لا أحد يستطيع الجزم بالكمية التي أحرقها السعوديون من بخور خلال الأيام الثلاثة الماضية، فالبعض لا يرى العيد عيداً من دون أن يرى دخان البخور يتطاير في غرفة استقبال الضيوف، ويستنشق رائحته أو رائحة دهن العود، والذي تقدر حجم مبيعاته هو والبخور سنوياً بنحو 300 مليون ريال. ويصل سعر كيلو البخور إلى نحو 33 ألف ريال، وهو سعر مقارب لسعر كيلو الذهب. وشهدت محال البخور والعود إقبالاً ملحوظاً خلال الفترة الماضية، وقدر أحد العاملين في فرع لإحدى الشركات الكبرى أعداد الزبائن التي تعامل معها بأكثر من مئة مشترٍ يومياً. ويقول:"حافظنا على أسعارنا ثابتة، كما طرحنا عروضاً جيدة لكسب الزبائن، ولكننا وضعنا أنواعاً حديثة وذات خامة معينة، تطلبت أسعاراً مرتفعة ونسبة الإقبال عليها ملحوظة". وقدرت أسواق العطور في المنطقة الشرقية نسبة الأرباح التي حصلت عليها نتيجة لارتفاع مستويات الشراء منذ بدء الاستعداد للعيد، بنسبة 85 في المئة، على رغم اختلاف جودتها واتباع طرق تقليدية في تصنيعها، ويقول مدير مجموعة شركات عطور في"الشرقية"إسماعيل الخلف:"إن العطور ليس لها موسم، فهي مطلوبة على مدار العام، أما في العيد، فتزيد نسبة إقبال الزبائن، وترتفع نسبة المبيعات بمعدلات جيدة خلال الأعياد ورمضان إلى 85 في المئة". ويشير الخلف إلى أهمية"جودة المنتج وعدم اتباع الطرق التقليدية في التصنيع"، مضيفاً"شركات العطور لا تتطلع إلى التقليل من أهمية الجودة والنوعية في منتجها، فنحن نحصل عليه من خلال شركات أخرى، وليس لدينا مصانع تعبئة أو تصنيع، ولكن بحسب الخبرات نتمكن من معرفة ماهية الصناعات المقدمة"، مشيراً إلى فوارق الأسعار التي اجتاحت الأسواق خلال الفترة الماضية"في أسواق الجملة حافظت الأسعار على ثباتها، وفي حال ارتفاع سعر العلبة، فلا يزيد على ريال واحد". وما يثير الانتباه، هم أصحاب البسطات الذين تتفاوت الأسعار لديهم في شكل كبير، إذ تم بيع علبة العطور التي لا تصل قيمتها إلى 30 ريالاً بقيمة 50 ريالاً وأكثر. ووقعت ابتهاج سميح 22 عاماً في فخ أحدهم، وتقول:"توجهت لشراء العطور، ولاحظت ارتفاع أسعارها، إذ توقعت أن يكون ارتفاعاً بسيطاً، ولكن ما أدهشني أن أشتري علبة العطر بمئتي ريال من أحد المحال، وأجدها نفسها لدى بائع آخر ب 120 ريالاً، أعتقد أن هناك فجوة وخللاً في سوق العطور والمواد التجميلية". وتنظر بحيرة إلى زجاجتين وتبدأ في تفحص الفوارق بينهما، لتقول"لا فوارق أبداً، فالفارق هو الغش الذي يصاب به أصحاب المحال يكون مختلفاً من شخص لآخر، كل بحسب طبيعته وشخصيته". وفي مثال أبسط من الذي حدث لابتهاج، وقعت ليلى عبدالله ضحية غش في سوق العطور. وتقول:"اشتريت زجاجتين من العطور، واحدة رجالية والأخرى نسائية من بائع بسطة، فبلغت قيمة العطر النسائي 25 ريالاً والرجالي 35 ريالاً، وبعد مفاوضات استمرت أكثر من ربع ساعة تقريباً، وفي اليوم الذي يليه توجهت مع زوجة أخي إلى السوق ودخلت محلاً للعطور، وبدأت بالاستفسار عن سعر العطور التي اشتريتها، فاتضح لي أن علبة العطر الرجالية التي اشتريتها بعشرة ريالات، أما النسائية فكانت ب 20 ريالاً، فشعرت برغبة قوية في الضحك على نفسي"، متعجبة من"استهتار التجار بعقليات الزبائن". ولا يقتصر الأمر على التلاعب في الأسعار، إذ تعدتها إلى التلاعب في المنتج، من خلال عمليات غش متقنة، يقوم بها تجار. وبدأت تدخل على صناعة البخور وعطوره. إذ بدأ بعض الموردين في دول المصدر بحقن شجر العود بمواد كيماوية وهرمونية لتحفيز الأشجار على إفراز المادة الضرورية لإنتاج الرائحة، ما يفقدها جودتها الطبيعية. ويستخلص البخور من مادة عطرية يفرزها شجر العود المنتشر في غابات الهند وحوض البنغال وبورما وكمبوديا، وغيرها من مناطق شرق آسيا. وعادة ما تقوم شجرة العود المريضة بإفراز مادة للدفاع عن نفسها من هجمات البكتيريا، وهذه المادة هي السر في الرائحة العطرية لشجر العود.