المبادرة العربية للسلام تلقى قبولاً دولياً متزايداً، ويجري الحديث عنها بشكل واسع كأساس لتوفير حل شامل وعادل للنزاع العربي ? الإسرائيلي". ونوّه وزير الخارجية الفلسطيني في تصريح لوكالة الأنباء السعودية إلى أن الجميع على ثقة بالدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به السعودية في خدمة قضايا الأمة العربية، نظراً إلى مكانتها المرموقة، وحضورها الفاعل في مؤسسات المجتمع الدولي، وأعرب في ختام تصريحه عن أمنياته بأن تكلل أعمال القمة العربية بالنجاح، وان يتوصل القادة العرب إلى ما يحقق طموحات شعوب المنطقة إلى الأمن والاستقرار. من جانبه، قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في تصريح مماثل إن الملف العراقي يأتي في المرتبة الثانية على جدول أعمال القمة العربية التاسعة عشرة بعد ملف قضية فلسطين، وأضاف في تصريح أمس عقب الاجتماع التحضيري لمؤتمر القمة العربية:"إن الوفد العراقي قدم للقمة رؤية حول السبل الكفيلة بتحقيق الاستقرار والوفاق والأمن في العراق". وقال زيباري:"إن الحاجة لتحقيق الأمن في العراق تتطلب تعاون دول الجوار خصوصاً، وبقية الدول العربية بتقديم المساعدة لمنع التسلل وضبط الحدود مع الجيران". وشدد الوزير العراقي على ضرورة تأييد تحرك الجامعة العربية لتكريس الالتزام الدولي بالمبادرة العربية بكل بنودها.